جثة مراقب الثانوية العامة مسجاة على الأرض وسط زملائة الذين جلسوا من حوله بلا حيلة
هل سنظل إلى نهاية العمر ونهاية الحياة في هذا العذاب المهين؟!
هل سيبقى هذا الشعب المحزون المحزوب فأر تجارب لكل من يمتطي سرجه ويمسك لجامه ليورده موارد الهلكة والضياع والدمار؟!
إلى متى سيظل الناس بلا ثمن .. تضيع أرواحهم بلا ثمن .. يداسون بالأحذية بلا ثمن .. تنتهك حياتهم بلا ثمن .. إلى متى!!
وزارات في أعقاب وزارات .. ووزراء في ذيل وزراء .. ولا هم لهم ولا عمل سوى تركيع الناس .. وإمراض الناس.. وتعذيب الناس .. وأخيراً قتل الناس .. بدماء زفرة لا أقول باردة .. ولا محاسب ولا رقيب.. ولا مجيب لأنات الضعفاء .. ولا سميع لزفرات المظلومين.. ولا منصف لهم في هذا البلد..
هذا البلد الذي تولى فيه زكي بدر مقاليد وزارة الداخلية في عهد مبارك وكان من أشرس وزراء الداخلية في تاريخ مصر .. ثم تولى ابنه (أحمد زكي بدر) مقاليد وزارة التربية والتعليم وهو مرشح بدوره ليكون أشرس وزراء التربية والتعليم في تاريخ مصر .. بهذه الواقعة التي تتنافى مع أي معيار وأي مقياس من معايير ومقاييس الإنسانية .. واقعة قتل عمد بكافة أركانها .. واقعة كافية أن تقيل جميع وزراء دول الاتحاد الأوربي جميعهم إذا حدثت في نطاق أي دولة من دوله .. ولكن لأنها حدثت في مصر . فحدث ولا حرج .. وقل وأحكي ولا تنتظر شيئاً .. في مصر لا ثمن للإنسان .. كل شيء له ثمن إلا الإنسان .. للأسف..
(أحمد محمد عاكف) رجل علم !! نعم رجل علم .. يقيم بمحافظة المنيا التي كانت تسمى سابقاً عروس الصعيد . . ينتمي "عاكف" لوزارة التربية والتعليم .. فهو أحد رعايا الوزير أحمد زكي بدر .. صدر التكليف السامي والفرمان العالي لعاكف بالسفر إلى محافظة سوهاج ليتولى أعمال المراقبة في امتحانات الثانوية العامة المصرية .. وما أدراك ما أعمال المراقبة على الثانوية العامة .. فهي تكليف لا يقل في أهميته وخطورته عن تكليف الاستدعاء للجيش في حالة قيام الحرب .. يجب أن تسلم نفسك وتسلم قيادك وتسلم روحك دون أدنى تفكير أو تلكؤ.. سافر (أحمد محمد عاكف) تلبية لنداء الوزارة .. وتم حشره مع المدرسين والمراقبين والغرباء وحسن أولئك رفيقاً .. أسكنتهم الوزارة مسكن اللذين ظلموا أنفسهم .. حجرات ضيقة .. حرارة وقيظ الصيف لاتطاق.. مستوى معيشي في غاية التدني وغير ملائم إنسانياً .. ومع ذلك تحمل الجميع هذا الوضع المزري باعتبار أنها قرارات وأوامر وتكليفات الوزارة التي لا يرد قضاؤها ولا يدفع قدرها ..
إلا أن المرقب (عاكف) لم تتحمل "جتته" ولم يتحمل جسده هذا الإرهاق الذهني والعصبي والنفسي والبدني من أعمال المراقبة طوال النهار والتجول بين الطلبة الممتحنين في عز قيظ الظهيرة حتى تتورم قدماه .. ثم العودة إلى جهنم السكن الفقير لأبسط وسائل المعيشة علاوة على تكليفات تصحيح الامتحانات التي هي عذاب بذاته .. سقط المراقب (عاكف) فريسة للإعياء بعد أن فاجأته أزمة صحية شديدة استشعر من حوله خطورتها فنقلوه على الفور إلى مستشفى طهطا العام لتلقى العلاج إلا أن المستشفى- حسبما ورد بالصحف- رفضت دخوله بحجة أن هناك تعليمات من الوزير فى حالة إصابة أحد المراقبين بأي مرض بالتوجه إلى مستشفى الهلال للتأمين الصحي بسوهاج وليس للمستشفيات العامة !!!!
انصاع الرجل المريض لفرمان الوزير العبقري .. وغادر المستشفى الذي رفض علاجاً بنفس حسيرة وقلب كسير ثم قام بالتوجه إلى مستشفى الهلال للتأمين الصحي بسوهاج .. وهناك وقبل أن يضعوا سماعة طبية على قلبه .. بل وقبل أن يسمحوا له بالاستلقاء على سرير المرضى طلبوا منه أولاً إبراز كراسة التأمين الصحي والتي – للأسف- لم تكن بحوزته حيث لم يعمل لها حساباً أو لنفسه حساباً أنه سيقع فريسة المرض فتركها بمحل إقامته بالمنيا..
عندئذ طالبته مستشفى الهلال بسداد مبلغ مالي قدره 1000 لكي يتلقى العلاج وعندما أخبرهم أن المبلغ غير متوفر معه رفضوا علاجه!!!
عاد المراقب المسكين إلى (الاستراحة)!! مرة أخرى وهو يصارع المرض بأنات واهنة وزفرات واهية ..
وما بين الساعة الخامسة والسادسة هاجمت الآلام المبرحة صدر الرجل لدرجة لم يستطع معها البقاء لحظة واحدة وإلا فالموت قادم قادم لا محالة..
اتخذ زملاؤه القرار بالتوجه مرة أخرى إلى مستشفى العام بطهطا وهنا فقط اضطر المستشفى تحت الضغط والحالة المزرية إلى السماح لهم بوضعه على سرير المرضى وتم تعليق بعض المحاليل له ثم السماح له بالعودة للاستراحة باعتبار أنه مكلف بمهمة قومية (مراقب ثانوية عامة) لا يجوز لبه التخلف عن الميدان حتى ولو كان الموت يحلق فوق رأسه ..
عاد المريض إلى الاستراحة ولم يبرحه المرض بل زادت عليه أزمته الصحية فطلب من رئيس اللجنة الخاصة بالامتحان ويدعى (حامد) أن يصرح له بالعودة وعدم استكمال الامتحان إلا أنه رفض بشدة وأمره بالاستمرار في عمله كمراقب واستمر الرجل يعمل وهو مريض .. استمر الرجل يراقب وهو يخشى أن يخالف أوامر رئيسه الذي خشي أن يخالف أوامر وزيره مثلما خشي المستشفى مخافة أوامر الوزير وتستقبله ،
وطبعاً كانت النتيجة الحتمية .. موت المراقب .. مات المراقب .. مات المسكين وترك وراءه أسرة كان هو عائلها .. ترملت زوجته .. وتيتم أطفاله . وانقطع مصدر دخلهم بموت عائلهم .. بينما يمرح أولاء الوزير في قصر أبيهم الذي يضاء وجهه بفلاشات الكاميرات على مدار اليوم يطلق التصريحات والتهديد والوعيد هنا وهناك .. ولم يشعر أن هناك مراقباً من المنيا مات بسبب فرماناته وأوامره ونواهيه !!
وفى اتصال بوكيل وزارة التربية والتعليم بسوهاج قرر أن المذكور تلقى العلاج بمستشفى الهلال وقال إن هذا أمر الله.. يعني قضاء وقدر.. يعني وإيه يعني!!!
ما الفرق بين قتيل الإسكندرية الذي قتله مخبرو وزارة الداخلية التي كان يرأسها زكي بدر وزير الداخلية الأسبق .. وبين قتيل الثانوية الذي قتلته تعليمات وأوامر وبطش واستبداد وزارة التعليم التي يرأسها الدكتور أحمد زكي بدر وزير التعليم ابن اللواء زكي بدر وزير الداخلية ؟!!
وما الفرق بين وزارة تقتل الأبرياء بأيدي رجالها ووزارة تقتل الأبرياء بأوامر وتعليمات رجالها ؟!!
ما الفرق بين قتيل الأسكندرية وقتيل الثانوية ؟!
وطبعاً باعتبار أنهم قد أعلنوا براءة مخبري الداخلية من دم قتيل الأسكندرية
فقد أعلنوا تبعاً لذلك براءة مخبري التربية والتعليم من دم قتيل الثانوية !!
ألم أقل لك .. كل شيء له ثمن في هذا البلد .. إلا الإنسان .. إلا الإنسان..
نأسف لإدارة المدونات ولأصحاب التعليقات الكرام بدر الدين عيسى ومحمد مغوتي وليلى عامر
لمحاولة إنزال صورة للموضوع فتم حذفه بالتعليقات خطأ فأعدنا تحميله ثانية ..
التعليقات (0)