حين ترفع الستارة، نرى قاعة صغيرة
في اليسار كرسي فخم تربع عليه بشري فيه إمارات القوة والسلطة
انتصب خلفه صليب خشبي كبير، علقت عليه مجسمات لرموز دينية مختلفة
أمامه زق خمر، وقصعة تمر
المتربع شعره أصفر طويل ولحيته سوداء, مكتحل, متقلد, متسنر, متختم
سرواله من الجينز وقميصه حريري أحمر يلتحف في عباءه بيضاء، قدمه في بسطار، والأخرى في خف، على رأسه قبعة نورمندية
يلتقط تمرة يمضغها بتلكؤ ولا يلفظ النواة
يمج الخمر,يتمضمض, ثم يمسح شفتيه بكم قميصه..يصفق مرتين
يدخل من باب في يمين المسرح رجل أربعيني، بدين، أصلع، فاخر الثياب
يقف أمام المتربع ويحييه في تذلل
عمتم صباحا يا سيدي
المتربع بتكبر إلام تصبو من هذه الوظيفة
الثري بإثارة: السلطة، الجاه، المقام العالي والعظمة، المجد والخلود وأن يكتب اسمي في كتب التاريخ
المتربع بترقب ما اسمك
الثري باستحياء قرني يا سيدي. أنا قرني
المتربع باستنكار هل ترضى أن يدون اسم كهذا في كتب التاريخ
الثري بثقة عندها يا سيدي سيكتب التاريخ كما أريد
المتربع بتأنيب تطمح إذن لتغيير اسمك
الثري باستطراد ولأن أبدل جلدي أيضا
المتربع بسخرية ليصبح اسمك الجديد ثعبان
الثري بتزلف لا بأس يا سيدي، نمط الثاء قليلا، ويصبح شعبان
المتربع بتهكم ماذا يمكن أن تمط أيضا؟
الثري باستخفاف كل شيء يمكن مطه يا سيدي، كل شيء
القوانين و الأحكام.و التقاليد و الأعراف,المبادئ والثوابت و الشعارات
حتى الأنساب و الروابط و الإنتماءات
المتربع بأسى ما أنت فاعل بالقيم؟
الثري بلؤم: الجماهير يا سيدي ذاكرتهم ضعيفة وأنا أعينهم على النسيان، بإقامة حفلات الرقص والطرب، وأذكرهم دائما بإنهم عرب
وأوزع عليهم الأقنعة بالمجان، وأوصل حبالهم بحبال الشيطان
المتربع بمناورة: كيف وجدت نفسك صالحا لهذه الوظيفة؟
الثري بفخر: أنا رجل ثري، بخيل أناني، وصولي انتهازي، مناور كذاب لا عهد لي
وعندي من هذا ما يكفي لأحكم العالم
المتربع بدهشة: أهذا ما يجب أن يتمتع به رئيس الدولة؟
الثري بتبلد: هي وجهة نظر يا سيدي
............................
يصفق المتربع مرتين
تدخل امرأة فاتنة جدا، ترتدي ثيابا فاضحة جدا
غازلها الثري، قدم لها بطاقته وخرج
الفاتنة بدلال: بونجور مسيو
المتربع بصلف: إلام تصبي من هذه الوظيفة.
