نقلا عن تصريحات تناقلتها وسائل الإعلام المغربية المكتوبة والرقمية على حد السواء ، قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي الدكتور سعد الدين العثماني وهو يتحدث إلى أعضاء لجنة الخارجية بمجلس النواب : إن الحوار الاستراتيجي المغربي الأمريكي "جاء ثمرة مسار طويل من العلاقات الإيجابية التي جمعت بين الدولتين"، مشيرا إلى أن الأمريكيين يعُون جيدا المواقف التي اتخذها المغرب اتجاههم، خاصة "الموقف الذي سجله التاريخ للمغرب كأول دولة تعترف باستقلال أمريكا. رغم صحة المعطيات التي أدلى بها السيد وزير الخارجية، هل ينبغي الاستناد دائما إلى المعطيات التاريخية عند النظر إلى علاقة المملكة المغربية بالقطب العالمي الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل معطى كون المملكة المغربية أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية صالح ليقدم بشكل أزلي للتأثير في هذه العلاقة الدولية الثنائية ، في زمن عربي ودولي متغير كما حاولت ذات التصريحات التي أدلى بها السيد وزير الخارجية العثماني ؟.
أعتقد شخصيا أن هذه النظرة التي تأسس قواعدها على عنصر التاريخ لم تعد كافية لحفظ مصالح المملكة المغربية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية ،كما إن هذه الأخيرة ولأسباب تتعلق بنشوء وارتقاء سياستها الخارجية قد لا تكتفي بشكل دائم بهذه العناصر التاريخية التي تواتر تقديمها من طرف الدبلوماسية المغربية عبر عقود من الزمن، لحفظ نظرتها للمملكة المغربية كحليف استراتيجي من شأنه حفظ المصالح الأمريكية في إطار مجاله الإقليمي أو بالأصح التقطيع الأمريكي للعالم وهو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا .
إن التحول الجذري في طبيعة وديناميكية العلاقات الدولية جعل العلاقات الثنائية وبالتالي التحالفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية تتأثر بعنصر المفاجئة وليس بترتيبات الدول والتكتلات والأحلاف الكبرى فالعلاقات تغيرت والتحالفات تبدلت والو لاءات سقطت والمبادئ والقيم أصبحت ثانوية أمام زحف الفوضى الخلاقة على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا،وهو ما يحتم في اعتقادي أن يغير رئيس الدبلوماسية المغربية الدكتور سعد الدين العثماني من خطابه اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية الشريك الاستراتيجي الزئبقي من حيث تقديره لعلاقاته بدول العالم وتبني خطاب يتجاوز المن السياسي من قبيل نحن أول دولة اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، إلى خطاب أكثر قوة وحركية و يستمد جوهره من واقع المتغيرات الدولية والعربية ، لأنه ليس مؤكدا فعلا أن تستمر الولايات المتحدة الأمريكية في تقدير المواقف التي اتخذها المغرب اتجاههم قبل عقود مضت ، كما ذهب إلى ذلك وزير الشؤون الخارجية الخارجية والتعاون الدكتور سعد الدين العثماني، أمام اكراهات المصالح الأمريكية ، عند النظر إليها في صراعها مع الأقطاب القادمة روسيا والصين وأمام ما تفرضه الجماهير من تغييرات جوهرية في السياسة والاقتصاد والقيم أيضا.
