وقفة مع مرشح الرئاسة عبد العزيز خالد
رئيس تنظيم "قوات التحالف السودانية"
عميد معاش "عبد العزيز خالد"
بعيدا عن حزلقة ووعود عرقوب المتحدثين من أقطاب وزعماء وطرابيش الأحزاب التقليدية أو براطيش الحركة الشعبية الذين صدعوا رؤوسنا خلال حملتهم الإنتخابية الفاشلة بترديد أسطوانات مشروخة تقليدية ممجوجة تدور جميعها في فلك إنتقاد نظام الحكم القائم ليس إلاّ ، والمطالبة بتغييره بنظام حكم آخر لمجرد التغيير وخدمة لمكايدات الإفك الحزبي المعهود دون طرح إستراتيجيات وبدائل مقنعة من واقع تجربة الشعب السابقة مع هؤلاء عندما أتيحت لهم السلطة من قبل ولأكثر من مرة . وبما سيؤدي حتما في حالة التنفيذ إلى عودة ساقية جحا للدوران من جديد على نسق الديمقراطيات الأولى والثانية والثالثة وما يتخللها من إنقلابات عسكرية تدعي الثورية وتكريس حكم "الثـور" الأوحد والقائد الملهم حبيب الشعب وحارسه وفارسه .......
وبرغم الفرصة الضيقة التي أتيحت له من خلال أجهزة الإعلام وبالنظر إلى إمكانات تنظيمه المالية المتواضعة الرقيقة الحال ؛ فقد إستطاع العميد معاش عبد العزيز خالد أن يلفت إليه الإنتباه بوصف أن أفكاره تستحق المناقشة والأخذ في الإعتبار؛ ذلك أن هذه الأفكار قد ترجمها في صيغة إستراتيجيات عمل وطني لا تزال برامجها غائبة عن أدبيات ووعي وربما إهتمام وقناعات كافة الزعماء والمنظرين والأمانات والمكاتب السياسية للأحزاب السودانية الأخرى التي لم تستطيع طرح برامج وإستراتيجيات بقدر ما كان كل همها ممارسة هواياتها في المزايدة ، ومعاودة طرح مناوراتها التكتيكية الكيدية في وجه الحزب الحاكم وفقا لما إعتدنا عليه من ممارسات حزبية منذ إستقلال السودان ، ودون أن تخجل من حقيقة أنها قد منحت لها الفرصة أكثر من مرة لحكم السودان دون أن تفعل شيئا سوى المزيد من التعطيل لمسيرة الوطن فضلا عن إنهاك شعبه...... وحيث تجربة السودان مع الصادق المهدي والمرحوم أحمد الميرغني لا تزال المثال الصارخ لهذا الفشل وقلة الخجل على حد سواء.
صورة أرشيفية لأقطاب العهد الديمقراطي الحزبي الطائفي القديم (الثاني من اليمين هو المرحوم أحمد الميرغني يليه المرحوم إسماعيل الأزهري ثم الصادق المهدي) ..... إختلفوا في التكتيك وإتحدوا في الإستراتيجية
وبالطبع فلا أحد يتوقع أن يفوز العميد معاش عبد العزيز خالد بمقعد الرئاسة السودانية أو المنافسة الجادة على هذا الكرسي سواء من قريب أو بعيد نظرا لعدم الشعبية ولضعف إمكانات تنظيمه المالية ، وعدم وجود ممولين أثرياء حادين في الداخل والخارج مستعدين لدعم حزب أو حركة وطنية "نَقِيّة" ترفع شعارات لا تخدم مصالحها أو جزء منها ..... وعلى ضوء أن لعبة الإنتخابات أكبر وأعقد وأفسـد بكثير مما قد يظن البعض وحيث لا تكفي النوايا الحسنة وحدها لخوضها والفوز فيها.
ولكن برغم كل ذلك نستطيع القول أن عبد العزيز خالد الذي يمكننا أن نطلق على تنظيمه مسمى "تنظيم العضو الواحد" يستحق منا التحية و "التصفيق" . والشد على يديه بحرارة عل وعسى أن يخرج علينا في المستقبل حزب مكتمل القواعد والأركان يتبنى أفكاره وإستراتيجيته التي طرح تلخيصا لها من خلال ما أتيح له من دقائق معدودة كانت كافية لشد الإنتباه إليه بقوة.
