(4)
أرجوحتي
لم امتلك مصباح علاء الدين لكي امسح عليه متمتمه بأماني طفله صغيره كانت تشعر بالخوف والرعب من كل من حولها من الناس وخاصة اقرب الناس لها أمها . لكني كنت امتلك أرجوحه . نعم أرجوحه صغيره حبل يتدلى بين شجرتين بالقرب من منزلنا القديم . يبدو أن ذلك الشيخ الكبير الذي كان جار لنا هو من قام بتعليق الحبال وربطها . لم اسأله بل لم اكلمه يوما . كنت طفله تميل للهدوء والصمت اغلب الأوقات وخاصة بعد موت فجر.
كنت اجلس بالساعات على الأرجوحة ولا يفتقدني احد.
لم أكن اغني , لم اكن احلم بالغد, لم ابني بيتا في خيالي وأكون أنا سيدته . كنت اجلس بصمت غالبا ما كنت أراقب ما حولي وخاصة النمل . كنت اجد متعه في متابعة الدقة المتناهية والنظام الذي يتمتع به النمل .
اذكر أني أضع بيدي كسره خبز او حفنه شعير من المنزل واركض بها إلى بيت النمل القريب من أرجوحتي . كأني أقمت معهن صداقه وهدنه غير مكتوبة فكن لا يقمن بقرضي وكنت أقوم بإطعامهن .
مناهي ( صوت رخيم حنون نبع من الدكتوره المتخصصه بعلم النفس والاجرام )
نظرت لها وانا ااكل ما تبقى من أظافر أصابع يدي ( نعم )
كم كان عمرك عندما هربتي من المنزل؟
. هناك نوعان للأسئلة اسأله كبيره مخيفه واسأله فضوليه ساذجة. يبدو ان سؤال الدكتورة كان من النوع الأول فلقد هزني هذا السؤال بما حمل معه من آلام تذكر حاله التشرد التي مررت بها.
اجبت ( أسأليني كم عشت من هذا العمر) كان لدي منطق معقد بسيط لا يهم عدد السنوات التي نحمل المهم كم احسسنا اننا نعيش فهناك من يعيش الايام والسنين وهو لا يشعر انه عاشها .
كانت الدكتوره لا تزال تنظر لي أكملت ( كنت بالخامسة عشر من عمري . في احد ايام رجوعي من المدرسه التي لا تبعد كثيرا عن منزلي وجدت ابن الجيران يقف بين الاشجار . اقترب مني عندما رآني وسلم لم اعره انتباه ولم الق لكلماته المنمقة بال . تكرر تواجده في طريقي بشكل يومي واصبح يتعمد دائما ان يمسك يدي او يقترب مني , كنت في حيره من امري ماذا افعل , حاولت ان اخبر اخواتي ولكني اعلم انهن سوف يقمن بمعاتبتي اكثر من تفهمي , كان لدي مدرسه رائعة تحبني لاني من الطالبات المتميزات لديها بالمادة والدين والخلق لكني لم اجرأ خوفا على ان تقع هي بمشاكل جراء تدخلها في مشاكلي
وفي ذات مساء استجمعت كل ما تبقى لي من قوه .... كل ما بقي لدي من امل في حب امي لي..... كل ما عندي من مصاد يأس مكبوت بداخلي منذو سنين .
اقتربت من أمي التي كانت تجلس في الصالة ... يمه
لم ترد بالبداية وكأني بها تستخسر الرد علي
يمه
نظرت لي بقسوة شتبين
أخبرتها عن ابن الجيران الذي يتعرض لي وعن ........ولم اشعر إلا وصوت يدوي بأذني وألم حارق على خدي .. صفعتني .. وقالت وقالت الكثير
من ضمن ما قالت أني أنا التي أوحيت له او اغويته بملاحقتي والتحرش بي واني ........ واني..........
لم أتحمل وقتها كل ذلك لم اعرف ماذا افعل او ما أقول .
شعرت بأني جسد يرشق برصاص الكلمات , تحطمت كل حصون صبري وفقدت ادنى رغبه بأدعاء القوه والشجاعة
فتحت باب المنزل وخرجت وانا اسمعها تصرخ خلفي
( يعل الموت ياخذج ويفكني منج )
أين أنت أيها الموت .... تزور من لا يريدك وتترك من يبحث عنك ...
كنت أسير هائمة بالشوارع ليلا بلا هدف ولا وجهه .... حافيه القدمين .. عيناي متورمتان من البكاء.... شعري يتطاير بإهمال ... ارتدي ثوب شبه بالي يستر جسدي النحيل ...
كنت خائفة اردت الرجوع للبيت لكني كنت قد ابتعدت كثيرا وظللت الطريق
فأهدى لي تفكيري ان أسير في وسط الشارع كي أتجنب الظلام .. وقد يتكرم علي احدهم فيرشدني الى طريق منزلي.
سيطر علي الشعور بالجوع ...قدماي تؤلماني ... جسدي مرهق ... الظلام حل ... ولا اجد لي حل ...
لم اشعر بشيء بعدها ..........
اسمع أصوات بعيده .... بعيده جدا ..
اشعر بالبرد.....
انا عطشانه ... أريد ماء.....
قيل ( في انتظار الشمس , تعلم أن تنصج في الجليد )
فتحت عيني ...لأرى الضوء... هل مت...
كنت طفله صغيره هاربه خائفه لكني كنت لا اشعر بشيئ ....
الحمد لله على السلامة ....
نظرت للرجل الذي يقف بجانب السرير الذي كنت مستلقيه عليه ...
ما اسمك... ما عمرك... ما
أخبرتني الممرضة الكويتية بان سيارة استصدمت بي وفر سائقا وان من تبقى بقلوبهم خير قاموا بحملي الى المستشفى .
جاءت امي بعد أن اتصل بها المحقق بالمستشفى .
نظرت إلى يدي الموضوعة في جبيرة , وإلى رأسي المربوط بعصابة بيضاء , وقالت بكل ما أوتيت من حقد ( حتى الموت ما يبيج وهج منج )
سجلت بأسمى المحاولة الثانية للانتحار, بعد ان أخبرتهم امي اني تعمدت ان القي بجسدي أمام السيارة المسرعة .
دفنت كل ما بقى لي على السطح من رغبه وتشبث بالحياة
وقررت حينها ان .......
سأخبركم عن ما قررت غدا اما الآن فاسمحوا لي بالانصراف ... فانا امرأة منزوعة مني الحياة
ي ت ب ع……
(5)
اعدام مناهي
هل نمتي البارح جيدا ؟
اجل سيدي ...فبيني وبين الذكريات هدنه بان لا تزعجني اثناء الليل وان لا أنساها أثناء النهار
ضحك الحضور .... اما انا فبقيت صامته مكابرة مخفيه كل ما عايشته البارحة من انهار دموع وشلالات سرد الإحداث والذكريات .
هذا هو اليوم الثاني في التحقيق بقضيتي ... ولا زلت اشعر بالاختناق ...
فقدت الكثير من وزني في الفترة الأخيرة ومع هذا لا زلت احافظ على جمال وهبني إياه الله
وكان مصدر شقاء مثلما كان مصدر نعمه .
مناهي متى غيرتي اسمك؟
هذا المحقق الذي يسألني لا أحبة اشعر ان عينيه تجردني من ثيابي وهو ينظر لي . مع انه بعمر شارف على الخمسين .
شكرت الخادم الذي قدم لي القهوه السوداء كمزاجي هذا الصباح , فكل ما احتاجه الآن السواد ,
أجبت بسخرية عندما أردت ذلك , عندما قررت أن لا أصبح ما انا عليه بعد الآن .
عدت إلى الوراء سنوات تذكرت اليوم الذي أخرجتني به أمي من المستشفى وهي تجرني إلى المنزل جرا.
لتدخلني عالم النهاية بعد ان حرمتني من إكمال دراستي فمثلي بنظرها لا يستحق العلم .
عُينت لديها مرسال( أي اني احمل لزبائنها الملابس التي انتهت هي من خياطتها ثم أعود لها حامله الأجرة)
غالبا ما يكون التوصيل سيرا على الأقدام لان اغلب من تتعامل معهن والدتي من الجارات .
في احد الأيام وفي طريق عودتي للمنزل توقفت انظر بتمعن لصبيه يلعبون في الشارع.
خطرت ببالي فكره مجنونه خفت بنفسي منها عندما طرأت علي فجريت مسرعه هاربة منها إلى المنزل
لكني لم أستطع النوم تقلبت كثيرا بفراشي .... اشعر بالنعاس... لكني لا انام
تراودني هذه الفكرة المجنونة....أتقلب بفراشي... اشد شعري لعلي أخرجها مع خصلاته ...
