وهْم المؤامرة وصهد الواقع
خليل الفزيع
لا تزال بعض القيادات العربية معزولة عن شعوبها، لأنها ضربت حول نفسها طوقا من العزلة، جسدها نهم التهافت على السلطة المسنودة بقوة العسكر، ورجال المباحث وعملاء المخابرات، وهذه العزلة هي التي جعلت تلك القيادات تجهل ما هي مطالب شعوبها، وما تريده من إصلاحات هدفها رفاهية المواطن وحماية الوطن من الاضطرابات والانقلابات والثورات التي تجر خلفها قوافل من السلبيات يستغرق تجاوزها ردحا من الزمن، لذلك لا غرابة أن تحيل تلك القيادات وزر تقصيرها تجاه شعوبها للتآمر الخارجي، والتحالف مع القوى الأجنبية، اعتمادا على نظرية المؤامرة التي حملت فوق طاقتها في زمن المتغيرات السياسية المتلاحقة، وهي ذريعة يسهل الالتجاء لها عند الحاجة، أي عندما تنهض الشعوب المغلوبة على أمرها لتصحيح مسار أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكنها ذريعة لا تعفي تلك القيادات من تحمل مسئولياتها، ولا تمنع تلك الشعوب من المطالبة (بإسقاط النظام) وهي العبارة التي أصبحت سمة دائمة لكل الحركات الجديدة في مظاهراتها العامة، حتى وإن لم يكن هذا هو المطلب الأساس لجميع المتظاهرين، والتشبث بنظرية المؤامرة، يعبر عن الجهل بالواقع والهروب من صهد هذا الواقع، لأنها تزيح أسباب هذه المظاهرات الواقعية إلى مؤامرات خارجية تنسج خيوطها في الخفاء للنيل من هذه السلطة أو تلك، وهو تفسير سهل لدى تلك القيادات يعبر عن غياب وعيها عما هو عليه حال شعوبها، وهو تفسير ينطوي على مخاطر مفاجئة، تنسف نظرية المؤامرة رأسا على عقب، ولكن بعد فوات الأوان، عندما تستيقط تلك القيادات لتجد نفسها منفية عن بلادها، هذا إذا لم تخضع لمحاكمة عسيرة قد تودي بها إلى الهلاك.
الواقع الذي تعيشه معظم الشعوب العربية، بلغت مأساويته، إلى حد أن تقف تلك الشعوب مكتوفة الأيدي أمام تسلط الحاكم، وإصراره على حرمان شعبه من حقوقه المشروعة، وعدم تلمس مطالبه الملحة، وتوفير العيش الكريم له، وهذا ما يفسر استقرار الأوضاع في البلدان التي يتمتع سكانها بمعدلات دخل مناسبة، وفرص عمل كبيرة، وخدمات عالية المستوى للجميع، إضافة إلى حرية الرأي، والمشاركة في اتخاذ القرار، والإسهام في البناء التنموي والعمل على تصحيح مساره، لضمان استمراره في الطريق الصحيح، بعيدا عن فساد الذمم، والمحسوبيات والامتيازات غير المشروعة، وسطوة رأس المال وتدخله في الحياة السياسية، وهو ما عرف بمسمى (تزاوج السلطة ورأس المال) للتآمر على الشعوب وحرمانها من معظم حقوقها الأساسية.
عندما تتجاهل السلطة صهد الواقع وقسوة المعاناة وضغط الظروف وغيرها من عوامل تأخر الشعوب وتخلفها، فإن هذه السلطة لن تلبث أن تواجه انفجار تلك الشعوب بعد أن يزيد الضغط عليها، ولا تجد
امامها مفرا من التسليم بالواقع الجديد، وحتى لو بلغ عدم الوعي لدى بعضها درجة تجاهل هذا الواقع الجديد، والاستهانة بالحراك الشعبي الملتهب، فإن النتيجة محسومة منذ البداية، وهي (سقوط النظام) حتى ولو طارد شعبه (شبر شبر.. بيت بيت.. دار دار.. زنقة زنقة) وهي مطاردة فاشلة، تؤكد (زنقة) وتخبط وحيرة هذا النظام، وضعف حيلته، أمام الصوت الهادر لجماهير تنادي بسقوطه، وهذه هي النهاية الطبيعية لكل عتاة التاريخ، المتشبثين بالسلطة حتى الرمق الأخير.. وهذا هو الثمن الفادح لمن لا يرى الأمور إلا من جانب واحد يترجم مقولة: (أنا وبعدي الطوفان).
جريدة الشرق القطرية . الأحد 6/3/2011
التعليقات (0)