مواضيع اليوم

ومضات لها معنى

نزار يوسف

2009-06-04 20:08:06

0

الحياة التي نعيشها مليئة بالمتناقضات و الدروس و الحكم . و يصح القول أنها ( أي الحياة ) مدرسة ، فهي فعلاً مدرسة ، كونها تعلم الإنسان و تعطيه عبراً و تجارب لا ينساها . تلازمه طوال سني حياته . و الحكيم العاقل هو من يعتبر من هذه التجارب ، فتكون دخيرة حية له تحميه و تقيه الوقوع مرة أخرى في الخطأ . أما الضريبة التي يدفعها لقاء ذلك ، فهي قد تكون ضئيلة يسيرة على الكيس أو الجيب ، أو تكون باهظة الثمن ثقيلة الوطء . و لكنها و بالأحوال كافة تكون درساً عملياً مفيداً للمرء . و الذكي ذو اللب العاقل ، هو الذي لا يقع في تجارب اختبار الناس اليومية بل يعتبر بها و منها ، عن طريق الغير الذي وقع فيها تماماً كمقولة الإمام علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه ) " عليك بمعاشرة أصحاب التجارب ، فإنها تمر عليهم بأغلى الغلاء ، و تأخذها منهم بأرخص الرخص " .


و لكن أحياناً و كما يقال .. ما باليد حيلة .. يقع الإنسان في مطب التعامل مع الناس ، من عمليات نصب و غيرها إما نتيجة لقلة علمه و درايته ، أو نتيجة لمهارة الشخص المتعامل معه في التموية و التعمية ، أو سوء فهم يقع ما بين الأمرين ، و السبب حتماً هو تكوين صورة مغلوطة عن الشخص الذي يتم التعامل معه ، إما لجهل الشخص المتعامِل ( بكسر الميم ) أو قدرة الشخص المتعَامل معه ( بفتح الميم ) ، و هو ما يسمى الدّعي الذي يأتيك بصورة رجل أعمال و هو نصاب محتال . أو أكاديمي متعلم و هو جاهل بالفطرة ، أو إنسان متواضع خلوق محب ، و هو أكبر مغرور مجانب للأدب و الذوق العام و هلم جر ... و لا يتضح ذلك إلا بالتعامل مع هذا الشخص و الاحتكاك معه بطريقة من الطرق .

هذه القضية أضحت بمثابة ظاهرة العصر و الأوان الذي نعيشهما الآن ، تحت يافطة .. ( ظاهر الشخص الذي أمامك في الشارع أو التلفاز أو العمل و ما إلى ذلك ، هو غير باطنه الذي يخفيه ) .
بكلا الحالتين لا ضير من أن يلوم الإنسان نفسه أولاً و أخيراً ، لأنه بالنهاية سيكون هو الملام من المجتمع على مبدأ القصة التالية :
قيل لأحد شعراء الجاهلية : أنت لا تحسن الهجاء ، فلماذا ؟؟!! قال : بلى إني أحسن الهجاء ، و لكنني رأيت الناس ثلاثة .. شخص لم أساله ( أي أطلب منه حاجة ) فلا ينبغي لي أن أهجوه . و شخص سألته فمنحني ، و هو الممدوح . و شخص سألته فلم يمنحني ... فنفسي أحق بالهجاء إذ سولت لي أن أسأله .


أما مفهوم الدعي أي الشخص الذي يدعي ما هو ليس فيه .. كالعلم و الثقافة أو الأدب أو الأخلاق أو احتراف مهنة معينة ( طب – هندسة .. الخ ) فتجسده القصص التالية التي تصرفنا فيها بشيء من التحوير و الإضافة :
لما مات حاتم الطائي ، تشبه به أخوه و ادعى أنه مثله ، فسمعت أمه بذلك و كانت عجوز معمرة ، فاتكأت على عصاها و جاءت إليه و قالت له " أي بني ، نبئت بأنك تشبهت بأخيك ، فهل هذا صحيح ؟ فقال لها " نعم يا أماه . فقالت له " و لم تفعل ذلك ؟؟ فقال لها " لأكمل مسيرته في الجود و الكرم . فقالت " إنك لم تكن يوماً مثله و لن تكون ، فدع عنك هذا الأمر و لا تتعب فيما لا تناله . فقال لها " و ما يمنعني من ذلك ؟؟!! هو أخي من أمي و أبي !!! " فقالت له " و الله يا روح ماماه عندما كنتما صغيرين ، كنت كلما أرضعته ، بكى حتى يأتي طفل يشاركه الثدي الآخر . و كنت كلما أرضعتك أنت و دخل صبي الفناء ، بكيت حتى يخرج . فلذلك يا روح ماما ، اترك هالمصلحة و شوفلك مصلحة أخرى عمي .. افتح بسطة فلافل إذا بدك .. ولا قلك ، فتحلك طبلية إكسسوارات .. ولاّ روح لا تزعل .. افتح محل قطع غيار .. رو عمو رو .. احلييييييق . فطأطأ الرجل رأسه و دندل أذنيه و لم يتكلم .