الفاتنة بتمني: القوة والسيادة ثم الأمر والسيطرة
المتربع بمؤانسه: ما يفيدك هذا وحالك هكذاّ؟
الفاتنة بمرار: لأنصف بنات جنسي وأرد لهن حقوقهن
المتربع باستغراب: من يسلبكن حقوقكن؟
الفاتنة بتشكي: ومن غيرهم يا سيدي، إنهم الرجال، الرجال يا سيدي
هم على الدوام سبب ألامنا وأسانا، يثيرون المتاعب والمشاكل في كل وقت
إنهم فوقنا في كل شيء، في كل شيء هل تفهمني يا سيدي
المتربع باستهجان: تريدين قلب الأوضاع
الفاتنة بتذمر: الرجال أصبحوا بدينين وصاروا سمجين أيضا
تعبنا من تحمل اوزانهم واوزارهم
المتربع باستخفاف: لكن مظهرك لا يشي بذلك
الفاتنة بألم: لا يخدعنك ما تراه يا سيدي، هل أكشف لك عن اليسير الذي أخفيه؟
المتربع بتأنيب: أنتن من يلدن أعدائهن، توقفن عن الانجاب وتنتهي المشكلة
الفاتنة بحيرة: كيف ذلك يا سيدي، ومن أين نأتي بالنساء؟
المتربع بعبث: ألم تسمعي عن علم الاستنساخ؟
الفاتنة باستنكار: هذا ظلم كبير يا سيدي. بهذا ستنتهي القضية
المتربع بأريحية: أيجب أن تكون هناك قضية؟
الفاتنة بتأكيد: بالطبع يا سيدي، لابد من قضية، لابد من تحد وسجال، وعراك وقتال
أتدري يا سيدي لم الرجال يستحقون الشنق؟
المتربع بمسكنة لم؟
الفاتنة بحقد: لأنهم بعد أن نرضعهم ونعتني بهم وهم أطفال، ينقلبون علينا ما أن تنبت لحاهم ويصبحوا رجال
ناكرين كل أفضالنا عليهم، أملين عبثا أن نتوسل إليهم
المتربع بتهرب: كيف وجدت نفسك صالحة لهذه الوظيفة؟
الفاتنة بغنج: أنوثتي ونعومتي، جمالي وفتنتي، تضاريسي المنسقة وأخماصي المعطرة
أعطافي الغضة وأعضائي البضة
المتربع بعطف: هذا لا يكفي
الفاتنة بثقة: بل يكفي يا سيدي. يكفي
ما دام في داخل كل رجل حيوان مجنون أخرق جاهل غبي مغرور
في هذا الجسد الصغير الذي أمامك يا سيدي، جيشا جرارا عرمرما لا يقهر
المتربع بفضول: ما اسمك؟
الفاتنة بأمل: شهرزاد يا سيدي، واسم الدلع مارلين
المتربع بتقصي: ما علاقة شهرزاد بمارلين؟
الفاتنة بوقار: كل العلاقة يا سيدي، كلتاهما شغلت الملايين
الأولى كانت أسطورة وخيال، والثانية هي حقيقة وواقع
المتربع بتكلف: أين أنت منهما؟
الفاتنة باعتزاز: أنا كلتاهما يا سيدي، أنا الحقيقة والواقع، وأنا الأسطورة والخيال
أنا في خيال الرجال مرة، وبين أيديهم مرة
أنا من يتقاتل على الظفر بها الرجال، وما أن ينالها المنتصر حتى يسارع إلى التخلص منها
المتربع بتقريع: هذه فلسفة حانات
الفاتنة بانكسار: هي أصدق من أي فلسفة تفلسف بها فيلسوف
في الحانة يا سيدي يختزل العالم
وتجتمع كل وجوه الإنسانية، من أسياد وعبيد، رؤساء ومرؤوسين، قضاة ومجرمين، وفقراء وأغنياء
وظلام ومظلومون وعقلاء ومجانين
فإن كنت استطعت أن أدير حانتي بما فيها من تناقضات
أفلا أستطيع أن أحكم عالما نصفه من النساء ونصفه الأخر من رواد الحانات
صفق المتربع
................................................
