بقلم/ ممدوح الشيخ
mmshikh@hotmail.com
.المعجم العلمي للمعتقدات الدينية عمل ضخم (815 صفحة) صادر عام 2007 عن الهيئة العامة للكتاب، وعلى غلافه أنه تعريب وتحرير سعد الفيشاوي (الأستاذ غير المتفرغ بجامعة هلسنكي) ومراجعة الدكتور عبد الرحمن الشيخ.وفي تقديم المعجم أنه "ثمرة جهد مجموعة من العلماء والمتخصصين من الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية"، و"يتضمن مجموعة كبيرة من المصطلحات تعكس أحدث منجزات البحث المادي الجدلي والتاريخي في مجال قضايا الدين"، فلماذا تنشر الهيئة المصرية العامة للكتاب عملا مرجعيا من هذا النوع وهو موضوع كما يشير كاتبوه اعتمادا على المنهج المادي الجدلي، رغم أن الثقافات الغربية المختلفة فيها الكثير من المعاجم التي تتناول المصطلحات الدينية دون الوقوع في فخ الأيديولوجية الماركسية، وموقفها من الدين معروف؟!
وأول نتائج هذا الاختيار غير الموفق مطلقا الجمع في الكتاب دون تفرقة بين الديانات السماوية والنحل والأديان الأرضية، بل إدراج بعض رموز الإلحاد ضمن مداخل المعجم. والأثر السلبي لهذا الانحياز الأيديولوجي الماركسي في المعجم ترك بصماته في الكثير من المداخل، فمثلا: في مادة نبي الله "إبراهيم" نقرأ: "وتعكس الروايات المتعلقة بإبراهيم وأسرته (كقصة التضحية بإسحق) مفاهيم ما قبل الإنجيل والتي يمكن إرجاعها بوضوح إلى عبادة "إبراهام" (إبراهيم) كإله قبلي". وهذا كلام ينطوي على خطأ جسيم، فتضحية نبي الله إبراهيم بابنه (سواء صح أنه إسماعيل أو اسحق) ورد في القرآن الكريم وليس جزءا من صورة إبراهيم كإله قبلي.
وفي مدخل عنوانه "الله" نقرأ: "ويرى بعض المستشرقين أنه عندما انهار المجتمع البدائي وبدأ تشكل المجتمع الطبقي، ظهرت فكرة الإله الواحد، التي مهدت بدورها السبيل أمام توحيد مختلف القبائل في دولة واحدة. فقد أُعلِن الله إلها واحدا أحد بعد أن آمنت به قبيلة قريش التي أدت دورا رئيسا في ظهور الدولة العربية"، وهذا النص محاولة ملتوية للنيل من حقيقة الوحدانية التي هي أقدس عقائد الإسلام، فالحديث عن الطبقات ينتمي للمعجم الشيوعي لا إلى المعجم الاستشراقي، وحتى لو صح أن هناك مستشرقون قالوا هذا فلماذا يتم تعريف لفظ الجلالة اعتمادا على تأويلات المستشرقين؟
وفي نهاية مدخل: "عبادة الأسلاف" نقرأ: "وقد تطورت عن عبادة الأسلاف في فترة لاحقة من التاريخ عبادة البطل التي ميزت الديانات الإغريقية والرومانية القديمة، ثم نشأت عنها في فترة لاحقة عبادة القديسين في المسيحية والإسلام"، فهل هناك مسيحيون ومسلمون يعبدون الأسلاف؟
وفي مدخل "مركزية الإنسان في الكون" نقرأ أنه: "مفهوم ديني مثالي يضع الإنسان في مركز الكون ويجعل منه الغاية النهائية من خلقه. وتؤكد هذه النظرية أن هناك أهدافا وذرائع موضوعية متعالية عن البشر (إلهية) وراء خلق العالم.. .. .. ..وقد يتمثل الشكل النهائي لنظرية "مركزية الإنسان في الكون" في اليهودية والمسيحية والإسلام. وقد قوض العلم الطبيعي – ممثلا في كوبرنيكوس وجاليليو ودارون وأينشتين – جنبا إلى جنب مع الفلسفة المادية، أسس هذه النظرية". فهل أتت الأديان بـ "نظريات" هدمها العلم؟ أم جاء بالحق الذي لا يتغير ولا يتبدل؟.
وهناك مدخل (ص 27) عنوانه: "نظرية نشوء الإنسان" وهو مكون من 7 كلمات: "عملية تحديد أصل الإنسان وظهوره ككائن اجتماعي"، فهل كان هذا المدخل يتسع لكلمات توضع في الهامش لتشير ولو مجرد إشارة إلى "خلق الإنسان"؟
وفي مدخل عنوانه: "الفن والإلحاد" نقرأ :"ولد الفن خلال عملية النشاط الإبداعي الحر للإنسان. بينما تولد كل من السحر والدين، من ناحية أخرى عن عجز الإنسان البدائي في مواجهة ظواهر الطبيعة التي تبدو مستعصية على الفهم" (ص 40)، فهل الفن نتاج حرية الإنسان والدين (وعه السحر) نتاج عجز الإنسان؟
وتحت عنوان: "الإلحاد الماركسي" نقرأ أنه: "مرحلة جديدة من حيث الكيف في تطور الفكر الإلحادي،. .. .. وظهر بوصفه النظرية العلمية الحقة التي تعبر عن مصالح تلك القوة الثورية والتقدمية (أي الطبقة العاملة) على نحو متماسك ومتسق. ويصف لينين جوهر الإلحاد بقوله: "الماركسية هي المادية وهي بصفتها تلك مناهضة على نحو لا يعرف الهوادة للدين"(ص 51). فهل هذا تعريف علمي أم تبشير واضح بالإلحاد؟
وبطبيعة الحال كان يفترض أن يقوم المراجع بالتعقيب على مثل هذه المقولات إما في هامش النص أو في جزء منفصل في أول الطبعة العربية أو آخرها.
وللحديث بقية
.
منشور بجريدة الديار المصرية الثلاثاء 31 مارس 2009
التعليقات (0)