وهم الخلافة الحلم الضائع
تعيش بعض العقول في أحلام ضائعة وأوهام مظلمة , تعيش خارج الزمن بكل تفاصيلة , لا تعترف بتغير الواقع وتسلسل الاحداث , تقرأ التاريخ بعين واحدة , عقول لا تؤمن بأن قوانين الزمن لا يمكنها الركون أو العودة للوراء , فالزمن ظروفه وأحواله متغيرة ولا يستطيع كائن من كان التنبؤ بما سيحدث مستقبلاً !
عقول الظلام تعيش في أزمة ثقافية وتاريخية بحته أزمة أنعكست بالسلب على المجتمعات فكل ما يحيط بها أٌصيب بنفس الأزمة فأصبحت تلك الأزمة علامة فارقة في جبين العقل الظلامي الذي يٌصدر ظلاميته بأساليب وسبل مختلفة , فأدبيات الإسلام السياسي خاصة التيارات والحركات والجماعات ذات المفهوم والتوجه السلفي تؤمن بالخلافة كحل أساسي يقضي على حالة التشرذم والانحطاط التي تعيشها الأمة العربية والإسلامية , فتلك الجماعات ترى أن عودة حكم الخلافة كفيل بإنهاء وضع الامة المتردي فهي لا تؤمن بالحدود السياسية القائمة وتسعى لتقويض الدول التي هي كيانات سياسية مستقلة وذات سيادة , فتقويض الدول يعنى المساهمة في انهيارها عبر نشر الإرهاب بمختلف صورة وأساليبة وتبني أدبيات ذات بعد أدلوجي وزرع بذور الشقائق والنفاق والطائفية والاحتقان في المجتمعات حتى تتحقق مقولة فرق تسد وتصبح الدولة ككيان سياسي مهددة بالانهيار ويبقى فقط إطلاق رصاصة الرحمة , وهنا فرق بين إسقاط نظام متسلط ديكتاتوري وبين تقويض الدول والمساهمة في انهيارها فالاول وهو إسقاط النظام حق مشروع للجماهير التي تعيش في ظلم وظلام , وأما الثاني فليس من حق احد المساهمة في إنهيار بلدة والإضرار بوحدتها وكيانها فذلك فعل يصنف على أنه خيانة عظمى للوطن يستحق اشد العقوبة , لكن تلك العقول لا تؤمن بذلك الفرق فسعت لإستثمار الربيع العربي حتى تحقق حلمها بعدما فشلت خططها السابقة التي هي امتداد للغباء الفكري والجهل السياسي , ففي السابق عزفت على أوتار الجهاد وقتل من تسميهم المرتدين من الشعوب , فنشرت الارهاب وضربت كل شيء ولم تستطع تحقيق أي شيء فأتجهت لادلجة الحياة وضرب السلم الاجتماعي عبر تبني أفكار وأراء تصطدم مع قيم الانسانية كالتعايش والحريات الفردية , تلك الادلجة اسهمت في تحقيق جزء بسيط من حلمها وهي تجنيد الكثير من الأتباع المغرر بهم والذين سقطوا في وحل الصدام الفكري مثلما سقط الذين من قبلهم بوحل الارهاب الدموي والفكري .
تختلف حركات الإسلام السياسي في بعض الادبيات الفرعية لكنها متحدة في التضليل والتغرير والحلم فهي وإن أختلفت فيما بينها الا أنها تجتمع في نقطة واحدة وهي العمل المشترك للوصول إلى السلطة وتحقيق حلم الخلافة والوحدة الإسلامية بغض النظر عن نتائج ذلك الحلم وبغض النظر عن الدموية التي ستصاحب مسيرة ذلك الحلم , منذ أن سقطت الخلافة العثمانية التي هي في الأساس ضرب من ضروب الاستعمار وكما تسمى رجل أوروبا المريض والحلم ما يزال قائماً فلكل جماعة فرع بكل دولة فرع سري في الغالب يعمل ليلاً ويتوارى عن الأنظار نهاراً .
