مواضيع اليوم

وقفات مع معجم مترجم للمعتقدات الدينية (2)

ممدوح الشيخ

2009-04-10 02:03:45

0



بقلم/ ممدوح الشيخ
mmshikh@hotmail.com

نستكمل ملاحظاتنا على: "المعجم العلمي للمعتقدات الدينية" وهو عمل ضخم (815 صفحة) صادر عام 2007 عن الهيئة العامة للكتاب، وعلى غلافه أنه تعريب وتحرير سعد الفيشاوي (الأستاذ غير المتفرغ بجامعة هلسنكي) ومراجعة الدكتور عبد الرحمن الشيخ.
ونتوقف أولا مع في مدخل عنوانه "النزعة الإلحادية عند الديموقراطيين الثوريين الروس" وهي حسب المعجم: "أعلى مراحل تطور الإلحاد الديموقراطي الثوري"، ويصفهم مؤلفو المعجم بأنهم نجحوا بدرجة كبيرة في استلهام التراث المادي لأسلافهم الروس وكتاب التنوير الفرنسيون.
وهذا اعتراف مهم بالطبيعة الإلحادية للفكر التنويري الفرنسي!!
وفي هذا المدخل أيضا أن الديموقراطيين الثوريين الروس تجاوزوا أوجه القصور الميتافيزيقية لماديتهم، وهو اعتراف ثانٍ بأن المادية دين لأن لها ميتافيزيقا خاصة بها، أي لها "غيبيات"!
وفيها مفاجأة ثالثة من العيار الثقيل في المدخل نفسه نقرأ أن الديموقراطيين الثوريين الروس: "تمكنوا من التدليل على الطابع المتضارب لعقيدة الخلق"(ص 53)، فهل عقيدة الخلق تنطوي على تضارب؟ وهل هذا كلام علمي؟
وفي المدخل نفسه وبلغة تقريرية متبجحة نقرأ أنهم (أي الديموقراطيين الثوريين الروس): "توصلوا إلى النتيجة القائلة بأن أسباب وجود الدين تكمن في عجز البشر في مواجهة قوى الطبيعة، وفي فقر الجماهير المضطهدة وحرمانها.. ..واقتربوا من الرأي القائل الذي يرى في الدين أفيونا للشعوب.. .. يروض هذه الشعوب من خلال تعزية المضطهدين بالأوهام المتعلقة بالنعيم وراء القبر"(ص 54). فهل الجنة وهم؟ ولماذا لم يحظ هذا المدخل بتعليق من المراجع؟
المدخل المعنون: "الحجر الأسود" أقرب إلى النكتة السخيفة، ونقرأ فيه ما يلي: "يحاول المسلمون الذين يزورون مكة أن يلمسوه نظرا لأنهم يعتقدون أنه ملاك محجر سوف يسرع يوم القيامة إلى نجدة هؤلاء المؤمنين"(ص 86)، وهذه أول مرة أصادف هذه الخرافة السمجة عن طبيعة الحجر الأسود.
وفي مدخل عن نبي الله داوود عليه السلام نقرأ: "تضفي الكنيسة عليه قدرا كبيرا من القداسة وتصفه بأنه كان من الصديقين برغم أن الكتاب المقدس يقدمه في صورة المستبد الغادر"(ص 162)، فلماذا اكتفى مؤلفو المعجم بصورته في الكتاب المقدس ولم يوردوا صورته في القرآن؟
وتحت عنوان: "الإيمان بالشياطين أو العفاريت" نقرأ: "شغلت هذه الفكرة مكانة كبيرة في الديانات البابلية والفارسية القديمة، ومنها انتقلت إلى اليهودية والمسيحية والإسلام" (ص 169)، فماذا عن الآيات الواردة بالقرآن عن الشياطين؟ وهل هي حق موحى به أم لا؟ ولماذا لم تتم الإشارة إليه مطلقا؟
ونتوقف قبل التعرض لمدخل عنوانه: "الله"(ص 249) لنرى كيف تفوق مؤلفو المعجم على أنفسهم وهم يتحدثون عن رب العزة، وكيف أحجم المترجم والمراجع عن التعقيب على محتوى المدخل رغم خطورته الشديدة، وتعقيب لا يوجد أدنى شك في أنه هو أمر مشروع علميا وواجب دينيا وأخلاقيا.
إن المعاجم هي أعمال مرجعية ويفترض أن تكتب بأقصى درجات الدقة والموضوعية والإحاطة لأن الباحثين يتعاملون معها كمصادر للتعريفات، ما يعني أن ترجمة مثل هذا المعجم تترتب عليه نتائج خطيرة على المدى البعيد في مجال الدراسات الدينية التي تتم اعتمادا عليه، فهذا المعجم له أهمية استثنائية بحكم موضوعه، وإذا تجاوزنا ما يثيره اختياره دون غيره من أسباب للريبة المبررة، فإننا لا نستطيع التجاوز عن الخطأ الكبير في نقله للعربية ونشره دون التعقيب على محتواه.
والكتاب رغم حجمه الكبير يباع بسعر رمزي (عشرون جنيها)، وبسبب طبيعته المرجعية كمعجم للمصطلحات، فإن الأمر هو دون مواربة "خطيئة" ارتكبتها الهيئة العامة للكتاب بدم بارد، فالكتاب مشبع بتعاطف لا تخطئه العين مع الإلحاد كموقف عقائدي وتكثر فيه النقول عن الأدبيات الماركسية السوفيتية بلغة تقريرية في قضايا كثير منها يتصف بحساسية شديدة. بل إن المفارقة تبلغ قمتها عندما نستحضر حقيقة أن ترجمته لم تأخذ في الاعتبار أن روسيا نفسها تغيرت على نحو كبير، بل لا نبالغ إذا قلنا إنه ربما لو حاول مؤلفوه نشره في موسكو اليوم لما استطاعوا!
لكن مصر أفضل مكان في العالم لتوزيع البضائع "البايرة"!
وللحديث بقية




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !