الأم هي المخلوق الوحيد الذي لا يشعر بالتأفف تحت أي ظرف يمر به ابنها أو ابنتها، سواء في الطفولة أو أعمار زمنية لاحقة.
الأم هي المخلوق الوحيد التي يمكن أن تضع الطعام في فمها بعدما يلفظه ابنها الصغير، أما الأب فمن المستحيل أن يقوم بهذا العمل الذي سيعتبره غريبا وغير متحضر!
أتعجب من هذا الأمر، وأرى أن الله تعالى وضع بديلا لحبل السُرَّة بعد قطـْـعِه، وأتذكر رواية قديمة قرأتها عن شاب محارب فـَـقـَـدَ يديه وساقيه في الحرب، وبدأ الذين حوله من أصدقاء وأحباب ينفرون منه، ويبتعدون عنه رويدا .. رويدا.
في نهاية الرواية ظهر على كرسي متحرك داخلا البيت الفسيح، فتجري أمُّه عليه مندفعة لتعانقه بعدما تخلى عنه الجميع.
الأم هي المخلوق الوحيد الذي لا يتقزز أو تُبدي امتعاضا أو تشير تعبيراتُ وجهها لعدم الراحة وهي تعطيك حُقنة شرجية عندما يصيبك إسهال أو إمساك، حين يخرج الجميع من الغرفة وهم يسُدُّون أنوفهم بأصابعهم، ويغمضون عيونهم لئلا تقع على غائطك الذي ملأ الفراش.
الأم هي المخلوق الوحيد الذي يشُم رائحة عرقك وملابسك الداخلية ولا تنزعج مهما بلغت الرائحة الكريهة.
الأم هي المخلوق الوحيد التي تستيقظ قبل الفجر، وتذهب إلى غرفتك لتُغطي الجزء العاري من أصابع قدميك حتى لو كانت الغرفة دافئة، ثم تتأمل وجهك، الجميل أو الدميم، وكأنك أكثر جمالا من يوسف، عليه السلام.
هل نامت أمُّك يوما ما قبل أن تعود أنت من سهرتك مع أصدقائك، فتشاهدك من النافذة وهي تقاوم النعاس، ثم تنادي عليك مُحذرة إياك من الجزء المكسور في سلالم الطابق الثاني، ثم تقول لك بأن العشاء جاهز ولو بعد منتصف الليل، وتكتشف أنتَ أنها تركت لك الخبز الطازج الطري، وتناولت هي عشاءها من الخبز الجاف الذي لم يقترب منه الوالد وأخواتك؟
حتى لو كنتَ تختلف معها، وتصيح في البيت، وتتركه لها وأنت غاضب لأنها تركت أخاك يأخذ قميصك الجديد، فسيأتي الوقت الذي تضحك فيه على عباطتك وتفاهتك لأنك كنت تتمسك بتلابيب أي حجج واهية، وبعدما كبرت، وتزوجت، وملأ أولادُك عليك البيت، فأنت، رغم أنفك، تشتاق إليها لترتمي في أحضانها، فهي المخلوق الوحيد الذي تُشعرك أنك قويٌّ بضعفك أمام صدرها.
غريب أن عينيك لم تدمعا بعدد
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
التعليقات (0)