وقائع صادمة عن الخطف وتجارة الأعضاء
مصعب المشرّف
20يوليو 2017م
حتى نعتاد البحث في المسببات وعدم الإكتفاء بالتعاطي مع النتائج .... وحتى تدرك الحكومة أن رفع العقوبات الأمريكية عن السودان لا يعقل أن يتم بالأماني والإحتجاجات أو حتى الواسطة ,,,,,,,,,, فإنه ينبغي علينا أجمعين أن نلتقي على قناعة راسخة بأن زمن المنع والحجب وإخفاء المعلومة وقمع الرأي الآخر لم يعد ممكناً ....
وأنه لو إستطاعت الحكومة أن تحجب تحقيقاً صحفيا صادراً من الخرطوم . فإنها لن تستطع حجب تحقيق مماثل وشبيه صادر من كندا .... وأنها لو ألقت القبض على صاحب قلم في الخرطوم أو إستجلبته مخفوراً ومقيداً بالحديد والسلاسل من دولة عربية ما ... فإنها لن تستطيع القبض وإستجلاب صاحب رأي سوداني مقيم في لندن أوهلسنكي ، وبوسطون ، وبرلين ، وباريس وملبورن .... إلخ. في مدن وأرياف العالم الحر ..... ناهيك عن أن بعض هؤلاء يقيم في مقر الإتحاد الأوروبي بروكسل ... ومنهم من يقيم في مدينة "لاهـاي" الهولندية مقر المحكمة الجنائية الدولية.
ثم ويجب علينا الإلتفات بجدية إلى واقع جديد هو أن هناك آلاف من حملة الأقلام السودانية ، وأصحاب منتديات ومواقع ألكترونية قد حصلوا على جنسيات وجوازات سفر دول أوروبية غربية عظمى وأمريكية ..... والعدد في إزدياد يومياً ومتجدد .... وهو ما يجعل من أمر التصدي لهؤلاء بالأساليب القمعية المعتادة كما التصدي للقضاء والقدر.
وبوجه عام إذن .. وبموجب المذكور أعلاه ؛ لايشترط أن يتم ترويج الأخبار أو حتى الشائعات من داخل السودان ؛ ومن ثم يصبح تصور اللجوء إلى التهديد بإعتقال مروجي الإشاعات توجهاً غير منتج .
المؤسف أن القناعات السودانية لا تزال تتعامل مع الأحداث السودانية وكأنها أحداث داخلية صرفة . وتصنفها على شاكلة تلك الأخبار التي كانت تذيعها هنا أمدرمان في نشرة الثامنة مساء قبل تفشي المعلوماتية ... ولا تصدق هذه القناعات السودانية أن الداخل في كل بقعة من العالم قد فقد صفة "الداخل" هذه منذ زمن ؛ وقد أصبح العالم غرفة واحدة ....
وعلى سبيل المثال . فإنه إذا كانت هذه القناعات تأمر بتتبع المواطن مثير الشائعات والضرب عليه بيد من حديد (كما كانوا يقولون أيام نميري) ... فما هو رأي هذه القناعات في مواجهة مقطع فيديو من برنامج تلفزيوني يسلط الضوء على تجارة البشر ، وظاهرة الخطف في السودان ... طار هذا المقطع وجاب العالم بلسان إعلامية مصرية من فضائية مصرية ؟ ... هل ستضرب السلطات السودانية على هذه الإعلامية المصرية "مثيرة الشائعات" بيد من حديد؟ .... يا ريــت والله.....
ذلك إذن زمان ولى ولن يعود .. ومن الأفضل أن ننساه ونقبل على الحاضر والمستقبل بعقل منفتح ، وطرح معالجات قابلة للتطبيق في عالم أصبح ثنائي الوجود ما بين الواقعي والإفتراضي.
الأكثر خطراً على سمعة السودان من المشار إليه أعلاه . هو واقع أنه لو حالت السلطات ما بين إجراء تحقيق صحفي داخل السودان ونشره على الملأ ..... فإنها حتما ستفاجأ بأن ذات التحقيق قد تولت إجراؤه ونشرة إعلامية وجهاز إعلامي غير سوداني مرتبط بالظاهرة أو غير مرتبط .... ولكنه في كل الأحوال يجد موقعه من النشر تحت بند "سودان" في الشبكة العنكبوتية.
هذا عين ما حدث عندما تداول العالم في الفترة الحالية تحقيق صحفي قديم حديث ، قدمته منى عراقي في برنامج #المستخبي بقناة (القاهرة والناس) الفضائية ؛ كشفت فيه عن حقائق مذهلة حول جذور وأسباب ومآلات ظاهرة خطف البشر التي تفشت مؤخراً في السودان عامة .... والتي أكتشف بعضها وبعضها لم يكتشف .. وما خفي أعظم.
تحقيق فيديو القناة المصرية المشار إليه أعلاه متوفر على اليوتيوب ... فقط أدخل على اليوتيوب وأكتب على محرك البحث: قناة القاهرة #المستخبي الإتجار بالبشر.
سلط هذا التحقيق الإعلامي الأضواء وأجاب مباشرة وبدقة على جانب هام من الأسئلة التي تداولها الناس حول سر ظاهرة الخطف ، التي يتعرض لها مواطنون سودانيون منذ أكثر من عام دون الحصول على إجابة..
وقد أفادت مقدمة البرنامج بالقول: [زمان كان الأفارقة السودانيين والأرتريين والأثيوبيين بيحوا بمزاجهم . قامت عصابات الخطف قالت: طيب ليه ما نخطفهم ونجيبهم عندنا غصباً عنهم؟]..
وقارنت مقدمة البرنامج بين ما يجري حاليا بما كان يجري على أيام تجارة الرقيق.... علماً بأن تجارة الرقيق تعتبر من أهم البنود المتهم بها السودان في المحافل الدولية. وقد سبق وأن أثارتها الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق ضد حكومة السودان قبل الإنفصال... وكذلك نقرأ للحركات المسلحة عرائض ومراسلات في ساحات العالم الحر بهذا المحتوى.
والمشهود أن وتيرة هذا الخطف تزداد وتستفحل يوماً عن يوم؛ حتى أصبح حديث الناس وشغلهم الشاغل . وحيث تشير أصابع الإتهام سراً وهمساً وجهراً إلى السلطات نفسها ، وتتهم بوجود تواطؤ ومنفعة لدى البعض منهم.
التحقيق التلفزيوني المشار إليه جاء مقنعاً شفافاً ... وعلى جانب مهني لا بأس به ؛ هذا مع التحفظ على محاولته تبرئة جرم الجانب المصري ، وشيطنة الجانب السوداني وحده.
يغطي التحقيق الإعلامي المشار إليه الفترة من بداية إنقلاب الفريق السيسي في 3 يوليو 2013م...... ويزعم أن إنقلاب السيسي قد أسهم في ضبط الأمن وتقليل حجم الظاهرة.
جاء هذا التحقيق موثقاً بالصوت والصورة ؛ وشهادات لناجين من الخطف حررهم الجيش المصري في شمال سيناء (العريش خاصة) خلال بحثه الدائب عن إرهابيين.
أوضح التحقيق بداية أن جنسيات المختطفون أفريقية معظمهم من السودان وأرتريا وأثيوبيا .. وأن قبائل الرشايدة الواسعة الإنتشار في غرب أريتريا ثم في شرق السودان هي التي تتولى عمليات الخطف والتهريب .. أو أنها تستغل أحلام يعض الشباب الأفارقة السودانيين والأرتريين والأثيوبيين بالهجرة إلى أوروبا عبر ليبيا . وأن تحركات قوافل المخطوفين تبدأ عادة من شرق السودان وتسير شمالاً بكل يسر دون أن يوقفها أحد .. وإلى أن تحط رحالها في شمال سينا منطقة العريش تحديداً..... ومن هناك يأمر الخاطفون المختطف إجراء إتصال هاتفي مع ذويه ، والطلب منهم إرسال فدية لفك أسره ....... فإذا أرسل ذوي المخطوف الفدية ، واستلمها الخاطفون في حساباتهم أو تسلمها مندوب عنهم في السودان وأرتريا مثلا . فإنه يتم تهريب المخطوف إلى داخل إسرائيل ... وبالسلامة .. وهو وشطارته بعد ذلك.....
وبعض الخاطفين لا يلتزمون بتهريب الضحية إلى إسرائيل ؛ وإنما يكتفون بإطلاق سراحه داخل الصحراء ليواجه مصيره وحده .. وحيث غالباً ما يموت من العطش والجوع أو يدفن تحت رمال الصحراء..... ثم لا تلبث فضائيات سودانية أن توجه له اللوم في قبره تحت الرمال ، وتناشده العودة إلى حضن أمه وجوار أبيه.
أما في حالة عدم تسليم الفدية المطلوبة . فإن الخاطفين يشرعون في تعذيب الضحية عل وعسى يجبرونه أو أهله وذويه على التعاون معهم بالجدية اللازمة ... وفي حالة اليأس منه ومن أهله يتم إما قتله أو التباحث مع مافيا الإتجار بالأعضاء البشرية حيث يتم بيعه لهم . ومن ثم نقله إلى حيث تتوفر إمكانات إستئصال ما طاب من أعضائه الحيوية....
والذي يستشف من محتوى وتأثير هذا التحقيق المصري ؛ فإنه يثير في النفس الشكوى الدائمة من أننا لانكتب تاريخنا ولا أحداثنا بنفسنا ... وأنه لو كانت حرية التحقيق والنشر وبعض الرأي مكفولة في الإعلام السوداني ؛ لما كان هذا التقرير المصري قد وجد هذا الإهتمام ..
والشاهد أن هذا التحقيق التلفزيوني المصري قد أتى على نحو يدين السودان بالإسم ، ويدين الإرهاب في سيناء خاصة بالإسم...... وفي المقابل يتجاوز عن مسئولية الأمن المصري في السماح لقوافل تجار البشر هؤلاء العبور من جنوب مصر حتى شمال سيناء دون إعتراض ومساءلة.
حاشية:
الطريف أن بعض العاضين على كراعين العروبة ؛ لم يحرك فيهم محتوى هذا التقريرساكناً . ولكنهم هاجوا وماجوا لأن مقدمته وصفت السودانيين بأنهم أفارقة ؛ ولم تقل عــرب ....
صباح الخير ياعرب يا .....
المصدر/ برنامج #المستخبي – قناة القاهرة والناس.
التعليقات (0)