قد تستند الدبلوماسية المغربية وفق التحليل البسيط إلى تنازلات المملكة و التوافقات التي تمكنت من تشكيلها مع القطب الاقتصادي العالمي الوازن جدا الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب على الإرهاب أو اتفاقيات التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن عند اعتماد التحليل العميق بعيد المدى يجب الأخذ بعين الاعتبار ، أن نظام العولمة الاقتصادي نفسه لم يعد كما كان قبل زحف الفوضى الخلاقة المسماة إعلاميا بالربيع العربي يدار بقوة الشركات المتعددة الجنسية العابرة للقارات ، بل أصبح يدار بقوة الحديد والنار عبر الذراع العسكرية للنظام الليبرالي المتوحش الموسومة بحلف الناتو وهو نظام سياسي جديد بأحادية قطبية متطورة بقيادة الولايات المتحدة ولا تعترف بالسيادة الوطنية ولا تتردد بإلحاح من اكراهات المصالح الإستراتيجية في اللجوء إلى التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول وتأجيج النزاعات السياسية والطائفية والعرقية وإسقاط العديد من النظم السياسية وتشكيل كيانات سياسية جديدة ذات طابع طائفي وعرقي والغزو العسكري المباشر، كما تؤشر الحالات العراقية والأفغانية والليبية والسورية التي لم تكتمل فصولها بعد . وهي كلها أزمات أدت إلى إزهاق أرواح مئات الآلاف من القتلى والجرحى وتدمير البلاد وسياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع القضايا العربية والإسلامية ناهيك عن الحرب على الإرهاب وما صاحبها من ابتزاز للعديد من النظم ومنها المملكة المغربية بشكل شوه سجلها المتعلق بحقوق الإنسان وحرية التعبير ، بسبب التهافت غير العقلاني على إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية بشتى الطرق ، الذي عبر ت عنه الدبلوماسية المغربية بشكل جامد رغم تعاقب الحكومات وتغير التحالفات السياسية وإعادة تشكيل المحيطين الإقليمي والدولي للمغرب.
الدبلوماسية المغربية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتقدير أن نظام العولمة الليبرالي بعد تحوله إلى نظام أكثر وحشية بقيادة عسكرية غير محتشمة عبر حلف الناتو ،لا يعترف أبدا بأخلاقيات التعاون الدولي و يواجه مقاومة قوية من طرف كل القوى الوطنية والقومية والشعبية عبر العالم والأهم أنه يعرف منافسة جادة من طرف قوى دولية تأسس لحلف دولي وازن وأقصد هنا روسيا والصين وهي قادمة بخطى ثابتة وإستراتيجيتهما تتمثل في ترك الولايات المتحدة قائدة النظام الرأسمالي المفلس أخلاقيا والذي تسبب في انهيار الاقتصاد العالمي يرتكب المزيد من الأخطاء ويتورط في الحروب والنزاعات الدولية حتى ينهار بشكل ذاتي. لذا أعتقد بضرورات تغيير لهجة حوار التعاون المغربي مع الولايات المتحدة الأمريكية بشكل لا ينقص من اعتبار أو يتجاهل مصالح الأقطاب الدولية القادمة
قريبا وبشكل مؤكد استراتيجيا.
خلاصة القول وفضلا عن المعطيات السابقة المملكة المغربية اليوم نظام سياسي أكثر قوة من عقوده السابقة و استطاع أن يفلت من زحف الفوضى الخلاقة بسبب حقائق قوية من قبيل الإصلاحات الكبرى التي تعرفها المملكة المغربية بقيادة الملك الشاب محمد السادس الذي يحبه الشعب المغربي ويتمسك به بقوة ومقتنع به ، وهو مؤهل أكثر من أي وقت مضى وبإلحاح من المتغيرات الإقليمية والدولية ، إلى استخدام خطاب دبلوماسي أكثر قوة ويستلهم من أدبيات الابتزاز السياسي الكثير من المفردات بشكل يعبر عن سيادة وطنية حقيقية تشارك في صنع المصالح وتحقيقها، بدل خطاب دبلوماسي هش يستمد من التاريخ مفرداته ومعطياته وقريب من التسول السياسي بدل تقمص أدبيات الصراع السياسي، تماما مثلما تخاطب الجارة جزائر بوتفليقة فرنسا حاليا ، أو على الأقل كما تعاملت الجزائر مع الولايات المتحدة الأمريكية أثناء غزو ليبيا أو دبلوماسيتها وحضورها الوازن إبان ألأزمة السياسية والأمنية في مالي .
بقلم : أحمد سالم أعمر حداد
صحفي رقمي / باحث مغربي متخصص في تحليل الصراع السياسي
newsdata1@gmail.com
التعليقات (0)