وقائع وبدائل التنازلات والحريات الأربعة
حلقة (1)
المُفاوض الذي ُوقـّع مع مندوب دولة جنوب السودان على إتفاقية الحريات الأربعة في أديس أبابا . و الأمانات واللجان التنظيمية المختصة في المؤتمر الوطني ؛ حاولوا جهد أيمانهم خلال الأسبوع الماضي التمترس وراء ؛ والتحجج بأن التوقيع على الإتفاقيات المتعلقة بالجنسية والمواطنة ، وأهمها الحريات أو الحقوق الأربعة التي منحت لمواطن دولة الجنوب ... حاولوا التحجج بأنها مجرد إتفاقيات إطارية لم تدخل حيز التنفيذ بعد . وفي حاجة إلى حلحلة أمور وتلبية شروط أخرى عالقة بين البلدين.
وحين لم يجد هؤلاء أذنا صاغية من كوادرهم والمتعاطفين معهم قبل معارضيهم والأغلبية الصامتة ؛ خرج علينا أمين العلاقات الخارجية بالحزب بحجة أخرى مفادها أن هناك ضغوطا سرية خارجية وداخلية ثقيلة تتعرض لها الحكومة السودانية ... أو بما معناه أنه لم يكن بالإمكان أحسن مما كان.
وعندما لم تقنع هذه التصريحات هي الأخرى أحد ؛ نكص آخرون من الكوادر الخواص والعوام في حزب المؤتمر على أعقابهم ، وعادوا يذكروننا بأن المصري والطلياني والإغريقي والعربي يحصل على حق التملك في السودان ؛ وأضافوا بأن "أخينا" المصري بتمتع قبل غيره بالحريات الأربعة.
والذي يهمنا بداية ؛ هو الإحاطة بأن الشعب السوداني عام 2012م ليس هو الشعب السوداني أيام زمان ..... فقد هبطت للأدنى كثير من نسب الأمية على مختلف أنواعها . وتفشى التعليم النظامي منذ عام 1969م حتى تاريخه ... وواكب هذا التفشي فضائيات تلفزيونية تثقيفية ، وشبكة عنكبوتية شكلت لوحدها عالم إفتراضي آخر جديد خاص بها ... وبوجه عام نحن نعيش الآن في عصر إنتشار وتوافر وحرية الكلمة والمعلومة ... والمتعلم والمستنير والمثقف داخل الأسرة والعائلة والرهط والقبيلة والحي والقرية والأسواق .. وهلم جرا ؛ يشع بهالات نوره حول نفسه ومدى سمعه وصوته وبصره . ويؤثر بطبيعة الحال على غيره من المواطنين في بيئته بالتنوير والتثقيف .
وجاء كل هذا متزامنا مع خروج كتلة لايستهان بنسبتها من شباب السودان لكسب الرزق والإقامة الدائمة أوالمؤقتة في مواطن الهجرة أو بلاد الإغتراب ليعودا بآفاق منفتحة وتجارب مكتسبة ورؤى جديدة.
ووفقا لما وضع أعلاه من حقائق وإفتراضات وإستنتاجات . فلا نرى محيص من أن تعيد الأمانة العامة للحزب الحاكم حساباتها وتجدد فراشها ومفاهيمها وقناعاتها الذاتية تجاه المتغيرات التي طرأت حديثا على شعبها . وتعدل بالتالي من سبل تداولها ومعالجاتها لقضاياه أولا ؛ وصياغة أطروحاتها أمامه ثانيا . حتى لا يسبقها شعبها بخطوات إن لم تكن أميال . فتستيقظ صبيحة يوم قريب لتجد نفسها في مؤخرة الركب وبين الفعَـلة والسّاقة . وليست إمامه وحاديه.
ما من مواطن إلاّ وبات يلاحظ أن تنازلات حكومة الخرطوم الآنفة والحاضرة في مواجهة الجنوب سابقا ودولة جنوب السودان لاحقا؛ لم تعد تحدها حدود ........... ثم أنه يفهم لماذا .. ويعلم أن هناك ضغوط ... وأن وراء الأكمة ما وراءها من صليبية ومحافظين جدد ولجنة خبثاء أفريقيا ومدعين في محكمة الجنايات الدولية. وشركات علاقات عامة مدفوعة الثمن تستأجر نجوم هوليود ومساحات من برامج تلفزيونية ذائعة الصيت ومحركات بحث ألكترونية ....
لكن المشكلة أن الحكومة وحزبها المهيمن لايريدان مناقشة هذه الضغوط مع الشعب في الداخل والمهاجر والإغتراب. على الرغم من أن المتغيرات التكنولوجية المشار إليها قد باتت تسمح للشعب أن يسمع ويرى ويتكلم بعيدا عن سيطرة ومقص رقيب الحكومة...
نعم نرى الحكومة وحزبها لا يزالون يتعاملون في الداخل ؛ كأنّ الظروف من حولها لا يزال يراوح مكانه في غياهب منتصف القرن العشرين ؛ أيام جريدة الثورة والرأي العام . وإذاعة هنا أمدرمان بموجتيها المتوسطة والقصيرة لاغير.
بل ورأينا الحكومة تتعامل خارجيا مع هذه الضغوط الحديثة بدون إستراتيجية ؛ وتقتصر على تكتيك منكفيء الإرادة مثير للشفقة . وبكل ما تعنيه الكلمة من تخلف في المنحى والأسلوب وردود الأفعال وجغرافيا اللجوء الخطأ.