ومع هذا لم تخرج بل استوطنتني وأصبحت أفكر فيها وبكيفية تنفيذها بل التفنن في إخراجها بصوره مبدعه...
سوف أقوم بقتل مناهي ... لوحدي... لا احتاج لمساعده احد للقيام بذلك .
لأي مدى يستطيع الإنسان إيذاء نفسه .. وهل هناك من يستمتع بذلك الإيذاء
ويصل للقتل والتعذيب... هل تحب ان تكون قاتل ام مقتول..
كلاهما كنت انا فانا القاتل وانا القتيل...ان لم اقم انا بذلك سأنجرف لحافه الجنون
واقتل غيري
قبلت بقراري على مضض التضحية فيني لأجلي.
وقفت أمام المرآه نظرت لها ... مسكينة هذه المناهي الضحية وكبش الفداء ... المجني عليها .. المأسوف على شبابها .. المرحومة .
كانت يدي ترتجف .... وأنا اسحب المقص الموضوع بجانب ماكينة الخياطة ...
تعثرت بخطواتي وأنا أحاول ان امشي على أطراف أصابعي ...سطع ضوء منعكس من طرف المقص الحاد الذي احمله ...لمع...فرأيت الموت الذي خلفه .. وفيه جزء من الثانية رأيت انعكاس وجهي على هذا القاتل الذي يحمله القتيل ... لا اعلم لم تهيء لي اني فجر تراقبني .. وانها خلفي .. بسم الله .. وبدأت بعمليه القتل لمناهي
احيانا نذكر اسم الله من باب العادة لكني هنا كنت اردده واذكره لان لا ملجأ لي إلا هو ...وفعلتها ... وتساقطت دموعي بغزاره مع تساقط خصلات شعري...
سقطت على الأرض ابكي ... وابكي... وابكي...
جمعت خصلات شعري التي كانت بالأرض ... مسحت على رأسي الذي لا يوجد به إلا القليل من الشعيرات الصغيرة المتفرقة.. .. شعرت بألم في راحة يدي فرأيت الدم يسيل منها لابد أني جرحتها وانا لم اشعر ... خرجت ألى خارج المنزل في جنح الظلام وحفرت بكلتا يدي حفره صغيره بجانب أرجوحتي القديمة ودفنت شعري ... وسنوات عمري.. ومناهي... سقيت ذرات التراب بدموعي .. وقطرات دمي .... وأنا اتمتم هكذا أفضل
جلست في فناء المنزل .. فجاء صوت الديك ليوقظني من آلامي التي عشتها .. ويوقظهم ليقوموا بواجب العزاء لي فيني .
أم تراه رأى ملاكا في السماء فأراد ان يذكرني بأن اذكر الله لعل الله يرحمني ...
اشرقت الشمس عليهم بعد ان غابت على مناهي
نظرت لي أمي وقالت ( ما شاء الله شعندج) بصوت متهدج قلت لها لا شيء
لم تسألني مره اخرى عن شيء بعدها ابدا
خرجت كعادتي لأوصل طلبات الزبائن ...فصرخت بي إحداهن يا كافره ... نظرت لها بصمت كنت اعلم ما الذي قصدته ... نظرت لي من الخارج وإلى شعري ولم تبالي ان تسألني ما الذي حل بشعرك ..
أطلقت حكمها كحال الغالبية من البشر على ظاهري ... هي تراني منذو شهور ... وفي يوم واحد فقط ومن مشهد واحد فقط ..كفرتني.. رأت نفسها أفضل مني .. لان لديها شعر يدل أنها انثى ...
مع الأيام أصبحت أدرك أكثر ما الذي أقدمت عليه وأصبحت ارصد الآراء من حولي بكل ما في الدنيا من عدم اكتراث ولا مبالاة .. بل أصبحت أتفنن في تقمص الدور الذكوري في اللباس.... بل يبدو لي ان اسم غادي الذي أطلقة الجيران مناسب لي جدا
فغادي يعني الضائع والتائه وكل ذلك كنت انا واجتمعت فيني..
ابتسمت فجاه وانا أتذكر المواقف التي حدثت لي بعد ذلك ...
مسحت بيدي على شعري...
هل اكتفيتم بما سبق كإجابة ام أنكم تريدون إخراج الذكريات التي دفنت مع خصلات الشعر في تلك السنوات وتشريحها على طاوله باردة قديمه باليه أمام الملأ
ي....ت....ب.....ع
التعليقات (0)