مواضيع اليوم

وطن أفرح فيه؟!

محمد غنيم

2009-07-23 13:27:00

0

أنا مواطن عربي .. هكذا اعتدت الرد على السؤال المتكرر دوماً، من أين أنت؟، فعندما تكتظ المدينة بجنسيات عربية متعددة نتيجة أوضاع سياسية ووطنية لفظتهم إلى خارج أوطانهم، لا بد من هذا السؤال والذي أعتبره سؤالاً استفزازياً نوعاً ما.

عندما يسألني أحدهم من أين أنت؟ أجيب من "غزة"، أحياناً أصمت قليلاً لأجيب، فأنا ولدت في العاصمة الأردنية عمان، أهلي أخرجوا من ديارهم في نكبة 1948 حيث كانوا يقيمون في بلدتهم الأصل قضاء مدينة الرملة في قرية تدعى "المغار"، هاجروا كغيرهم هجرة داخلية ولجأوا إلى غزة.

ومن غزة منهم من بقي ومنهم من ذهب في الشتات، لي عم في سوريا وخال في قطر ولي أقرباء من نفس العائلة في السعودية ومنهم في مصر وآخرون في لبنان، ولا أدري البقية في أي بلد يقيمون الآن، أما الأهل وبعض منهم فلجأوا إلى الأردن.

جزء من العائلة لجأ إلى الأردن بعد نكبة 48 فحصلوا على الجنسية الأردنية بقرار من رئاسة الوزراء آنذاك، وتم إضافة "أبو" إلى اسم العائلة فأصبحوا من عائلة "أبوغنيم"، وبقي أهلي من عائلة "غنيم" لأنهم لجأوا إلى الأردن بعيد نكبة 1967، ولم يحصلوا بالتالي على الجنسية الأردنية.

العائلة تشتتت، رغم أنها في نفس المكان .. أو في غير المكان ..

لقد تعودت الدعاية الصهيونية دوماً على تصميم أفكارها، فظهرت منذ أعقاب نكبة 67 إشاعة عن سلوك الغزيين وذلك في أوساط الفلسطينيين أنفسهم خاصة في الأردن، وظهرت عدوى نبذ الغزيين من قبل الأردنيين والفلسطينيين بشكل عام، وهي ذات المعضلة التي ظهرت بين الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وبين الفلسطينيين المقيمين في غزة، نتيجة اختلاف الظروف رغم أن ما يزيد عن 30% من أهل غزة هم بالأصل من الضفة الغربية، تركوت منازلهم وأراضيهم فترة الهجرات الداخلية نتيجة الاحتلال.

فجوة طبقية صدرت للتفرقة بين الشمال والجنوب، وليست تلك الفجوة موجودة فقط بين الفلسطينيين بشكل عام، بل هناك فجوة نوعا ما بين أهل الشمال وأهل الجنوب في الأردن، وقد حصلت العديد من المشادات الكلامية بين القطبين في هذا المجال.

إحدى الفتيات الفلسطينيات تقدم شاب غزاوي لخطبتها فرفضت والدتها هذا الشاب فقط لأنه غزاوي، وطبعا كانت الحجة أن "مستقبله غير مضمون".

أخي الأكبر تقدم لخطبة فتاة أردنية فرفض ذويها الطلب مع أنها وافقت لأنه غزاوي أيضاً، والسبب هو أن "مستقبله غير مضمون أيضاً".

شخصياً، وبكل صراحة، كنت عاشقاً قومياً لعروبيتي، مفتخراً بأمجادها وسلالاتها وإنجازاتها التاريخية، لكنني بعد أن تجاوزت سن الثلاثين واطلعت على ثقافات متنوعة من هنا وهناك، وتعاملت من جنسيات عربية مختلفة، وعاصرت قضايا عديدة منها ما شاركت بها، أصبحت أعتبر العرب متخلفين.

سيغضب مني الكثيرون وأنا أعرف ذلك، ولكن ماذا أفعل، شعوري بالإحباط مما يحدث معي جعلني أشعر بتلك المشاعر، وغربتي عن الهوية الوطنية والصراع الداخلي بين الفلسطنيين أبناء وطني أحبطني كثيرا، أضف إلى ذلك العدد الكبير من ضحايا المعركة مع الكيان الإسرائيلي، وأبناء الشتات المقيدة حرياتهم والممنوعون من السفر تقريبا مثلي، والممنوعون من التعبير بجرأة المواطن، أو الرغبة بالقيام في هواية ما حتى وإن كانت هواية رياضية، والانعزال عن الشأن العام في المجتمعات التي يقيم بها هؤلاء، كل ذلك جعلني أغضب وأحبط من هذا الغلاف العربي المتخلف.

أما لماذا متخلف، فيكفي أن أقول بأنه لدينا عناصر قوة ولكن نستخدمها في صراعات وإشاعات وانتباذات فيما بيننا وننسى حقوقنا العليا ثم نطالب نتيجة إخراسنا بالهم والفقر والبحث عن لقمة العيش فقط العيش بكرامة، فيضيع التطور ويموت المستقبل في ماضي سحيق.

أريد وطناً أفرح فيه، وأريد أناساً أشاركهم الرأي في شؤون الحياة، لا يمنعني أحد من اقتراح فكرة ما أو التعبير عن أمر ما.

أكثر من مرة أجبت عندما بدأت بالتعبير عن قضية محلية، ما شأنك؟ وما علاقتك؟ أو ووجهت بطريقة مسيئة للغاية كأن يصمت الجميع عن الكلام موضوع النقاش نهائيا، أو يبدأ أحدهم بالانتقال للحديث عن موضوع آخر بينما أنا أتكلم، أو يتكلمون جميعهم لأسكت، أو ينفضوا عن الحوار.

من الصعب أن لا تمارس الهوية، فالهوية هي رأس الهرم في مثلث الذات، وليست القضية المطروحة الآن في الأردن حول التوطين والتجنيس وحق العودة هي القضايا الجوهرية في الأمر، بل الشعور بالهوية والانتماء هو الأبرز لقيام الذات وتقوية الذات لدى الأفراد ولدى المجتمعات، البداية والقوة هي الشعور بالذات وبـ"الأنا"، حتى يعرف الفرد ويحسن الاختيار في شؤون الحياة العامة والخاصة وليسير في قضاياه بثقة وقوة وصلابة، لا أن يترك بلا منبر أو مكان يؤسس فيه لفكره ومشاعره ومنطلقاته الوجدانية.

الوطن في النهاية هو الوطن، وكاذب وواهم ومنافق من ينكر الوطن، فالوطن هو الأم وهو الذات وهو الهوية وهو الماضي والحاضر والمستقبل والمصير، وهذه العناصر الأساسية في تركيبة الحياة لو اختفت فماذا سيكون للمرء من مقومات يبني عليها شخصيته وفكره وينطلق في وجدانياته.

أريد وطناً أفرح فيه، وأفرح له، أحزن فيه، وأحزن له، أريد أن أعود إلى وطني، أريد العودة إلى فلسطين ...




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات