بقلم/ ممدوح الشيخ
mmshikh@hotmail.com
نستكمل ملاحظاتنا على: "المعجم العلمي للمعتقدات الدينية" وهو عمل ضخم (815 صفحة) صادر عام 2007 عن الهيئة العامة للكتاب، وعلى غلافه أنه تعريب وتحرير سعد الفيشاوي (الأستاذ غير المتفرغ بجامعة هلسنكي) ومراجعة الدكتور عبد الرحمن الشيخ.
نبدأ وقفتنا الثالثة مع مدخل عنوانه: "الله"، وفيه يقول المؤلفون: "بالنسبة للعالم القديم ربط مفهوم الإله بعجز الإنسان عن تفسير ظواهر الطبيعة. ونبعت هذه الفكرة أيضا من تأليه زعماء القبائل والملوك والقادة العسكريين والسياسيين الأقوياء، فقدمت فكرة الإله على أنها فكرة بارعة من ابتكار الكهنة الأوائل لتقوية مكانتهم في المجتمع"(ص 249).
فهل الإله فكرة اخترعها الكهنة لتقوية مكانتهم في المجتمع، فماذا عن الوحي السماوي والنبوات والكتب السماوية؟
وبعد تعداد المدارس الأوربية المختلفة في تفسير سبب ظهور فكرة الإله يأتي رأي الإلحاد الماركسي بلغة تقريرية وكأنه – وحاشا لله أن يكون – الحق الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"، فهذا الإلحاد: "هو الذي كشف عن طريق البيانات العلمية الخالصة الأسباب الاجتماعية والمعرفية لظهور فكرة الإله، والظروف التي نشأت فيها الفكرة ثم بدأت تموت، وما فيها من تناقضات وخاصية رجعية، ودورها الاجتماعي، والمضمون الطبقي فيها. فالإله في التاريخ وفي واقع الحياة هو أولا وقبل كل شئ عبارة عن مركب من الأفكار تكون نتيجة الخضوع القهري للإنسان من جانب كل من الطبيعة الخارجية والنخبة الطبقية التي أخذت تعمل على تقوية ذلك الخضوع القهري، وتعمل على إخماد الصراع الطبقي.....وترتبط الأزمة الحادة في الأديان الحديثة بفقدان الجماهير إيمانها بالإله". (ص 250)
فهل يجوز ترجمة هذا الكلام ونشره بوصفه تعريفا صحيحا لذات الله سبحانه وتعالى؟ وهل كان يجب – على الأقل – التعقيب على هذه الأفكار الإلحادية؟
وفي مدخل عنوانه "الحديث" نقرأ: "القانون التقليدي للمسلمين بالخلاف مع الشريعة أو القانون الديني. ويتضمن أساطير وتقاليد المسلمين" (ص 260)، فهل الحديث الشريف سجل لـ "أساطير" المسلمين؟.
المدخل المسمى "القرآن" (ص 332) مليء هو الآخر بالكلام الفارغ الذي يصف القرآن بأوصاف تحط من قدره وتتعارض مع قداسته وتتنافى في الوقت نفسه مع اللغة العلمية. وفي مدخل آخر عنونه "الإنسان" يقول مؤلفو المعجم: "يقدم التفسير المادي للإنسان نظرة مناقضة للفهم الديني الفلسفي المثالي للإنسان الذي يجعل طبيعته الجوهرية غامضة ومعتمة"!!!!!!
وقد يحتاج الوقوف أمام كل ما في المعجم من أخطاء لكتابة سلسلة طويلة جدا من المقالات ويكفي القارئ ما توفقنا أمامه من مداخل تتناول قضايا شديدة الخطورة، ولا أظن أن نشر هذا المعجم لم يتم بشكل غير مقصود، أي أن الأرجح أنه ليس ثمرة تقصير أو تسرع أو إهمال بل هو على الأرجح اتجاه له شواهد أخرى داخل مؤسسات النشر التابعة لوزارة الثقافة، فلا تكاد تمر كارثة نشر كتاب يمس عقيدتنا حتى تتلوها كارثة أخرى، من وليمة حيدر حيدر إلى أزمة الروايات الثلاث التي تلتها.....حتى فضيحة قصيدة "شرفة ليلى مراد" لحلمي سالم، وما ترتب على نشرها وصولا إلى حكم محكمة القضاء الإداري القاضي بإلغاء رخصة مجلة إبداع بسبب نشرها الإلحاد.
ومن المؤكد أن المواءمة بين حرية البحث العلمي وقدسية المعتقدات الدينية أمر لا يقيد هذه الحرية، وقرار نشر مثل هذا المعجم ليس قرارا "فنيا" محضا بل تحكم اتخاذه اعتبارات قانونية كونه صادرا عن مؤسسة مملوكة للدولة ومن يديرونها لا يملكون تفويضا – صريحا ولا ضمنيا – بنشر مثل هذا العمل، كما أن الأستاذ الجامعي الذي وضع اسمه على غلاف الكتاب مقرونا بصفة "مراقب" قصر تقصيرا فاحشا في مسئوليته عن توضيح الغامض وتصحيح الخطأ والتعقيب على ما يستوجب التعقيب، أما الاختيار فغير موفق مطلقا والقيمة العلمية للمعجم لا تساوي قيمة الورق الذي أهدر في طباعته.
والصمت على مثل هذا النهج في إدارة مؤسسة من أهم مؤسسات النشر الحكومية هو صمت مدان، فلو الهيئة نشرت كتابا يتضمن هجوما على رئيس الدولة أو ما يسمى "ثوابت الوطنية" لعلت الأصوات بالاعتراض، وهذا التوازن الغائب سيظل مصدرا للمشكلات ما لم يكن هناك حل يغلق باب الفتنة.
التعليقات (0)