مواضيع اليوم

وغـابـت مـنـاهـي (قـصـه )الجزء الأول

سيدة الغياب

2009-07-25 17:52:45

0

 

http://pic.glaksa.net/files/hazyna/haznh-1-3-6.jpg

 (1)

الكويت في يوم الاثنين الموافق30/12/1986م

كان مساء لا يشبه غيره .
رتلت فيه أمي كل الأدعية التي تحفظها وتبتلت إلى الله بان يرزقها ما تمنت طوال عمرها.
كان الصمت هو السائد بينهم, والقلق يبدوا على محياهم . وجدوا صعوبة في الجلوس والانتظار, كانت الثواني تمر ثقيلة والدقائق بدت كالساعات عندهم .
هم الذين ترقبوا قدومي لهذه الحياة . فصعقوا بسماع خبر قدومي وحلت بهم الفاجعة حتى أنهم قتلوا ابتسامه رسمتها الممرضة وهي تزف لهم تباشير ميلادي. أبي وأخواتي وخالي وعمي . كان اجتماعا يدل على الاهتمام بالمخلوق القادم لهذه الحياة .لكنه في الواقع كان مؤتمرا مصغرا لأول اتفاقيات إنهاء حياة
حياتي
مرحبا أنا مناهي , اعلم أن اسمي وسماعه يجر خلفه سؤالا اعتدت على سماعه فالكل يتجرا ويسألني ( ماذا يعني اسمك)
أجاوب كعادتي وأنا أتصنع البراءة وجهلي بالسبب الحقيقي والسر وراء حملي لهذا الاسم ومعناه . انه يعني نهاية العام حيث صادف يوم ميلادي آخر يوم في السنة الميلادية .
تشغلني الأشياء والتعمق في تفاصيلها عن الغوص في ذاتي . لكني هنا مجبره على ان اعري نفسي ودواخلها أمامكم وانثر تفاصيلها لعل ذلك يشفع لي كي لا ادخل السجن .
في ذاكرتي بعض المسودات القديمة . التي تجلني أجهش بالبكاء حين أتعثر بها وأنا ابحث عن شيء واحد مبهج قد عشته ورصدته ذاكرتي .
طموحاتي أيه السادة والسيدات لا علاقة لها بالمكتوب أمامكم بالملف المسجل باسمي. والقدر والقضاء كون بداخلي تعليل لما رأيت وحدث لي وسأخبركم تباعا عنه .

في ذلك المساء الذي صرخت فيه وشهقت أطالب بأكسجين البقاء . قطع والدي وريد الوصل بينه وبين والدتي . سكب سنوات العشرة مع دموع والدتي ولم يبالي. بها أو بي
أسمتني هي مناهي
لأنها وبسببي وقعت على الكثير من النهايات
نهاية زواج
نهاية إنجاب
نهاية نبض قلب

هل لي بفنجان قهوة مر اشعر برجفة الحمى الباردة .


.................................ي ت ب ع

 

 

(2)


كنت ارتشف قهوتي بصمت وأتأمل أعين الموجودين حولي والتي ترمقني باحتقار . اجلس على كرسي في غرفه ضيقه لا أرى فيها إلا قاتلي وجلادي .
هم يدعون أنهم هنا لمساعدتي . لكني اعلم يقينا أن مجموعه من المحققين ورجال الشرطة ودكتورة نفسية وباحثه اجتماعيه .ليس بيدهم شيء بعد ان صدور الحكم ضدي .
تذكرت مقوله لبروست ( أن تشرح تفاصيل رواية كأن تنسى السعر على هدية )
وها أنا مضطرة إلى شرح حياة . عشتها أمام الغرباء .

كيف كانت علاقتك بفجر ؟
صوت فاجئني وسؤال باغتني , نظرت إلى الدكتورة وقبل ان أجيب دخلت في حاله حداد. الحداد يكون على شخص أو على شيء و في حالتي كان الاثنان معا .
أجبت بصوت صاحبته الحشرجة والحزن ( أختي)
إيمان, أمل, نوره , سعاد , فجر , وأخيرا مناهي .
نحن ست شقيقات لم ترزق أمي بغيرنا . أما أبي فهو أبو ناصر .
كسر أبي حلقه أحاطت به سنوات وتخلص من اسم لازمه في حله وترحاله فالكل كان يناديه أبو البناااات
بميلادي طلق أمي التي هددها كثيرا وترجاها أكثر بان تنجب له ولد ولي العهد حامي عرض شقيقاته والذراع اليمنى لأبيه والفرع الممتد لجذور شجره العائلة .

كنت بالعاشرة عندما أصاب فجر مرض الحمى الذي خلف بعده وشما على جسدها يطلقون عليه شلل الأطفال.
أقعدها عن الحركة وعن اللعب معي ومشاركتي ضرب والدتي شبه اليومي لي . وكرهها المعلن لوجودي بهذا الكون . كنت اجري واختبأ خلفها خوفا من أمي. وكانت هي تقف بوجه أمي معلنه أنها من كسر الإناء او من أغلق الباب بقوه أزعجتها .

أحبب فجر بقدر يوازي كرهي للآخرين .
كانت فجر أسيره وحبيسة جسد ومع الأيام فقدت الرغبة في كل شيئ حتى الكلام .
صمتت لمده سنتين قبل ان تذبل وتموت وهي تحمل بداخلها روح طيبه

كانت شاهده على ما يحدث لي .