تركزت الإستراتيجية التي طرحها العميد عبد العزيز خالد في محاور أساسية من المؤكد أن السودان في حاجة ماسة إليها بوصفها الخط المستقيم والطريق الأقصر نحو تنمية حقيقية ، وتحقيق أقصى درجات الرفاهية والأمن للوطن والتي تتمثل في الآتي:
1) توفير الخدمات الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطن اليومية.
2) تحديد مهام القوات النظامية وفق الأسس القومية التي أنشئت من أجلها.
3) تكريس قومية وإحترافية جهاز الأمن الوطني.
4) تكريس مفاهيم أن منجزات الحكومات هي واجبات أساسية عليها وحق أصيل من حقوق مواطنيها وليست مدخلا للمن عليهم ، وذلك ضمن حقيقة أن ما يجري إنجازه وإنفاقه إنما هو من صميم أموال المواطن وليس أموال الحكومة ، وفق ما درجت عليه الذهنية الشعبية للمواطنين في دول العالم الثالث أو المتخلفة التي تتخيل أن للحكومة أموالاً خاصة بها خلقتها بنفسها دون أن يدركوا أنها أموالهم وممتلكاتهم هم في الأصل.
وفيما يتعلق بإستراتيجية توفير الخدمات الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطن اليومية وتعتبر بمثابة البنية الأساسية للنهوض بآدميته وإعداده نفسيا وفيزيائيا للإنتاج والإبداع فإن أهم هذه الخدمات المطلوبة هي :
أ) التعليم والتوظيف والصحة والإسكان
وحيث لا مندوحة من القول أنه وفي مجال التعليم فلابد من ضمان مجانيته من الأساس وحتى البكالوريوس وفق التنافس الجدي الشفاف بعيدا عن الإستثناءات التي يحصل عليها البعض من أبناء أعضاء الحزب الحاكم وحلفائه. وكما يجب ربط مخرجات التعليم بمتطلبات العمل والتنمية الحقيقية المستهدفة وليس مجرد تخريج أفواج بلا فرص عمل حقيقية تستوعبهم من واقع إنتفاء الحاجة إلى تخصصاتهم الأكاديمية .........
وفي جانب الخدمات الصحية فمن غير الممكن أن تستمر الدولة في رفع يديها عن تقديم الحد المعقول من الخدمات الطبية المجانية لشعبها الذي يعيش معظمه تحت خط الفقر ..... وشعب يعاني معظمه من تفشي الأمراض الباطنية المعوية ، والأوبئة (من قبيل الملاريا والبلهارسيا) لا يمكن توقع قدرته على الإنتاج.
2) تحديد مهام القوات النظامية وفق الأسس القومية التي أنشئت من أجلها.
وهذا المطلب ضروري لإبعاد القوات النظامية الممثلة بشكل اساسي في الجيش والشرطة والأمن المركزي عن التورط في الأنشطة السياسية . أو تكريسها لمجرد حماية النظام القائم والبطش في المقابل بمعارضيه السياسيين ومعارضي الرأي من غير حملة السلاح . أو الحد من أن يكون أفراد هذه القوات ضحية لتوجهات عقائدية لنظام سياسي حاكم بعينه تؤدي في النهاية إلى التشريد وفق ما تم على مفهوم "الصالح العام" السيء الذكر.
3) تكريس قومية وإحترافية جهاز الأمن الوطني .
جميعنا لابد أن يدرك أن جهاز الأمن قد إنشيء خلال عهد الرئيس إبراهيم عبود وفق مناهج البوليس السياسي وجهاز أمن الدولة المصري ليجري حله عام 1964م . ثم أنشيء آخر بعد إنقلاب جعفر نميري عام 1969م وفق مناهج المعسكر الإشتراكي وتدرب منسوبيه في روسيا ورومانيا آنذاك ،..... وجميع هذه المناهج المصرية والإشتراكية لا تصلح للتطبيق في دولة ومجتمع السودان الذي يعاني من التنوع العرقي والإثني والثقافي المعقد العميق ، على عكس الحال في مصر ورومانيا شاوسيسكو ...... ، كما وتقلد جميع مناصبه وإداراته وأقسامه القيادية والتنظيرية ضباط في القوات المسلحة والشرطة مؤهلين وأصحاب خبرات في مجال الردع والقبض والتحري المكتبي والتنكيل باللصوص والمجرمين ليس إلا ........
الصادق المهدي
وحيث أثبتت الأحداث بعد ذلك (على سبيل المثال لا الحصر) فشل هذا الجهاز في إكتشاف مخطط الصادق المهدي الذي نجح عام 1976م في إستقدام مرتزقة أفارقة تم تدريبهم في ليبيا لغزو العاصمة والقضاء على حكم جعفر نميري فيما سمي وقتها "بغزو المرتزقة" تارة و"الغزو الليبي المندحر" تارة أخرى ، وما أدى إليه من دمار وسفك لدماء الأبرياء من أبناء الشعب وأفراد الجيش السوداني في العاصمة المثلثة .....
ثم عدم التقييم الواقعي لتمرد جون قرنق وتبعاته الذي شهد تطورا إيجابيا منقطع النظير في عهد جعفر نميري والديمقراطية الثالثة وليؤدي لاحقا إلى فصل الجنوب عن الشمال .......
جون قرنق
ومن ثم فلا مناص من البحث الدؤوب لضم أدمغة سودانية ذات مواهب خلاقة تخطط لبناء جهاز أمني محترف ذو توجهات قومية شاملة ؛ وبما يتوافق مع واقع وظروف السودان وعادات وتقاليد شعبه وبنائه القبلي والجهوي.
إن جهاز الأمن الوطني كان ولا يزال منذ بدء إنشاء نظامه على عهد الرئيس إبراهيم عبود يتعرض للإلغاء والتسريح ثم إعادة الإنشاء من جديد . وهو ما شكل فجوة أمنية كبيرة بوصف هذا الجهاز الركن الأهم للحفاظ على تماسك النسيج الإجتماعي للدولة في حال أتيحت له فرصة الإستمرارية والتطور العلمي المدروس بعيدا عن مناهج القبض والتنكيل لمجرد الحصول على إعترافات والسلام ....
ولكن يبدو أن إرتباط نشأته مع نظام إبراهيم عبود الديكتاتوري ثم جعفر نميري الشمولي الجاهل هو الذي قلل من قيمته القومية وإحترام الشعب له والقناعة بجدواه ، وجعل منه هدفا دائما لكافة الديمقراطيات التي تقفز إلى كراسي السلطة عقب كل ثورة أو إنتفاضة شعبية فيكون شعار تصفيته هو مطلب الشارع الأول ....... أو كأنه ليس سوى ربيب للأنظمة الديكتاتورية الشمولية ولحمايتها وليس لحماية أمن الوطن والمواطن .... وهو الأمر الذي شكل بدوره فجوة نفسية بينه وبين عامة الشعب فيما يتعلق بتقبله ومساعدته على تحقيق الغايات الأمنية التي أنشئ من أجلها.
وقد يكون من الأفضل لو تم تحسين سمعة هذا الجهاز عبر شبكة علاقات عامة ودعاية علمية موهوبة خلاقة تقدمه للمجتمع بصورة أفضل تميط عن وجهه لثام الغموض وشبهة الأشباح ، وتوضح مدى أهميته والمهام الجسام التي يقوم بها لحماية الوطن في الداخل وليس كما يظن البعض أنه يقتصر على قبض المعارضين السياسيين للأنطمة السياسية القائمة وتعذيبهم وإغتصابهم ونزع الإعترافات المفبركة منهم .. إلخ من إنطباعات نمطية في أذهان الشعب العادي.
ومن ناحية أخرى فلابد من الإنتباه والتنبيه إلى المخاطر التي تهدد أمن الوطن خلال المرحلة المقبلة التي ستعقب الفراغ من الإنتخابات الرئاسية والعامة لاسيما في جانب ترسيخ قواعد السلام الشامل الدائم في إقليم دارفور بالإضافة إلى تبعات إنفصال الجنوب رسميا في يناير 2011م المقبل. وما يستتبعه من مفاوضات مرهقة لتخليص كافة العلاقات المتشابكة من قبيل ترسيم الحدود وترحيل مواطني دولة الجنوب إلى بلادهم والبترول والرعاة والتداخل السكاني والديون الخارجية .. إلخ.