دخل رجل عظيم الجثة وعظيم اللحية، على رأسه عمامة كبيرة خضراء، كذلك عباءته وجبته وحذائه
أخذ ينظر إلى المرأة، نظرة ذئب إلى حمل ويحسبل ويحوقل ويستغفر
طاردها بعينيه إلى أن خرجت، وقف أمام المتربع وقال باندفاع السلام عليكم ورحمة الله والبركات
المتربع بتروي: إلام تصبو من هذه الوظيفة
المعمم بحماس: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين
وعلى أله وأصحابه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين
أما بعد يا سيدي أطمع في دار الإسلام وحكم الخاصة والعوام
على منهج الإسلام وسنة سيد الأنام
المتربع بعبث: أعجبني لباسك
المعمم بخيلاء: هذا لباس أهل الجنة، سندس وإستبرق
المتربع ببرود: تحسب أنك في الجنة
المعمم برجاء: أنا هنا لأجعل الدنيا كتلك، إن شاء الله
المتربع بتعجب: هل يمكن ذلك؟؟
المعمم بحماس: نعم. بإعلان الحرب على الشيطان وقتل اتباعه وتفجير مكامنه ونسف أركانه
نكران كل ما تقوله منظمات حقوق الإنسان الكافرة
ووطء عقود ومواثيق الأمم المتحدة الفاجرة
قطع ألسنة المتفذلكين المتفيهقين، دعاة الحرية والديمقراطية
وحز رقاب العلمانيين المارقين، المرتدين الفسقة
ويكون لنا الدين والعلم، والسياسة والفن والرياضة
والتجارة والصناعة والزراعة
المتربع بتوجس: وضح لي أكثر؟
المعمم باندماج: سأعيد الزمن إلى الوراء ألف من السنين، إلى ما كان عليه اسلافنا الصالحين
إلى أيام السبايا والجواري وملكات اليمين
وإرضاع الكبير وشرب بول البعير، وسنن الغسل والطهارة والإستنجاء بالحجارة
سأقيم الحدود، من صلب وجلد ورجم وقطع أطراف
وجهاد الدفع وجهاد الطلب ونستعيد الأندلس وما بعد الأندلس
المتربع بارتباك: أية أندلس؟
المعمم باشتهاء: بلاد الفرنجة والنساء الملاح، نصيب منها الجواري الحسان، والذهب الرنان
وأنال من الجواري ما أطيق واتقلب على أسرة الحرير المطهمة بالعقيق
إدامي اللحم وغموسي العسل وفاكهتي الكُفِيتْ
المتربع بإزدراء: هي نفسك إذن؟
المعمم بقناعة: المنهج والعقيدة يا سيدي هي الفرد أولا ثم الجماعة، وأنا سأكون القائد والقدوة
المتربع بتململ: كيف وجدت نفسك صالحا لهذه الوظيفة؟
المعمم بتحدي: عمامتي الكبيرة ولحيتي الطويلة
العهدة البكرية والوثيقة العمرية والتركة العثمانية والوصية الحيدرية
ألاف الأنصار من حولي، ومفاتيح الجنة التي في جيبي
وفوق كل هذا عندي منبر ومكبر صوت
المتربع بصبر: واضح أنك كثير الكلام
المعمم بيقين: هذا عملي، صنعتي وحرفتي، نحن أهل السبق في الكلام
القوادون في العناوين والمصطلحات، المبدعون في التفاصيل والشروحات
نحن عشاق التورية والتقية والمعاريض
وأصحاب تقييد المطلق وأطلاق المقيد. وأفخر ما لدينا هو الناسخ والمنسوخ
أن منهجنا يا سيدي قائم على الخلاف، وهو في عرفنا رحمة والباب مشرع لكل رأي أو قول
ومن أخطأ فله أجر ومن أصاب أجران
المتربع بفضول: رحمة لكم أم لأتباعكم؟
المعمم بفوقية: لا تسألوا عن أشياء إن تبدى لكم تسؤكم
المتربع بذهول: أهذا معقول؟
المعمم بحزم: النقل قبل العقل يا سيدي. النقل قبل العقل
المتربع بيأس: هل هذه وجهة نظر؟
المعمم بعناد: لا، بل هي الشريعة والقانون
صفق المتربع
.............................................
دخل رجل مدجج بالأسلحة، الندوب والوشوم تملأ وجهه وذراعيه نظر إليه المعمم بإعجاب، همس في اذنه واعطاه بطاقته
المسلح بجفاء: مرحبا يا عيون
المتربع بليونة: إلام تصبو من هذه الوظيفة؟
المسلح بحقد: الأحتراب. الصراع والتحدي والنزال
القتل، كثيراً من القتل ومزيداً من الدماء
المتربع بذعر: علام كل هذا؟
المسلح بامتعاض: أنا أحب سماع صليل السيوف، وأزيز الرصاص ودوي المدافع
وعويل الصواريخ، جوقة رائعة تريح أعصابي
ما أعذب أهات الألم وأنين الموت، ما أجمل الهلع في الوجوه الدامية، والأسى في العيون الدامعة
المتربع بتحذير: هل تظن أني سأقبلك في هذه الوظيفة؟
المسلح بإستخفاف: أنت ترى أن عملي مؤذ وبلا فائدة، شغل عقلك قليلا وتجدني أعمل عمل الطبيعة المعطل
أحد من ازدياد عدد البشر، والتوازن بين أصناف البشر
المتربع بإستهزاء: منطق معقول لإباحة القتل
المسلح بتودد: ليس الكل يا سيدي، من يستحقون الموت فقط
المتربع بإستقراء: من هم الذين يستحقون الموت؟
المسلح بعصبية: الجبناء، المتخاذلون والضعفاء، من لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم
المتربع بمكر: هل ترى أنك شجاع؟
المسلح لا يرد
المتربع بإصرار: ألا تعرف شيئا عن شجاعتك؟
المسلح بثقة: أنا لا أقتل النساء والأطفال
أفعل في العلن ما يفعله الآخرون في الخفاء
اسمي الأشياء بأسمائها، وأمقت الكذب والتورية والخداع
يثير اشمئزازي الاختباء وراء عناوين بريئة كأمن الوطن والدفاع عن الشعب وحفظ النظام
عبارات تواري خلفها مذابح ومجازر
المتربع بإهمال: ما اسمك؟
المسلح بتوجس: عصفور يا سيدي
المتربع يبتسم
المسلح بحرقة: توقعت أكثر من هذا، الجميع يضحكون حين أقول اسمي
فأسكتهم بضربة سكين، لأجل هذا يا هذا أريد الوظيفة
لأصرخ باسمي دون خجل، وأجعله عنوان القوة والسيادة، ورمز البطولة والشجاعة
المتربع بدهشة: هل تخاف؟
المسلح بانكسار: وراء منظري المرعب يختبئ كل رعب العالم أنا أجبن من نشال حقير أو ثري بخيل
أموت كل يوم ألف مرة، وأقتل بعدد ما أُقتل
أنت لا تدرك يا سيدي، بأني حين أرمي أسلحتي لأنام
انكمش في فراشي وارتعد كفأر وقع في مصيدة، وانقلب من نسر جارح إلى عصفور
لعن الله أبي وأمي وكل البشر
المتربع بعطف: كيف وجدت نفسك صالحا لهذه الوظيفة؟
المسلح يصحو من خيبته: أنا الأفضل بلا جدال
امتلك كل وسائل الإخضاع والإجبار والإلزام والإكراه
هذه الوظيفة على مقاسي تماما
وظيفة لا إقناع فيها ولا رأي ولا حرية، وطريقها نهر من الدماء
أنا الأحق بلا منازع، لأني الأشرس والأعنف والأبطش والأرعن
أنا الأولى بلا مقارع لأني ميت القلب والضمير، لا رحمة، أعيش وأعتاش على الدماء
صفق المتربع
...................................
يدخل رجل عليه أسمال، ينظر إليه المسلح بقرف، ويسأله. ألم أقتلك من قبل؟
يجيبه الرجل. نعم مرات كثيرة
يضربه ويخرج. تسقط الأوراق من يده، ينحني ويلتقطها
يقف أمام المتربع ويقول بأسف المعذرة يا سيدي، الحارس الذي كان هنا دفعني عن غير قصد
المتربع بفضول: ما هذه الأوراق التي معك؟
المهلهل بتفاؤل: أوراقي الثبوتية يا سيدي، البطاقة الشخصية والشهادة العلمية وبيان خدمتي العسكرية
محضر تعريف من قسم الشرطة، وشهادة من المختار مع أربعة شهود بأني على قيد الحياة
وورقة مالية من فئة العشر دولارات، وورقة غير محكوم
المتربع بمداعبة: الورقة الأخيرة غير مطلوبة لهذه الوظيفة
المهلهل بتعجب: غير مطلوبة!؟ كنت احسبها أهم ورقة
المتربع بتحفظ: أؤكد لك أنها غير ضرورية
المهلهل بحذر: ما هذه الوظيفة يا سيدي؟ أخشى أن تكون...
المتربع باستغراب: أنت هنا ولا تعرف ما هي الوظيفة
المهلهل بإهمال: هي وظيفة والسلام
المتربع بإمهال: هل قرأت الإعلان جيدا؟
المهلهل بأسف: ليس تماما يا سيدي، قرأت كلمة وظيفة، ورأيت طابوراً فأسرعت للوقوف فيه
المتربع بأمل: من أنت؟
المهلهل ماداً يده: كل ما تريد معرفته في هذه الأوراق يا سيدي
المتربع بليونة: أنا أسألك أنت
المهلهل باستغراب: هل ستكذب الأوراق وتصدقني
المتربع بتأمين: تكلم وسأصدقك
المهلهل بحذر: كما هو في الأوراق يا سيدي، أنا اسمي صالح مظلوم، وعمري خمسة و.
المتربع يقاطعه بنرفزة: أنا لا أسألك عن هذا
المهلهل بجرأة: أنا مواطن يا سيدي. مواطن يبحث عن وظيفة، لأجد الزيت والخبز والحليب لزوجتي وأطفالي
فإن اعطيتهم لي، خذ الوظيفة
وإن منعتها عني تكفل زوجتي وأطفالي
المتربع باحتجاج: تكفلنا زوجتك وأطفالك، ماذا عنك أنت؟
المهلهل بمرح: أنا ضيف مرحب به دائما في سجون الحكومة
المتربع بسذاجة: لماذا تخالف القانون؟
المهلهل بسخرية: القانون!؟ القانون يا سيدي نسج وحبك ليجبرني وأمثالي على الخروج عليه
المتربع بتأنيب: الالتزام بالقانون قيمة عليا
المهلهل بقهر: إذا كنت يا سيدي تتمسك بحريتك وكرامتك، لن ينفعك هذا القانون في شيء
المتربع بتقصي: أنت شخص غير عادي
المهلهل بتوقع: ضمنت عشاء الليلة
المتربع بتودد: ماذا تقصد؟
المهلهل بلا مبالاة: الأمر دائما هكذا، يبدأ بأنت شخص غير عادي وينتهي إلى السجن أيها الخائن العميل
المتربع يحفن من التمر ويقدمه للمهلهل، يأخذه ويضعه في جيبه
المتربع بإثارة: ألا تريد أن تعرف ما هي الوظيفة؟
المهلهل بخيبة: أستطيع أن أخمنها يا سيدي، وظيفة لا تحتاج لورقة غير محكوم
هي إما جلاد، أو جاسوس المقاهي والحانات، أو ربما هي ناشر اشاعات
المتربع ضاحكاً: لا هذه ولا تلك، لكن هل يمكن أن تقبل هذه الوظائف؟
المهلهل بإباء: لا يا سيدي، حتى إن قبلتها فهي لن تقبلني
المتربع بوقار: أظنك لن تعرف ما هي الوظيفة الشاغرة
المهلهل بثقة: ما يهمني هو أن أكون مناسبا لها
المتربع بأمر: أنت مناسب لها تماما
المهلهل بتمرد: أعذرني يا سيدي، أنا فقط من يقرر ذلك
المتربع بنزق: ما رأيك بوظيفة رئيس الدولة؟
المهلهل غير مدرك بعد: ماذا تقصد بالدولة يا سيدي؟
المتربع بسلاسة: الأرض، الشعب، النظام، الحكومة والجيش والمؤسسات
المهلهل بارتباك: أنت تهزأ بي يا سيدي
المتربع بحزم: لا وقت لدي للمزاح
المهلهل بتوجس: أكثرت الشرب من هذا الزق
المتربع بصرامة: لست هنا لأعبث معك
المهلهل بتوسل: اغفر لي يا سيدي وقاحتي وتطاولي على الدخول هنا
أقسم بالله العظيم على أني لم أعلم شيئا عن هذه الوظيفة
ثم هذا أمر لا يصدق، أليس كذلك يا سيدي
أرجوك يا سيدي قل لي بأنك تسخر مني
المتربع بتهديد: دخول الحمام ليس مثل خروجه
المهلهل باستكانة: سأخرج من هنا على نقالة؟
المتربع بطمأنة: تفاءل بالخير يا رجل. ما قصدت هذا
المهلهل برجاء: عجل بي إلى السجن يا سيدي، وسأكون راضيا، ممتنا
المتربع بتصميم: بل سأعينك رئيس الدولة
المهلهل بتملص: أنا لست مناسبا لهذه الوظيفة
المتربع بحزم: أنا صاحب الأمر هنا، وأراك مناسبا
المهلهل بمناورة: أنا يا سيدي رجل مستقيم، أحب الفضيلة، فلماذا تريد أن تجعلني منحرف السلوك، وترديني في الرذيلة؟
المتربع بتأمين: منطق سليم. لكنه غريب
المهلهل بتصميم: في هذه الأيام يا سيدي كل منطق سليم هو غريب
المتربع بتورية: لا تكن متشائماً
المهلهل بشفافية: بل أنا واقعي
المتربع بقبول: أنا أمنحك الآن فرصة واقعية، لتفعل ما تريد، وتحقق ما تصبوا إليه
المهلهل بأسى: سيفك مثلوم يا سيدي، وسيوفهم ماضية
المتربع بحيرة: كيف يراك الآخرون؟
المهلهل بتجرد: يقولون إني لا أصلح لوظيفة رئيس الدولة
المتربع بدهاء: هذا مدح أم ذم؟
المهلهل بتهرب: أنا أجيد لعبة السياسة، ولهذا يمقتني الساسة
وأعرف كيف يفكر رجل الأمن، لذلك يرسلني دائما إلى السجن
المتربع بإغراء: لو تعرف كيف يعيش الرئيس
المهلهل بتعفف: أنا أعرف كيف يموت
المتربع باستفزاز: هذا عين الزهد
المهلهل بثقة: بل هو حب الحياة
أعيش عمرا مديدا، أجوع فيه يوما وأشبع يوم
خير من عمر قصير أتخم فيه كل يوم
المتربع بخيبة: خلتك بداية بأنك شجاع
المهلهل بعفوية: الشجاعة هي أن تحصد ما تزرع.
التاريخ يا سيدي يكتبه المنتصر كما يراه
كم من رجال شجعان قضوا في سبيل قضاياهم، ثم قال عنهم التاريخ أنهم جبناء، خونه
ولم يستطيعوا حتى أن يكتبوا على شواهد قبورهم ما أرادوا
المتربع بزهو: أنت فعلا شخص غير عادي
المهلهل بقلق: ضمنت عشاء ليلة أخرى
المتربع بضيق: لماذا أنت مصر على الذهاب إلى السجن
المهلهل بثقة: هذا ثمن الشجاعة في دولة تريدني رئيسا لها
المتربع بقنوط: إن أصبحت رئيساً، هل ستقتل الشجعان؟
المهلهل بتقرير: إن لم أقتلهم سيقتلونني
المتربع بتحريض: كيف يقتلوك وأنت أشجعهم؟
المهلهل بثبات: لا تجتمع الشجاعة ورئيس الدولة
المتربع بالتفافة: هل يصبح الشجاع جبانا؟
المهلهل بارتياح: لا. بل يمكن للرئيس أن يصبح شجاعاً
المتربع بيأس: حين يرفض هذه الوظيفة؟
المهلهل بفرح: في هذا يا سيدي قمة الشجاعة
صفق المتربع
.....................................
يدخل بهلوان يتنطط، رآه المهلهل فابتسم له أعطاه الأوراق: قدم له هذه الأوراق، لن يكتشف التزوير
واتمنى من كل قلبي أن تنال هذه الوظيفة
وقف البهلوان يتمايل أمام المتربع صباح المرح والسرور يا سيد
المتربع بإستخفاف: إلام تصبو من هذه الوظيفة؟
البهلوان بغبطة: الضحك يا سيد. الضحك ثم الضحك ولا شيء سوى الضحك
مللت من الإضحاك وأريد أخيراً أن أضحك
المتربع بصرامة: تضحك على من؟
البهلوان بتفلت: أضحك على نفسي وعلى الآخرين، ما أمتع أن تضحك على الجميع
حتى أنت يا سيد ألا ترى أن شكلك مضحك
المتربع بزجر: أتظن أنك في تنططك هذا تستطيع القفز والصعود مرة واحدة من بهلوان إلى رئيس دوله
البهلوان يتوقف عن التمايل: بل أنزل يا سيد. أنزل
المتربع باستنكار: تنزل!
