علي جبار عطية
الأربعاء 13-11-2013
طباعة المقال Print
التقيت مصادفة قصابا سابقا وهو تعبير يندر استخدامه مع مثل هذه المهن التي تعود المرء على رؤية مناظر لاتسر وبشكل يومي وفي الغالب يستعمل هذا الوصف مع المناصب السياسية كقولهم الرئيس السابق او الأسبق ونحو ذلك أما مهنة تعتمد على الذبح والقطع والسلخ والنفخ فمن النادر ان يعلن شخص يمتهنها تقاعده او اعتزاله الذبح اليومي !
يقول هذا القصاب السابق : لقد مللت من مهنتي وبالتحديد من قطع رؤوس الخراف وتقطيع لحمها ومن منظر الدماء والساطور فأعلنت توقفي عن ممارسة هذا العمل الدموي ولكني وطوال ستة أشهر من التوقف الاختياري وقعت فريسة الإحساس باللاجدوى والفراغ القاتل فلم احتمل وضعي الجديد بلا عمل برغم تمكني المادي وكان نهاري طويلا وليلي أطول كليل العاشقين! وفي لحظة وعي قررت الخروج لعمل أي شيء فمشيت في شوارع الكرادة ببغداد طولا وعرضا اعرض خدماتي التطوعية حتى قادتني قدماي إلى مطعم رضي صاحبه ان اعمل مع الطباخ وعماله من دون مقابل ومع أول يوم عمل أحسست بدبيب الحياة في أوصالي وغمرتني السعادة برغم ان يومي طويل يبدأ من السادسة صباحا وينتهي في السابعة مساءً .
وبعد ثلاثة أسابيع من هذا العمل المجاني قرر صاحب المطعم بتوصية من المحاسب ان يخصص لي أجرا يوميا قدره خمسة وعشرون ألف دينار شكرت الله عليها لأني أعدها ( زايد خير)!
قلت له : ان اجر العامل يكمن في ذات العمل نفسه أولا وان كان العامل الاقتصادي اكبر دافع يحرك الإنسان إلى العمل إلا ان عمل الإنسان يمثل كينونته وسرا من أسرار ديمومته ووجوده وهو بهذا العمل يمارس أهم وظائفه الإنسانية وهي وظيفة الاتصال مع الآخرين والتفاعل معهم والاندماج في المحيط الاجتماعي واثبات الذات وهذه وغيرها من ثمرات الحركة الهادفة من هنا استغرب وأدهش حقا عندما ألاقي نمطا من الموظفين يعد الاحتيال في الدوام شطارة وان عدم مجيئه إلى الدائرة مكسب غير ملتفت الى انه في مثل هذه الحركات يخسر نسبة مئوية من كينونته! ومن ثم قد يجد يوما آدميته في نقصان وربما يتحول بعد مدة من المراوغة الوظيفية الى كائن آخر!
التعليقات (0)