مواضيع اليوم

ومضة زمــن !

عبدالسلام كرزيكة

2010-03-03 14:12:41

0

يقال : إن الإنسان في سن العشرين يسعى لتغيير العالم . وفي سن الثلاثين يسعى لتغيير وطنه . وفي سن الأربعين يسعى لتغيير مدينته . أما في سن الخمسين فيسعى لتغيير نفسه . مايعني تدرجا واضحا في حجم الطموحات ، ومقدار القوة والطاقة ..

فالشاب في العشرين يملك جسدا قويا ، ومخيلة واسعة تصل بأبعادها إلى المالانهاية . فيتصور أن بإمكانه قطف النجوم لو أراد ذلك . وفعلا يسعى ويناضل في سبيل ذلك . وفي غمرة الزمن المتسارع ، يذوب ، ويغفو ، ويصحو على عمر الثلاثين ..

فيجد المعطيات التي أستخلصت من دوامة (الزمان والمكان) كفيلة بتغيير بعض المفاهيم الطائشة والعشوائية . وكفيلة بمعرفة أن كتلة العالم وأبعاده الحقيقية كبيرة جدا ، وأن واقعه أصعب من أن تبلوره مخيلته في نطاق واحد . لذلك يتقلص الحلم تماشيا مع المساحات الممنوحة وفق أبجديات معقدة . وينزوي في ركن الوطن . الوطن بوصفه إنتماء يمكن تحديد بعض أبعاده الجغرافية ، والسوسيولوجية ، ويمكن معرفة الحجم الحقيقي لطاقاته . فيعود ويذوب في غمرة الزمن المتسارع ، فيغفو ، ويصحو على عمر الأربعين ..

هنا يكون الزمن قد نال من الجسد كثيرا ، لكنه لم يزد العقل إلا معرفة ، وحكمة ، ورجاحة .. العقل يكون قد إحتفظ من رحلة الزمن المرهقة بالكثير من الرؤى الثاقبة ، والمفاهيم ، والأبعاد الحقيقية للعالم مقارنة بالوطن ، ومقارنة بالمدينة التي لاتقل أهمية عنهما ، بل ربما منها يستطيع بعث الطموح من جديد وبشكل عكسي . بدءا بها ، مرورا بالوطن . وصولا إلى العالم .. العقل هنا أصبح يقدر قيمة الجزئيات والتفاصيل الصغيرة ، وقطع أشواطا كبيرة في رحلة الإدراك . إدراك أهمية الذرة في بناء العالم .. فيستسلم الجسد لسكون النفس التي عرفت إجابات كثيرة ، فركنت إلى الهدوء بعد الجموح . فيعود ويذوب في غمرة الزمن المتسارع ، فيغفو ، ويصحو على عمر الخمسين ..

العقل والجسد يتفقان على الهدنة ، ويتقلص نشاطهما ، ليقتصر على تفاصيل الحيز الشخصي ، والعناية بالتراكمات ، وبمخلفات الرحلة الزمنية ، فهي إرث يحوي - تقريبا - كل شيء . تعلم صاحبه أن العاقل يجب أن يبدأ بنفسه ، فتحل القناعة في قلبه وينتظر النهاية بهدوء .


ـــــــــــــــــــــ

تاج الديــن : 03 - 2010

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات