وفاة الملاكم العالمي جو فريزر
توفى أمس 7/11/2011م بطل الملاكمة العالمي السابق ؛ الأمريكي "جو فريزر" عن عمر 67 سنة بعد معاناة طويلة مع سرطان الكبد ... وقد حقق "جو فريزر" شهرته العالمية الخاصة بسبب أنه كن المتحدي الأول والحقيقي لأسطورة الملاكمة العالمية "محمد علي كلاي" . حيث إستطاع التغلب على الأسطورة في "معركة القرن" التي جرت بينهما مساء 8 مارس 1971م وسط إهتمام وإستقطاب عالمي وحضور مميز لشخصيات عالمية مرموقة في كافة المجالات.
ولد جو فريزر في بيوتفورت بتاريخ 12/1/1944م وعمل في سن الخامسة عشر صبيا في دكان قصاب.
وهو هنا أثناء تدريبات إستعدادا لأولمبياد لندن عام 1974م ؛ حيث حصل للولايات المتحدة على الميدالية الذهبية . وكان هو الملاكم الأمريكي الوحيد الذي حصل على ذهبية في الملاكمة خلال هذا الأولمبياد رغم أنه لعب النهائي بأصبع من يده مكسور .. وقد حصل بعد عودته إلى الولايات المتحدة على وظيفة حارس في كنيسة "بابتيست" بولاية فيلادبفيا الشمالية تكريما له.
عام 1967م تم إيقاف محمد علي كلاي عن ممارسة الملاكمة لسبب رفضه الذهاب للحرب في فيتنام . كان محمد علي وقتها يحمل لقب بطل الملاكمة العالمي للوزن الثقيل فسحب منه . فحصل عليه "جو فريزر" عام 1970.
عند خروج محمد علي من السجن عقب إنتهاء فترة عقوبته ثار جدل قانوني حول أحقية محمد علي كلاي في إستعادة لقبه . وإنتهي الجدل يترتيب مباراة على اللقب مباشرة بينه وبين جو فريزر أخذت زخما عالميا خاصة بعد أن اصبح محمد علي كلاي يمثل ظاهرة وطنية وعلامة بارزة لمعارضي حرب فيتنام داخل الولايات المتحدة وخارجها . فقد كان الرأي العام العالمي جميعه متحمساً لإدانة التدخل الأمريكي في فيتنام ، وما ترتكبه الجيوش الأمريكية هناك من مجازر يندي لها جبين الإنسانية . فجاء موقف محمد علي كلاي يفضح تعفن الفكر الرأسمالي وبربرية الماكينة العسكرية الأمريكية التي حاول الرئيس ليندون جونسون وقتها تكريسها بقنابل طائرات البي 52 العملاقة المدمرة ، وقاذفات اللهب ، وقنابل النابالم ، والقنابل العنقودية التي فعلت فعل الجحيم في أجساد أبناء الشعب الفيتنامي الشمالي ؛ دون أن تجبره على الإستسلام والخنوع للأمبريالية الأمريكية في أوج عصرها ومواسم فتك آلتها الحربية بالبشرية وسط شعوب أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا ....
لم يكن محمد علي كلاي وقتها وبعد خروجه من السجن على إستعداد تام وفي كامل لياقته . لكنها كانت الفرصة الوحيدة التي ممنحت له . فالتحدي على اللقب لا يقبل المساومة لجهة الوقت إنتظارا لإستعادة الفورمة واللياقة البدنية والتأهيل النفسي . فكان أن خاض محمد علي كلاي تلك المباراة بقلبه وشجاعته ليس إلا .....
أطلق على ذلك اللقاء التاريخي في عالم الملاكمة مسمى "معركة القرن" وكان بتاريخ 8 مارس 1971م في ميدان ماديسون بمدينة نيويورك . وشارك بمشاهدتها جوار الحلبة مباشرة العديد من الشخصيات العالمية ونجوم هوليود في ذلك العصر أمثال داستن هوفمان والمطرب فرانك سيناترا الذي شارك بالتصوير الفوتوغرافي لبعض مشاهدها.
لم تنقص محمد علي كلاي الموهبة الفنية بالطبع ولكن خطة طاقم "جو فريزر" كانت مكشوفة منذ البداية ؛ وهي اللعب على إستنفاذ طاقة محمد علي كلاي ولياقته البدنية بالنظر إلى كونه قد خرج حديثا من السجن وإبتعد طويلا عن التدريبات .. فكان لهم ما أرادوا.
وفي الجولة رقم (15) من تلك المباراة أفلح "جو فريزر" في إرهاق الأسطورة . وسقط محمد علي كلاي لأول مرة (ولكن إلى حين) في مشوار بطولاته الأسطورية على أرض حلبات الملاكمة العالمية ، وليحتفظ "جو فريزر" باللقب وهو لا يكاد يصدق نفسه.
جورج فورمان إلى اليمين يهاجم جو فريزر
لم يهنأ جو فريزر بلفب الملاكمة العالمية طويلا . فلم يخوض أربعة حلقات ضد منافسين على اللقب حتى فقده على يد الملاكم البافالو الأعسر "جورج فورمان" . وكان ذلك عام 1973م على حلبة كنجسون في جامايكا. وشهدت تلك المباراة سقوط جو فريزر ثلاث مرات في الجولة الأولى وحدها ، ثم سقوطه ثلاثة أخرى في الجولة الثانية .
وقد سارع محمد علي كلاي بتحدي جورج فورمان على اللقب فكانت تلك المباراة الفريدة في التاريخ التي حملت مسمى (RUMBLE IN THE GUNGLE) وترجمتها "هزيمٌ في الغاب" التي جرت بالعاصمة الزائيرية كينشاسا على وقع الطبول وزئير الأسود ، بطلب ورعاية شخصية ودعم مالي سخي من الرئيس الزائيري السابق الجنرال "سيسي سيكو موبوتو" لتغطية نفقاتها ؛ ثم أجور الملاكمين التي قيل أنها بلغت وحدها في ذلك الزمان 5 مليون دولار أمريكي بالتمام والكمال .
وقد حظيت تلك المباراة بإهتمام عالمي لا نظير له . وحبست أفريقيا وشعوب العالم الثالث أجمعها أنفاسها ، وهي تلهج بالدعاء لأجل إنتصار محبوبها الكاريزمي ورمز نضالها ضد الإمبريالية والإستعمار الذي بات يجسده محمد علي كلاي لدى الضمير العالمي .
جرت المباراة بتاريخ 30 أكتوبر 1974م على أرض إستاد مايو بعاصمة الماس الأفريقي كينشاسا . في الجولة الثامنة وبالضربة الفنية القاضية إستعاد محمد علي كلاي لشعوب العالم المقهور اللقب المعنوي المفقود . فامتلآت الشوارع على وجه الأرض من أدناها إلى أقصاها تحتفل بالنصر حتى ساعات الفجر.
عام 1975م عاد "جو فريزر" يجرب حظه مع محمد علي كلاي فقبل الأخير التحدي . وجرت الملاكمة في العاصمة الفلبينية مانيلا تحت رعاية الرئيس الفلبيني الجنرال فرديناند ماركوس على حلبة مانيلا . وكان تكتيك "جو فريزر" شبيها بل طبق الأصل من مباراته ضد محمد علي عام 1971م ولكن الحظ لايهبط على الشخص كل مرة ... وحيث ما كان ليلدغ محمد علي كلاي من نفس الجحر مرتين ... بل قلب في حقيقة الأمر الطاولة على منافسه وأطاح بجو فريزر في الجولة رقم (15) ليثبت لحاسديه قبل معجبيه أنه إستعاد لياقته البدنية المعهودة التي تجعله يتحرك كالفراشة ويلسع كالنحلة.
بعد جولة حلبة مانيلا ضد محمد علي شارك جو فريزر اللعب في حلبتين قبل أن يعلن إعتزاله الملاكمة عام 1976م . ولكنه عاد لفترة قصيرة عام 1981م لم يحقق خلالها إنجازا . فقرر إعتزاله نهائيا تاركا عالم الملاكمة ؛ ليعلن بعدها تشكيله فرقة موسيقية مارس من خلالها هوايته في الغناء بالملاهي الليلية . لكن لم يكتب له النجاح والإستمرار طويلا فاعتزل الغناء وأعلن عن إفتتاح صالة تدريب رياضية في فلاديلفيا الشمالية.
وفي السنوات الأخيرة نشأت بينه وبين سبب شهرته وخصمه السابق محمد علي كلاي علاقة صداقة قوية وهما في هذه اللقطة يحتضنان بعضهما خلال فعاليات إحتفال جرى عام 2002م في عاصمة السينما العالمية هوليود كانا قد دعيا إليه كضيفي شرف.
عام 2009م أشاد جو فريزر بعلاقة الصداقة هذه وقال أن محمد علي كلاي كان على إستعداد دائم لفعل كل شيء من أجل مساعدتي في محنتي . ورحلتي مع المرض . وقبل يومين من وفاة جو فريزر أعلن محمد علي كلاي أنه يصلي ويدعو الله عز وجل لأجل جو فريزر . وأضاف يقول :- "أن لدى جو فريزر العديد من الأصدقاء المخلصين الذين يحبونه وأنا واحد من ضمنهم" ..... وفي يوم 7 نوفمبر 2011م توفى جو فريزر بعد معاناة طويلة قاسية مع سرطان الكبد.
التعليقات (0)