لم تستطع ان تتحمل حاجتها الدائمة للآخرين حتى في غسلها وإطعامها. وانشغال والدتي عنها بالبحث عن لقمة العيش وغياب والدي التي لم تره منذو سنوات .

في ليله صيفيه سمعت صوت قط بالخارج شعرت بالخوف . كانت فجر تنام معي في نفس الغرفة اقتربت منها وسحبت الغطاء الذي يلف جسدها واستلقيت بجانبها واقتربت منها
كنت ابحث عن الأمان و السكون . اخذت يدها وجعلتها وساده لي . كانت يدها باردة كالجليد

لم تتحرك لم تؤنبني , اقتربت أكثر ونمت , لاستيقظ بالصباح . أما فجر فلم تستيقظ أبدا بعد تلك الليلة
زاد كره كل من حولي لي بعد موت فجر واتهموني بقتلها وخنقها و..............
أطلقوا علي الكثير من الأسماء وحملوني مثلها من الألقاب .

أيها السادة


هل لي بكأس ماء ... ابتلع معه مرارة الماضي

...................ي ت ب ع

 

 

(3)

 

 

كيف تصنع السعادة ؟
كان هذا السؤال يتردد بداخلي مع انسكاب قطرات الماء إلى جوفي علها تسقي روحي, ياه إن لي روحاً جوفاء خاليه لا تستلذ بشيء .
حتى عندما كنت احضر حفلات زفاف أخواتي لم أكن سعيدة , بعكس كل واحده منهن , كٌن يشعرن أن الزواج من رجل غريب في سن لم يتجاوز الثامنة عشر , هو خلاص رحلت ألم وحمل وشم العار بأنها أنثى . لتكون أم تنجب الأولاد . بالطبع لم يكن أبي بحاجه إلى اخذ موافقة أمي او أختي في الرجل المتقدم لها او لأكن أكثر دقه الذي وقع اختيار ابي عليه فخطبه لابنته مبتدا بقوله

( البنات هم _ وخلفتهم ابتلاء)

وهو يحبنا ويدعي الخوف علينا والدليل انه لم ينفق علينا بعد طلاقه من والدتنا إلا ما ندر.
في القانون الكويتي يكفل حق المطلقات والأبناء في النفقة من الزوج إن قصر او تهرب من الإنفاق. ولكن خالي رفض طلب أمي بتقديم شكوا رسميه ضد أبي بالمحكمة ليقوم بواجباته بالنفقة .
وكان سبب رفضه ( ما عندنا حريم يشتكون بالمحاكم) حتى لو كانت تطالب بحقها وحق بناتها .فاضطرت أمي بعد ذلك إلى أن تعمل.

لا أزال أتذكر معلمه التربية الإسلامية عندما قرأت

قول الله تعالى (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به}

 

وانتهت كنت ابكي لامستني هذه الآية جدا شعرت بها تصف حال والدي ومن حولي .

سألتني ما بكـ .

كان الصمت جوابي فلا يوجد لدي جمل كافيه للإجابة ولم يكن عمري حينا يسمح بتوصيل الألم الذي اشعر به .

مناهي أنا أهنئك على إتقان الأدوار والبراعة بالتمثيل . من يراك الآن يكاد يقسم أن الملف الذي بين يدينا لا يخصك . وان هذا الهدوء والسكون صفه ملازمه لك . كم كان عدد محاولاتك الانتحار أمامي اثنتان ولكني اعلم أن هناك أكثر من هذا الرقم ؟.

ابتسمت وأنا أجيب على ذلك المحقق الحذق الذي يبدوا لي انه اكبر الموجدين سنا وأكثرهم خبره


( كلها باءت بالفشل يا سيدي, فلم تعد بعدها تهم الأرقام التي حملتها )

أردت ان اخبره إنني لم أحاول او أفكر ولو لثانيه بقتل نفسي وان كل ما يراه أمامه من صور ألتقطها إنسان بارد القلب لي يطلق على نفسه محقق جنائي عند دخولي للمستشفى لم تكن بسببي . وكل تلك الجروح والكدمات لم ارسمها على جسدي . كان لدي حياه تذوب المصائب بها . وكان لدي جسد تحمل أحزان الآخرين وكرههم لأنفسهم قبل أن يكون لي.

 

 

لا اذكر المرة الأولي التي سجل بجانب اسمي في مستشفى الصباح محاوله انتحار لأني كنت في التاسعة وكنت مرعوبة من فكره فقدان فجر فلم يمضي على وافتها يوم . لم أدرك ان والدتي أخبرت الطبيب الذي عاين راسي النازف . إنني تعمدت أن القي بنفسي من فوق سور المنزل . كنت أتألم والدم الغزير يسيل على وجهي افعلا ما تقوله أمي ام أنها هي من قام بضرب راسي بالحائط متهمه إياي بقتل فجر وان قدومي شؤم , لا اذكر وأحاول أن أتناسى.
لكني لن أنسى أبدا ما حييت وما دام هناك شريان ينبض بقلبي المرة الثانية والأخيرة التي أدخلت بها للمستشفى .

لسعني ضوء سلط على وجهي ومصور يريد ان يوثق نهاية حياتي فتوقفت عن التذكر

وأغمضت عيني محاوله إلا أتذكر الدونية التي أسرني الآخرون بها

نظرت إلى ساعتي .... ليتني امتلك مصباح علاء الدين لأمسح كل الأمس الحاضر في داخلي

......................... ي ت ب ع




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !