وفي اليوم السابع.. لم يسترحْ
بقلم إلياس تملالي
عندما أفاق فجر السبت، كانت زوجته تنام بعمق، رنا إلى أطفاله الأربعة في غرفتهم، وقرر أن يُعّد بنفسه طعام الإفطار، حتى يريح زوجته قليلا.
أفاقت سارا فجأة، ورأته من باب غرفتها الموارب وهو يرتدي بذلة الطيار. "إلى أين يا أبي؟ أليس يوم سبت؟ لا عمل اليوم". قالتها بلهجة السفارديم، وكان حرف "العين" قويا كما ينطقه أحمد، زميلها العربي الذي يلعب معها أحيانا في فناء المدرسة.
بضحكة حاول أن يكذب كذبة بيضاء. "إنه يوم استثنائي يا سارا. اعتبريني ذاهبا إلى صلاة السبت" قال وهو يحملها بين ذراعيه.
كانت مولعة بالأنجم التي ترصع شريطيتي بذلة أبيها داني، الضابط في سلاح الجو.
بقية من شك في عينيها، لكنها لم تشأ أن تجادل طويلا، وحملها هو إلى سريرها الصغير. قالت له "ستحكي كل شيء داني. نَاخُونْ (1) ؟". هكذا كانت تناديه، باسمه "داني". لم تكن لتناديه قط بـ "أبي". كانت مُفضلته، وكان يسمح لها بما لا يسمح لغيرها من أطفاله.
"أعدك". طبع قبلة على جبينها. "لَهِيطْرَعُوت مُوتَكْ شِلِّي(2) .لُو تَأَسَّا بِيعَايُوت(3) أتعديني بذلك؟".
"أعدك" قالت سارا وخلدت للنوم فورا. لقد سهرت إلى ساعة متأخرة مع داني الليلة الماضية، ولها معها حتى أنها لم تقو على حمل نفسها إلى غرفتها.
خرج من الغرفة على أطراف أصابعه، وأغلق الباب خلفه بهدوء، وهرول إلى المطبخ وهو يُزرّر البذلة العسكرية الزيتونية ليكمل إعداد الفطور.
سمع صوت محرك الجيب. خرج مسرعا. أدى له الجندي التحية العسكرية، وانطلقا إلى قاعدة حتسريم الجوية.
انطلق السَّرْب. وبعد دقائق معدودة تبدّت غزة. كانت الأهداف مجرد نقاط مضيئة على شاشته. كان ذلك ينزع عنه كل خوف أو بالأحرى يجعله أكثر اطمئنانا، فالهدف مجرد نقطة. يمكنه أن يطلق صاروخ "الرصاص المسكوب"، ولن يرى شيئا: مجرد ومضة صغيرة. كم من الومضات يشاهد يوميا على شاشات رادرات قاعدة حتسريم!
استفاقت سارا في الثانية بعد الظهر متأخرة على غير عادتها. أشعلت التلفاز في غفلة من أمها المنهمكة في إعداد عشاء السبت. قفزت بين المحطات، طمعا في برنامج أطفال شيق. تجمدت عند إحداها. كانت لغة أخرى غير العبرية. أكان برنامج أطفال؟ لكن لمَ لا تر عرائس غراغوز ودمًى.. بلى كانت هناك دمية على الشاشة. من حولها حجارة كأنها حجارة بيت. بقية البيوت لم تكن تشبه حيها وبقية الأحياء التي عرفتها.
"ما هاذا يا ماما؟" صاحت تسأل الأم المنهمكة في إعداد عشاء السبت."لا أدري أجابت الأم" مذعورة وهي تَهرع لتغيير القناة.
"انظري! إنها دمية. تشبه دميتي كثيرا"، صاحت سارا في شيء أشبه إلى الجذل الطفولي، جذلِ الأطفال عندما يفرحون باكتشاف الأشياء حتى لو كانت صغيرة. "لكن لم كل هذا الغبار المتجمع عليها؟ وأين صاحبتها؟".
في قمرة قيادة طائرة الـ16 كان داني يفكر في سارا. لَكَمْ كان يحبها هذه الشقية. نسي بسرعة النقطة المضيئة التي ومضت بعد أن أطلق الصاروخ. أزالها من ذهنه كما يزيل مسحة الغبار الذي يتجمع أحيانا على شاشة طائرته. ركّز كل تفكيره على سهرة السبت مع الشقية سارا.
عندما دَلَفَ إلى البيت في السادسة مساء، كانت سارا تنتظره، نطت بجذل وتعلقت برقبته، قبلته قائلة "هِيتْغَاآغْتِي لِخَّا داني! (4)".
أخذته من يده إلى الصالة، كانت محطة أخرى –اللغة أيضا لم تكن عبرية- تعرض الصورة نفسها التي رأتها في الصباح. قالت له "أنظر داني! ألا تشبه دميتي؟"، لكن لمَ كل هذا الغبار؟ وأين صاحبتها؟"
لم يجب، لكنه خال للحظة أنه يذكر جيدا تلك الحجارة.. عندما كانت بيتا.. قبل أن يطلق الصاروخ.
إلياس تملالي
(8 يناير 2009)
1- صحيح
2- إلى اللقاء يا حلوتي
3- لا تعملي مشاكل
4- Hitgaagati : اشتقت إليك
التعليقات (0)