وما الدنيا إلا كسباق التتابع
أن الله سبحانه وتعال لم يخلقنا ــ كما لم يخلق أية كائن حي أخر على ظهر هذه الأرض ــ عبثا ، كما لم يخلق الموت ، والحياة ذاتهما عبثا . وقد اقتضت حكمته سبحانه وتعال استخلاف بنى البشر ــ كل البشر ، وبلا أية تمييز ــ فى الارض بطريقة تتابعية ، بحيث يكلف به ــ أي الاستخلاف ــ كل ، وأية ، فرد على ظهر هذه الأرض ــ ومتى بلغ سن الرشد ، وكان كامل الأهلية ، بطبيعة الحال ــ كفرض عين وليس كفرض كفاية . ومن ثم فان الاستخلاف هنا أوسع وأشمل من أن يكون سياسيا ، ومن ثم ، قاصرا ، أو مقتصرا ، فقط على فئة بعينها دون بقية خلق الله ، أو وراثيا مقصورا ، أو مقتصرا فقط ، كذلك ، على عائلة ، أو حتى أسرة ، واحدة حاكمة ، وكما هو الحال فى العديد من الممالك العربية ، والغربية ــ مع الفارق النوعي هنا بطبيعة الحال ، حيث فى الغرب يملكون ولا يحكمون ، بينما لدينا نحن العرب يحكم الملوك ، ويملكون ــ على السواء ، بحيث يبدو الاستخلاف السياسي هنا ذو أبعاد وراثية ، و سلطوية ، ومن ثم انتقائية ، بطبيعة الحال ، و غالبا ذات طابع تسلطي .
والحياة التتابعية على ظهر الأرض ، أو النظام التتابعي للحياة على ظهر الأرض ، قد بدأ فى حقيقة الأمر منذ أن هبط آدم عليه السلام إلى الأرض ، وبدأ التناسل والتكاثر ، ثم ظهرت التجمعات البشرية المختلفة ، وتطورت إلى الشكل ، أو الأشكال ، و التي صارت هي عليها الآن . وكانت كل أمة من الأمم ، أو بالأحرى ، كل جيل من الأجيال ، وبعد أن يبلغ من العمر نهايته يسلم خلاصة فكره وعمله وإنتاجه ، أو عطاءه الحضاري بصفة عامة ، إلى الجيل القادم ، وهكذا دواليك ، وحتى وصل بنا الحال ، إلى ما نحن عليه الآن .
إذن فما نحن عليه الآن هو فى جوهره ، و كذا محصلته النهائية ، جهد وعطاء الأخرين ، ومن ثم فسوف تحين اللحظة ــ إن أجلا ، أو عاجلا ــ التي سوف يتحتم علينا فيها أن نسلم نحن بدورنا الأجيال الصاعدة ، أو التالية لنا ، ما سلمه الأخرون لنا مضافا إليه ، وبطبيعة الحال ، ما أضفناه نحن ــ أو ما يفترض أن أضفناه ..! ــ إلى ما تسلمناه . والسؤال الذى يتحتم علينا أن نساله لأنفسنا ــ وبكل أمانة ــ هو إذن ؛ ماذا أضفنا نحن حقا من جهد حضاري إلى ما سلمته لنا الحضارة ــ أو بالأحرى الحضارات ــ السابقة لنا ..؟!
الحقيقة المجردة هي إذن أن هناك أفراد ، بل وجماعات ، قد ضحوا بأنفسهم ، وبأغلى ما يملكون ، وحتى وصلت الحضارة الإنسانية إلى ما وصلت إليه الآن ، وذلك من خلال ما يمكن أن نسميه ب"متوالية تتابعية " ، أي من خلال تتابع جيل وراء جيل ، أو جيل بعد جيل ، تماما كسباق التتابع فى مسابقات ألعاب القوى الكبرى المختلفة ، أو الأولمبياد الشهيرة ، حيث يشارك فى تلك اللعبة بالذات فريقا كاملا ، ومكون من عدة أفراد . و لا يعتبر الفريق الفائز ــ أو حتى الحاصل على أية مركز من المراكز ــ بالبطولة فائزا إذا زل ، أو سقط ، أو وقع ، أو تخاذل ، أي عضو من الفريق الواحد ، حتى ولو أدى بقية الفريق ما عليهم من أداء ، وعلى أكمل ، وأفضل وجه .
والسؤال الذى يجب أن نطرحه على أنفسنا هو إذن ؛ هل كنا نحن حتى على مستوى تلك التضحيات التي ضحى بها من سبقونا حتى يسلمونا الراية قبل رحيلهم ..؟!
والسؤال التالي هو إذن ؛ كم منا تخاذل عن تسليم الراية بدوره لمن سوف يأتي حتما من بعده ، ثم هل نحن حافظنا على ما سلم لنا أصلا ، ناهيك هنا عنا عطائنا الواجب إضافته إلى ما سلم لنا ، لتسليم محصلة ذلك كله للأجيال القادمة .. ؟!
مجدى الحداد
magdyalhaddad@yahoo.com
التعليقات (0)