خاص بلادي اليوم
جبريل ابو كميل - فلسطين
لا يملك أبو أحمد كحيل "57 عاما" مقومات توفير الحياة لـ 17 من أسرته الذين يعيشون في قبر كبير حولته العائلة إلى غرفة صغيرة فلم تكن مقبرة المعمداني القديمة وسط مدينة غزة حكرا على جثث الأموات فحسب بل أحيتها بيوت عائلات غزية لجأت إليها منذ عام 1948 لتكون مأوى لهم تحول هدوءها السرمدي إلى حياة جديدة.
تنظر إليهم للوهلة الأولى تشعر بأنك أمام قبر كبير مزخرف بالصفيح، فتتعمق بالبصر تجاههم لتجد من هم يعيشون، ولا تختلف حياتهم عن الأموات إلا بقلوبهم التي لا تزال تنبض، لقد ضاقت بهم أرض الأحياء، فلجأوا إلى المقبرة، انها قصة واقعية ليست درامية.
"صابر كحيل" من فقراء غزة الذين يستقبلون نهارها بجيوب خاوية أعياها الانتظار الطويل للمساعدات التي تصل أحيانا والعمل بتنظيف القبور لزائريها أحيانا أخرى ليعطونهم ما تجود به ايديهم لكن الأمل بتذكر الأغنياء للفقراء يكون أكبر.
شكل الحياة
أبو أحمد وهو يجلس بين شواهد القبور يتحدث لــ"بلادي اليوم" عن سيناريو حياته قائلا: "شكل الحياة مرعب... لا آمن على نفسي أو على أولادي من الثعابين والعقارب والحشرات والكلاب" ويضيف "لا مكان آمن عندنا، فساعات الليل مرعبة للكبير والصغير".
ابو احمد يقول: أن الفقر جعل أبناءه يعانون من حالة نفسية صعبة كونهم حرموا من الاستمتاع بطفولتهم حيث أنهم تحملوا معه المسؤولية منذ صغرهم فعرفوا معاناة العمل والبحث عن لقمة العيش، مبينا أن جميعهم أميين لا يعرفون القراءة والكتابة ولم يتعلموا ولو شيئا بسيطا، لأن ظروف الحياة لم تساعدهم بدخول المدارس والتعلم فيها.
يسرى كحيل السيدة السبعينية التي بدا الحزن واضحاً على وجهها، حاولت أن تحبس دموعها لكن قساوة ما هي فيه كان أقوى وأمر من ذلك بكثير واصفة الوضع بالقول "مثل ما أنتم شايفين ها نحن نعيش بين القبو وننتظر زائر لميته لنقول لله يا محسنين" كحيل تتنبأ أن يعيش أحفادها كما عاش أبناؤها لا علم ولا عمل، يلعبون بين القبور وينامون بساعات النهار على حافة قبر يستهون بظله ويعانون الآن من حالة نفسية تظل عالقة في أذهانهم تؤثر على تصرفاتهم في الحياة الاجتماعية وكأنهم أخذوا على الحياة مع الموتى لا مع الأحياء وتتابع بأن حياتها لا تختلف عن الاموات كثيرا حيث لا بيت ولا علم ولا حياة كريمة ، متسائلة "كيف لك تتخيل نفسك ان تغفو عيناك وتصحو بجانب ميت في قبره ؟!".
في الوقت الذي تعيش فيه عائلة كحيل بين قبور الموتى في حالة فقر وضيق، يقول صابر كحيل في العشرينيات من عمره: "أعمل منظفاً للقبور حيناُ وحافرا لقبر حينا في هذه المقبرة وبالغصب، فعملي متقطع ولا يكفي لشخص في الوقت التي ترتكز عليه اسرتي".
ولدوا وماتوا في المقابر
الأستاذ عصام يونس مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان يقول: ان مثل هذه الحالات تدرج ضمن حالة تحت خط الفقر، مطالبا الحكومتين في غزة ورام الله بتخصيص موارد أكثر لحماية هذه الفئات وضمان إدماجهم في الحياة العامة من خلال توفير فرص عمل لهم بما هو قائم ومحاولة توفير سبل للضمان الاجتماعي لهم.
ولم يكن الفقر مقتصرا على كحيل فحسب فهذا ما أكدته وزارة الشؤون الإجتماعية، إذ يؤكد وكيل الوزارة السيد عمر الدربي في حديث لـ" بلادي اليوم" أن وزارته تهتم بشكل خاص بالفقراء من خلال مكتب توزيع المساعدات الإنسانية والخدمات الطارئة التي تخصصها الوزارة للحالات التي تشبه حالة كحيل وحالات أخرى تتقدم لهم أو يوعز لها أي من المصلحين أو المقربين من أية أسرة تبادر الوزارة مباشرة للقيام بدورها وتقديم ما تستطيع من مساعدة تموينية وصحية ويتم تقييم الوضع العام من خلال الباحثين الاجتماعيين لأوضاع تلك العائلات، مضيفا أنه وبعد حصار قطاع غزة وحرب 2009 وصلت حالة الفقر إلى ما يقارب من 80% من سكان قطاع غزة، فيما تظهر أيضا أن نسبة البطالة في غزة تبلغ 39.3% لكن التقديرات غير الرسمية تظهر أن النسبة أكبر بكثير بينما كانت رسالة العائلات الذين ولدوا وتربو وعاشوا وكبروا في المقبرة للجهات الرسمية الحكومية بإخراجهم من هذا المكان وتوفير أماكن أكثر ملائمة للحياة على أمل الخروج من بين القبور للعيش مع الأحياء بعيدا عن شواهد قبور الأموات.
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=1108
التعليقات (0)