4) زيادة وعي المواطن بحقوقه في المال العام:
وهذه النقطة تم الإشارة إليها في البند الرابع أعلاه من ملخص التوجهات التي طالب العميد عبد العزيز خالد بتكريسها ..... وربما تتضح مدى الفجوة بين ذهنية المواطن العادي بمن فيهم أطفاله وصبيانه عندما نلاحظ أنه وخلال التظاهرات والإحتجاجات أو حتى خلال ممارسة الحياة العادية اليومية ، يقوم الغاضبون من عامة الشعب بتخريب ما يرون أنها "ممتلكات الحكومة" من منشآت عامة وخدمية وحتى المدارس والجامعات أو عدم إهتمام بنظافة البيئة ، وغير ذلك من تصرفات خاطئة تندرج تحت قائمة عدم الوعي والتفريق بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة اللتان هما في حقيقة الأمر وجهان لعملة واحدة.
آلية توفير الخدمات الأساسية للمواطن:
مهما كانت النوايا حسنة فلن يكون هناك إنجاز دون وجود إستراتيجيات واضحة يدعمها تنظيم وتخطيط وتنسيق ومتابعة. وبالتالي فإنه لن يتحقق جانب تقديم الخدمات الأساسية للمواطن وكذا الأمن إلا إذا وضعت الحكومة كل ثقلها وسخرت جميع إمكاناتها في المرحلة المقبلة لتقنين صفة المواطنة من خلال التطبيق الصارم لقانون البطاقة الشخصية وإلزامية الأفراد بحملها وربطها بشكل حاسم بتقديم خدمات الإسكان والتعليم والصحة والتوظيف ... إلخ من خدمات مباشرة تقدمها الدولة للمواطن ؛ لأنه لا يعقل أن يتمتع الأجانب المتكدسين الآن بالملايين في شوارع وأزقة وعشوائيات العاصمة والمدن والقرى السودانية من أبيي وحتى حلفا برعاية الدولة المجانية على حساب المواطن.
وغني عن القول أن تعميم إصدار البطاقة الشخصية وإلزامية حملها قد سبقنا إلى تطبيقها الأغلبية العظمى من الدول العربية وأقربها إلينا جمهورية مصر العربية التي وبرغم تكدسها السكاني وتنوعها الطائفي وخوضها غمار أكثر من حرب قتالية وإستخباراتية ضروس خلال العصر الحديث في مواجهة اليهود وبريطانيا وفرنسا (1948/1956/1967/1973) ؛ إلا أنها إستطاعت وإعتمادا على هذه البطاقة الشخصية من تحقيق أقصى قدرات الكفاءة في مجال التخطيط والحشد وتقديم الخدمات لمواطنيها والقبض بيد من حديد على زمام الأمن الداخلي وبنحو شكل إستقرار نظام الحكم والمجتمع المدني . وساهم بشكل أساسي في التغلب على الإجرام المسلح وكذلك القضاء على الإرهاب الديني برغم تغلغل جذوره في المجتمع والحياة السياسية المصرية ...... وحيث لا نشك في أن دولة مثل السودان تعاني الآن من مهددات جدية بإنفجار بؤر التمرد العسكري هنا ووهناك ؛ فإن إلزامية حمل البطاقة الشخصية وإبرازها عند الطلب ونقاط التفتيش ، ستجعل من العسير على التمرد فرداً كان أو جماعات من التمتع بحرية الحركة والتموين جيئة وذهابا عبر الحدود والتجول في طرقات وأحياء المدن والأسواق نهارا كأي مواطن عادي ثم حمل السلاح ليلا لتنفيذ ضرباته التخريبية النوعية.
....... بعيدا عن القنوط المعتاد والكسل وهرش الراس والتذرع بأعذار واهية لازمتنا منذ عام 1956م فإن الخطو نحو بداية جادة لتطبيق إلزامية البطاقة الشخصية ستوتي حتما أكلها ولو بعد حين ,,,,, ,,,, تبدأ المسيرة الكبرى عادة بخطوة واحدة .... ولا مستحيل تحت الشمس.
التعليقات (0)