 

يروى أيضاً أن أحد الملوك كان عندما يغدو المسجد ، يرى فيه شاباً طالت لحيته و عرضت . قد اعتكف إحدى زواياه معتزلاً الجمهور و قد طال حزنه و بكاؤه و سجوده و ركوعه و تهدجه نوفلة و صومعة . فقال لخواصه : إن يكُ سر هذا كعلانيته فهو خير الناس . فقال له وزيره : أنا آتيك بسره .
قال يا سيدي ملا أنت ، فسأل الوزير عن ذلك الشاب فقيل له أن اسمه بلال و يقطن في حي كذا شارع كذا دخلة كذا جانب حلويات كذا . قال فأتاه ليلاً و طرق بابه ففتح أخونا بلال الباب ، فقال له الوزير : قد علمتني وزير الملك .. و هو يريدك واليا لولاية فلوريدا ، و قد سألني المشورة ، فما تعطيني إن أنا زكيتك عنده و رشحتك حاكماً للولاية ؟؟ فقال بلال : أعطيك نصف خراجها .. فيفتي فيفتي . فغادره الوزير إلى الملك الذي سأله : هات خبّر .. ما وراءك يا وزير الدولة ؟؟؟ كيفو أخونا بلال ؟؟؟ قال الوزير : والله يا مولاي .. طلع الرجل مفنّش
ـ يعني إيش مفنش ؟؟؟ ( سأل الملك بلهفة )
ـ يعني يا مولاي خالص كازه .. يعني الكَفَرْ نوكيا فنلندي ، بس الشاسيه تقليد صيني .. ما في ختم ( مابكو) . روى الوزير قصة بلال للملك الذي قال : لقد ظننا وعاء بلالا خيراً كله ، فلما سكبناه اتضح أنه خبث كله . 
ما أكثر الكفرات الفنلندية التي تغطي الشاسيهات التقليد .

 

القصة التالية تجسد مقولة أن لا شجرة وصلت لربها و أنه مهما كنت ذكياًَ فهنالك من هو أذكى منك و لكنه لا يظهر غروره :
كان أحد الرجال مغروراً بفصاحته و بلاغته ، فقيل له : هناك رجل أذكى منك و أفصح في المكان الفلاني . فركب الرجل ناقته و سافر إليه ، و عندما وصل إلى بيته لم يجده ، بل وجد ابنته الصغيرة ، فقال لها " أي بنية .. أين أباك ؟ " . فقالت الصغيرة " فاء إلى الفيفاء و متى فاء الفيئ فاء .. رو عمو رو ... لك روووو لك عمو .. احلييييييييقق " . فرجع من ساعته إلى دياره لا يلوي على شيء .


أما العيوب الأخلاقية و ليس الخلقية فتجسدها القصة التالية التي يقر فيها أصحابها و يعترفون .. لا بل يتنافسون بعيوبهم ، مع توفر ميزة الصدق بالكلام لديهم على عكس غيرهم الذي يحاول إخفاء عيوبه :
قال يا سيدي ملا أنت تنافس مرة ثلاث رجال على العيوب ، فأخذ كل منهم يعدد عيوبه و يذكرها ، فقال الأول " أنا لا يوجد في الدنيا من هو أسوأ مني ، فإني لم أتمنى قط أن أفعل خيراً مع أحد " . فقال له الثاني " و الله إنك رجل فاضل ، فأما أنا فإنني لم أتمنى قط .. لا أن أفعل خيراً مع أحد ، و لا أن يفعل أحد خير مع أحد .. كيفني معك ؟؟ " . فنظر إليهما الثالث و قال " بالله .... و تالله .. لا يوجد في الدنيا من هو أفضل و أشرف منكما ، فأما أنا فإنني لم أتمنى قط .. لا أن أفعل خيراً مع أحد و لا أن يفعل أحد خير مع أحد و لا أن يفعل أحد بي خيراً .. منيح هيك ؟؟ كيفني معكم ؟؟ كحّلتك أنت و اياه ما هيك ؟؟ .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !