نحن البشر نملك رؤيتين الأولي أن الإنسان قوي وعامل ومنتج ويعيش أعواما عدة كل حسب أجله ولكننا نري الحياة طويلة ممتدة وهذا صحيح.... ونملؤها حركة ونشاطا وصناعة وزراعة وتكاثرا وحربا وسلاما .....كل ذلك صحيح ...والرؤية الثانية هي رؤيتنا من أعلي ...من خارج الكرة الأرضية وكلما ابتعدنا ...تقاربت الأرض وانكمشت كما تري في جوجل حتى تختفي الشوارع والمدن والأنهار والبحار ...كل هذا في البعد المكاني صحيح ونراه كلما أردنا بتحريك الفارة علي الحاسوب...ولكن ما يغيب عنا في أغلب الأحوال هي الرؤية الثالثة التي تخص الزمن البشري التي ننصرف عنها بقصد أو بدون قصد أو دون ورود الفكرة علي الأذهان وهي رؤية البعد الزمني ...وسوف نتعمق قليلا فيه....تعرفون أن العالم يسكنه ستة مليارات إنسان تقريبا وبحساب بسيط نجري عملية حسابية لعدد الموتي في العالم كل ساعة علي مدار الزمن الأرضي الممتد مع أخذ العوامل والفروض الواقعية في الحسبان..وهي نسبة الوفاة 2% في السنة...ثم نحسب عدد الموتي في الساعة (يمكنكم حسابه) ستجدون النتيجة وفاة 14000(أربعة عشر ألف) إنسان يموتون كل ساعة موتا طبيعيا شاملا كل أسباب الموت فإذا افترضنا أننا ننظر بعين كاشفة لكل البشر علي ظهر الدنيا لرأيت الناس يموتون بهذا العدد المخيف كأنهم بعوض يتعرض لرشة مبيد تتكرر كل ساعة كأنك تنظر إلي الكرة الأرضية يولد فيها 14500 إنسان ويموت 14000 كل ساعة هل تخيلت هذا المنظر من خارج الأرض؟ من هؤلاء الذين يموتون رئيس وعالم وطبيب ومهندس وحرفي وصغير وشيخ ووليد وطيب ومجرم وعاقل ومجنون ومريض وبطل رياضي ...إلخ...أرأيت كيف أننا لا نساوي شيئا في حساب الله؟ ثم أرأيت قدر المجهود الذي يمارسه سيدنا عزرائيل ومساعديه؟ نعود إلي الأرض بعد هذه الرحلة العلوية من أعلي الأفق لننزل علي أرضنا التي نحبها...هل توقفت الأرض عن العمران؟ ...لا....هل الإنسان هو الذي يعمر؟... أم هو عامل مستخلف خلقه الله ليؤدي دورا كل علي قدر طاقته وفي العمل الذي كلفه الله به؟ ... وكما أن الدنيا لا تتوقف بوفاة الآلاف كل ساعة...فلن يتوقف العمل إذا هجره كل من فيه لأن الله أعد البديل ...وكما جعل الله لكل إنسان أجلا فقد جعل للمبني وللشارع وللمدينة أجلا أطول وكل المصانع والمزارع والتجارات والأعمال التي لا تحصي تدار برقابة الله بتنسيق لا يستطعه مخلوق ولا كل البشر مجتمعين وأخيرا وهو المقصود....لن يتوقف العمل إذا استقلت ولن يفتقدك أهلك إلا أياما ثم ينسونك ولن يتأثر بيتك بغيابك فلا تعطي نفسك أهمية لا حقيقة لها ..وتذكر دائما أنك لست ممن أضافوا إلي الحضارة الإنسانية كما أضاف العظماء التاريخيون من الأنبياء والعلماء والمفكرين الكبار...أنت ممن يأتون ويذهبون ويبنون ذرة رمل في صرح الحياة .....وربما تكون الذرة التي أضفتها وضعت في صلب البنيان وقد تكون كذرة الغبار علي سطح الحياة تحتاج إلي تنظيف... ومهما كنت فأنت مجرد رقم يضاف للمولودين ثم يضاف إلي قائمة الموتي..... وليس لك أهمية كبيرة علي مستوي التأثير في مجري حياة البشر .....وبالطبع أنا كذلك.......وأنت أيضا حتى لو كنت أبو جلمبو الكبير
التعليقات (0)