لم تكن ترجو من الحياة سوى ولد.
لم تكن تطلب من الله غير ابن يؤنس وحدتها و يعطي معنا لوجودها.
مضى على زواجها 10 سنوات و لكنّها لم تنجح في إنجاب ولد.
زارت عددا من الأطباء و حاولت حتى التّداوي بالأعشاب. أرهقتها معاودة الأطبّاء و محاولاتهم الفاشلة في زرع جنين في أحشائها. أتعبتها سخرية المجتمع و زادها همّا عدم مراعاة زوجها لها. ضاقت بها السّبل و أصبحت تهوّل الأمور حتى أنّها تشكّ في ابسطها.
مضت 10 سنوات و لم تنجح في إنجاب الولد و أصبحت ترجع كل همومها لعدم و جود الوريث المنتظر.
ساءت حالتها النّفسية و تدهورت حتّى أنّ جسدها هزل و ضعف و أصبحت عدائيّة الطّبع إلى ابعد الحدود.
ضاقت نفسها من نظرات زملائها في العمل, من شفقتهم و محاولاتهم المتكرّرة لمواساتها.
قرّرت الرّاحة. قدّمت طلب إجازة طويلة المدى. قرّرت الخلود للرّاحة علّها تروّح عن نفسها و تسترجع بعضا من الأمل.
كان الأمل يتضاءل مع قربها من سنّ الأربعين. مؤخّرا سيطرت هذه الفكرة عليها حتى استحوذت على كل مساحات تفكيرها. ماذا لو بلغت الأربعين و هي لم ترزق بعد بمولود. رنّ هاتفها فجأة. على الجهة الأخرى من الخطّ صديقة عزيزة عليها. خبر سارّ. طبيب جديد يعد بحلّ كل مشاكل التأخر في الإنجاب و يعالج حتى العقم. أمل جديد. موعد مع طبيب آخر.
حين درس حالتها كان متفائلا و لم يخفي ذلك. بعض النصائح و الأدوية و بعد شهر تلقيح اصطناعي. تلقيح جديد و مرّة أخرى ستعيد الكرّة.
أقنعت زوجها و عاهدته أنها ستكون المحاولة الأخيرة.
حلّ موعد الزّرع و لم يعترض الطبيب المعالج أيّ مشاكل أو صعوبات. نجح الزّرع و نمى الجنين في احشائها. لا مشاكل أثناء الحمل و الحمد لله. و ضعت صبيّا بعد تسعة أشهر بالكمال.
رضيع في صحة جيدة. إنها و زوجها يحمدان الله على ما منّ به عليهما و لطالما سجدا شاكرين إياه. معروف الطبيب المعالج لن ينسياه أبدا.
كبر الصبي و ترعرع. كان جميلا كالملاك. ابيض البشرة. ازرق العينين كأنما البحر فيهما.
كبرت معه الفرحة. تخرج من الجامعة و لم يبقى لها إلا أن تزوّجه.
لا مشكل في المعيشة و السكن فهي لن تتركه يرحل عن البيت حتى لو تزوّج. سيسكن معها بعد الزّواج. لم يكن رافضا للفكرة بل رحّب بها. كيف له أن يرفض و هو الابن و السّند الوحيد لهما في هذه الحياة. كان ابنا صالحا و بارّا بوالديه. توظّف و تزوّج و هو ينتظر مولودا. اليوم يتعرّفون على جنس المولود المنتظر. و الفرحة اكبر من أن توصف.
الموعد بعد ساعة في المستشفى و الكلّ سيكون هناك. زوجته و أمه و أبوه. هو سيوافيهم إلى هناك. انهمك في العمل و داهمه الوقت. استقل سيارته و حاول الإسراع.
في المستشفى عمت أجواء من التوتر المشوب بالفرح.
فتح باب المستشفى على مصراعيه. حادث مرور خطير. الجريح في حالة خطرة. الكل في حالة استنفار.
حين مرّ رجال الإسعاف من أمامها لم تستوعب المشهد. اّنه وجه مألوف لديها. انّه ابنها. انّه الولد الذي طالما تمنّته. هو ينازع. ادخل إلى غرفة العمليّات بين الحياة و الموت...
تونس في العشرين من ماي 2009
ختام البرڤاوي
التعليقات (0)