البهلوان بلهو: طبعا يا سيد، أنزل
إنك تعتقد مثل الجميع أن عملي لا قيمة له
لكنه في حقيقته من أصعب الأشياء التي فعلها الإنسان وأرقاها
أنا أضحك الأطفال وأعلمهم
أضحك الأطفال يا سيد. أين تضع هذا في قائمة الأعمال الإنسانية
أما الرئيس فلا يكترث للأطفال ويخطف آباءهم ويضعهم في السجن
يجندهم ليصفقوا له بأكفهم البضة حتى تكلم
ويهتفوا له بحناجرهم .. بمليء حناجرهم حتى تثلم
ليعودوا إلى بيوتهم وهم يبكون
المتربع بتجرد: الرئيس عليه مهام جسام
البهلوان برفض: إشاعات يا سيد ..إشاعات
ما أسهل إصدار القرارات والتعليمات والتوجيهات، ما دام لن يتجرأ ويعترض عليها أحد
ما أمتع الخطابة والكلام وهي حتماً مجيدة وإن كانت سفيهة
ما أجمل الكذب والوعود والتسويف حين يرغم الجميع على المصادقة
في السيرك يا سيد ألاعب مخلوقات أخاف أن تفترسني في أي وقت
أما الرئيس فيلاعب مخلوقات، يمسك نفسه عن افتراسها في كل وقت
المتربع بتأني: ما اسمك؟
البهلوان بعفوية: نادني يا سيد بأي اسم تشاء، لا أذكر أن لي اسما معينا
الأسماء قد تظلم أصحابها وقد يظلم الأصحاب اسماءهم
ومن العدل أن يبقى الناس بلا اسماء
المتربع بتعجب: وكيف تستقيم الأمور؟
البهلوان بحماس: ينادي كل واحد الآخر كما يراه
المتربع بسبر: كيف ستنادي الشعب؟
البهلوان بأريحية: لن أناديه. يا شعبي، بل أيها الشعب، ولا يا عبيدي، بل أيها العبيد
المتربع بحذر: كيف وجدت نفسك صالحا لهذه الوظيفة؟
البهلوان بفخر: أنا ماهر في السير على الحبل، مغمض العينين
أحب أن يصفق لي، وكلما زللت أو وقعت يصفق لي أكثر
أنا فنان في وضع الأقنعة، وارتداء الملابس التنكرية
الجميع يدفعون المال لرؤيتي
وكلما ضحكوا أكثر أعرف بأني أديت عملي بشكل أفضل وبنجاح أكبر
أنا أسلي الجماهير، وأضيع وقتهم وأسرق نقودهم في استعراضات أكررها كل يوم
المتربع بمكر: أنت تلمح لشيء؟
البهلوان بتقرير: أجل يا سيد، عملي والرئيس يجتمعان في الأسلوب ويفترقان في الهدف
المتربع بحزم: ما هذه الأوراق التي معك؟
البهلوان بتردد اااوراقي الثبوتية يا سيد
المتربع بإلحاح: اعطاها لك من كان قبلك
البهلوان بخجل: الكذب خيبة يا سيد، نعم هو من اعطاها لي
وقال اتمنى من كل قلبي أن تنال هذه الوظيفة
المتربع باهتمام: هل قال ذلك حقا؟
البهلوان بتأمين: بالتأكيد يا سيد قالها لي وهو يعطيني الأوراق
المتربع بقناعة: بناء على هذا أنت المتقدم الوحيد الذي حاز على أعلى نسبة من الأصوات والتأييد
عيّناك في هذه الوظيفة وسميناك. رئيس الدولة
تنزل الستارة........
التعليقات (0)