العودة للخلافة ليس عيباً لكن العيب استدعاء التاريخ ومحاولة تطبيقة بالقوة , فنحن في زمن الدول المستقلة ولسنا في زمن التخلف والرجعية والغباء , فالخلافة ليست مجرد كلمة يرددها البعض ويتبناها أخرون ويحاول بعض الجهال تطبيقها , فالخلافة الحلم ستكون مثل خلافة الدولة العثمانية إستعمار للبلدان بغطاء ديني ولن تكون كخلافة الصحابة رضوان الله عليهم , وهنا وقائع فالخلافة العثمانية وخلافة بنو العباس وبنو أمية أشتهرت بالتعصب والضعف والقتل والاضطهاد ولنا في كتب التاريخ نماذج متعددة كثيرة , ولم يعرف عنها الا انها كانت أمبرطوريات كبيرة يٌمارس فيها كل أنواع الاستبداد والظلم والاضطهاد بإسم الدين والوحدة ونشر الإسلام , ولن تكون تلك الجماعات بمأمن عن تلك الممارسات فعلى سبيل المثال لا الحصر ما يمارسه حزب العدالة والتنمية التركي الحالم كغيرة بحلم الخلافة من اضطهاد وتنكيل بحق مخالفيه ومعارضيه ولا ننسى السودان وأفغانستان طالبان وغيرها , فكل حركات الإسلام السياسي تقمع شعوبها بإسم الإسلام وتنشر الفساد بإسم الإسلام وتسعى لضرب وحدة البلدان بإسم الاسلام والعلة في ذلك هي الحلم يٌريد ذلك , فالحلم له ثمن والثمن دماء وحريات وأموال الشعوب !
التخلف والرجعية سمه بارزة في العقل العربي فهو يهرب من مشكلاته عبر تبني أدبيات خيالية ويرى أنها ستحل مشاكلة ولو التفت لواقعه لوجد أن تلك الأدبيات ماهي الا أفعال ستزيد من أزماته وتعمق مشكلاته أكثر وأكثر , ولا يقول قائل أن الإسلام ليس صالح لحل مشكلات البشر , بل هو صالح لكن الاسلام دين معاملات وليس شعارات دين حرية وتطوير وتحديث والبناء يكون بالتعايش والقوانين وتحقيق العدالة ولو قرأ العقل العربي الهارب من مشكلاته التاريخ بوعي لوجد أن هناك نموذج غاب عن الكثيرين فدولة الرسول انتهجت نهج المدنية ولم تنتهج نهج الدينية فالمدنية تعني تعايش الجميع وتبني الدساتير الوطنية والعمل المشترك لبناء حضارة فكانت وثيقة المدينة بداية الانطلاق نحو بناء دولة حضارية قبلت الجميع بلا استثناء , وهنا الفرق فجماعات وحركات الاسلام السياسي تسعى للدولة الدينية وليس المدنية حتى وإن رددت شعار المدنية فالممارسات والسلوك والادبيات ترفض المدنية ولعل ابلغ دليل على ذلك ما يردده منظري تلك الحركات والجماعات فهم يقولون سنستخدم المدنية حتى نصل وبعد الوصول سنرفض المدنية بكل تفاصيلها , والسبب في ذلك عدم استيعابهم لحقيقة المدنية التي لا تتعارض مع الدين .
ما يزال ذلك الحلم الضائع يعشعش في عقول البعض لكنه حلم لن يتحقق فحركة الوعي بدأت تشق طريقها نحو العقل العربي وبدأ الجميع يعي ويدرك مخاطر ذلك الحلم , الشيء الذي يؤلم هو قفز تلك الحركات من على ظهور وأكتاف ودماء من خرج رافضاً للظلم , استثمرت المشهد وقطفت ثمار زرع زرعه شباب في عمر الزهور ومن كان ذلك فعله فلا يعول عليه في بناء وطن ولا حماية سيادة !
الحرية والعدالة والمشاركة مطلب وحق , لكن تلك المطالب تحولت لشعارات يستثمر فيها دعاة التضليل والتغرير حتى يحققوا شعبية أكثر , فأين عقلاء الأوطان عندما يتم التكسب عبر شعارات عادلة وأين دعاة الحقوق الحقيقيين الذين يؤمنون بها ولا يستثمرونها استثمار المصالح , فقد تحولت تلك الشعارات العادلة لشعارات استثمار في بورصة الأحلام الضائعة , لكن سيكتشف الجميع في يوم ما حقيقة ما يدعون إلية باسم الإسلام , فالجميع أكتشف حقيقة الجهاد الذي لم يكن لنصرة الإسلام وإنما لتحقيق مأرب وأحلام ظلامية !
التعليقات (0)