تمليك الحقائق للجماهير:
ربما لو اختارت حكومة الخرطوم إستراتيجية مواجهة شعبها بالحقائق ومصارحته بالأخطار المحدقة مثلما فعل تيتو خلال الحرب العالمية الثانية . وجمال عبد الناصر خلال العدوان الثلاثي ؛ وهوغو شافيز وآخرون من قادة العالم الثالث التاريخيين ... ربما ... نقول ربما ... لوجدت من الشعب سرعة الإستجابة والإستعداد لتوحيد الصفوف والتضحية للخروج من النفق المظلم والصمود تحت المطرقة وفوق السندان ....
ولكن نرى الحكومة هدياً بقناعات وتوصيات أمانات الحزب الحاكم ؛ أو لأمر في نفس يعقوب ؛ تلاعب شعبها تارة بطريقة البيضة والحجر ؛ وتعامله تارة أخرى وكأنه مجموعة قاصرين أو متخلفين عقليا أو سفهاء في أفضل الأحوال ؛ لا يجوز إستشارتهم وتمليكهم حقوق أنفسهم.
كان أول الغيث ثقوب نيفاشا التي تستعصي الآن على الراتق . ثم تدويل أبيي التي ظن المفاوض وقتها أنها ستظل حبيسة الأدراج وطي الكتمان مستبعدا إنفصال الجنوب بـِناءاً على وقع وعود شفهية معسولة محتها في اليوم التالي شمس النهار.
وها نحن اليوم في مرحلة الحريات الأربعة ؛ التي يبدو واضحا أنها تمهيد إطاري موثق لمنح الجنسية والمواطنة للجنوبي مستقبلاً . وهو ما نرى فيه تجاوز من قوى ضغط خارجية لخطوط حمراء ؛ ومساس إستراتيجي بالأمن القومي لبلادنا..... إتفاقية لم يفرح بها سوى الحركة الشعبية قطاع الشمال وتحالف كاودا ؛ الذين يجدون فيها ضالتهم المنشودة ؛ وعرفات وجمرات ومنى حجهم وطوافهم وسعيهم للوصول إلى الخرطوم والترقي إلى كرسي الحكم العالي في سراي غوردون.
إذن فالمحصلة أن أهــل التبني للحريات الأربعة ، وصُنـّاع التنازلات في حكومة الخرطوم إنما يرغبون إلى "التمهيد النفسي" وجرجرة أرجلنا خطوة خطوة للتأرجح ما بين الشك واليقين قبل الوقوع الذاتي في فخ السكوت والنسيان ، تمهيدا لإحقاق الحريات الأربعة للجنوبي بسلام . وكأمر واقع تقنع به وتتقبله النفوس مابين أبيي وحلايب.
ولكن الذي ينبغي الحذر منه أن التنازل يجرّ في ذيوله التنازل ؛ وهكذا تتآلف حلقات من سلسلة طويلة تلتف حول العنق .... وتكرّ سبحات لاتنتهي من التنازلات التي لن تتوقف حتى لا تجد الخرطوم في يدها وجرابها ما يستحق التنازل .... وساعتها تدق ساعة الصفر لتوجيه الضربة القاضية للنظام القائم وكتابة أخر سطر من النهاية المحتومة.
................
ومن جهة أخرى لا ندري ماذا جرى بشأن قسمة ديون السودان قبل الإنفصال؟
والطريف أن حكومة الخرطوم تنسى دائما أن شريكها "المفترض" في جوبا تغلب عليه دائما جرثومة مشاكسته للشمالي . فيسارع دون وعي يفضح من المستور واليابس المغطى الكثير ....
وكان آخر ما فضحه سيلفاكير (من واو) هو كشكرته لنا بمنحنا جنسية دولة الجنوبي إذا تقدمنا لها .. وهو يعلم عين اليقين أننا لا نفكر فيها فضلا من أن نسعى إليها – لكن ما بين السطور يكشف أن المواطنة والجنسية المزدوجة قادمة لامحالة في الطريق . وهي التي سيستفيد منها الجنوبي السابق قبل غيره . فمن من الشمال يسعى للحصول على جنسية دولة الجنوب؟ .... لا أحد ممن ينتمي للشمال عرقاً أو رحماً يسعى لها . وأما الملكية المولودون المقيمون في الجنوب (المنحدرون من آباء شماليين وأمهات جنوبيات) فلهؤلاء عذرهم في البقاء بالجنوب ؛ كون أن "أعمامهم" في الشمال لايرحبون بهم وسطهم للأسف... ثم أن هؤلاء يشكلون إضافة لشعب دولة الجنوب وليس خصماً عليه . سواء في غاية تحسين النسل أو اللحاق بركب الحضارة ، ونشل مجتمع دولة الجنوب من قيعان العصر الحجري.
وعلاوة على هذا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن إبن أخت القوم منهم" عند لقائه المغلق مع الأنصار عقب غزوة حنين...... ومن ثم فلا غبار على إبناء الجنوبيات من آباء سودانيين عرب خاصة وشماليين عامة أن يتخذوا من جنسية دولة الجنوب حقا مشروعا لهم دون حاجة للقول لسيلفاكير شكرا أو بارك الله فيك
على اية حال ؛ فإن الذي رشح من كلمة سيلفاكير في مدينة واو ، قوله أمام الحشد من مواطنيه أن دولة جنوب السودان هي الدولة الوحيدة في العالم التي ليس عليها أية ديون خارجية ......
فهل يعني تصريح كير هذا أن ديون السودان قبل الإنفصال البالغة 35 مليار ستكون عبئا على جمهورية السودان وحدها أم ماذا؟
إنها شكوك يدعمها سكوت الخرطوم المطبق على مثل هكذا تصريح يصدر من رئيس دولة الجنوب .
(يتبع إنشاء الله)
التعليقات (0)