ارتفعت القيمة الإجمالية لقروض الإستهلاك بالمغرب من 5 مليار درهم سنة 1995 إلى 30 مليار درهم سنة 2007، في الوقت الذي ارتفع فيه مستوى الإعسار المرتبط بأداء مستحقات ديون الإستهلاك من 2.97 مليار درهم سنة 2004 إلى 4.2 مليار درهم سنة 2006. وتفيد هذه الإحصائيات الصادرة عن الجمعية المهنية لشركات التمويل بأن الأسر بالمغرب أصبحت تقبل خلال السنين الأخيرة، بشكل متزايد، على قروض الاستهلاك، بسبب غلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار، إلا أن ذلك لا يخفي حقيقة الصعوبة التي أصبحت تجدها هذه الأسر في تسديد ما بذمتها من أقساط شهرية لفائدة شركات التمويل. وعبر مواطنون استطلعنا آراءهم حول أسباب لجوئهم المفرط لقروض الإستهلاك، بأن الإقبال على مؤسسات التمويل في الوقت الراهن بات يشكل ضرورة ملحة لمواجهة مصاعب ومتطلبات الحياة المتنامية، وتوالي المناسبات التي تفرض مصاريف إضافية كالدخول المدرسي، وحلول شهر رمضان، وعيد الأضحى المبارك.. وغيرها، وبخصوص حالة الإعسار التي يعاني منها بعضهم في سداد الواجبات الشهرية لفائدة شركات التمويل فقد حملوا مسؤولية ذلك للمقترضين أنفسهم، بسبب لجوئهم للاقتراض بشكل مفرط من خلال تنويع مصادر القروض. في حين انصبت مواقف مواطنين آخرين في اتجاه اعتبار شركات القروض المسؤول الرئيسي عن تأزيم الوضع المعيشي للمقترضين، عبر فرض وتطبيقفوائد وتكاليف مرتفعة، واعتماد أساليب مغرية ومثيرة تعاكس الواقع، وتهدف لاستغلال الظروف الاجتماعية للمواطنين، كما أشارت هذه المواقف لغياب قوانين خاصة تهدف لحماية المستهلكين (المقترضين)، وتقيهم من المخاطر المحتملة جراء اللجوء للاقتراض. وقد سبق لـ«مليكة براكين» أستاذة جامعية وباحثة في قضايا العقود والمواثيق أن أبرزت أن الإشكاليات المترتبة عن ظاهرة الاقتراض بالمغرب لا تكمن في سلوك الاقتراض بحد ذاته بقدر ما ترتبط بغياب قواعد خاصة تنظم وتقنن مجال قروض الاستهلاك بالمغرب بشكل يوفر حماية خاصة للمقترض المستهلك كما هو موجود في قوانين الاستهلاك الحديثة في العديد من الدول، وأضافت الباحثة بأن المرجع الأساسي والقانوني في هذا المجال يبقى هو قانون الإلتزامات والعقود، خاصة الباب المتعلق بعقد القرض (الفصول من 870 إلى 878)، واعتبرت أن هذه النصوص لا توفر الحماية الضرورية للمستهلك المقترض في علاقته بمؤسسات القروض، باعتبار أن عروضها تبدو في ظاهرها مشجعة، لكنها في الواقع تنطوي على عواقب مجهولة تضر بقدرة المستهلك المعيشية. وأشارت إلى العلاقة غير المتكافئة التي تجمع بين المتعاقدين والتي غالبا ما يكون فيها المقترض بمثابة الحلقة الأضعف التي تفتقر للخبرة القانونية والمعرفية، مقابل قوة مطلقة لمؤسسات القروض التي تسعى لتحقيق الربح عبر الإستعانة بكل قدراتها وإمكاناتها المالية والمعرفية التي تمكنها من صياغة العقد وفق الشروط التي تؤمن مصالحها. ومن جانبه، اعتبر مصطفى ملسة رئيس الجمعية المهنية لشركات التمويل بالمغرب في تصريح لـ«الأحداث المغربية»، بأنه لا يعتقد على أن سياسة الإغراء التي تنهجها شركات القروض تكون سببا مباشرا في لجوء المواطنين للاقتراض بقدر ماتكون حاجتهم الملحة لاقتناء شيء معين هي السبب في ذلك، واعتبر أن الجمعية أسهمت منذ تأسيسها سنة 1995 في تشخيص وتجاوز مختلف الأزمات والمشاكل التي عاشها قطاع القروض بالمغرب منذ سنة 1974 تاريخ بدء العمل بمنح قروض الاستهلاك عبر خلق مؤسسة إكدوم من طرف الدولة، حيث عملت على تخفيض عدد بائعى التجهيزات المنزلية الذين كانوا يخلقون مشاكل عديدة بتواطؤ مع المستهلكين، من 5000 بائع إلى 80 بائعا معتمدا ومعروفا لا يمكنه أن يسلم المستهلك نقودا بدل سلعة معينة كما كان يحدث سابقا مع البائعين الذين أزحناهم من السجل. وأشار إلى أن الجمعية نجحت في إيجاد الحلول الناجعة لمختلف الخلافات والشكاوى المطروحة من قبل مختلف الأطراف، وأفاد بأن تزايد إقبال المواطنين على قروض الاستهلاك يتأكد من خلال الأرقام التي تسجل ارتفاع المبلغ الجاري لقروض الاستهلاك من 5 ملايير درهم سنة 1995 إلى 30 مليار درهم حاليا، وذلك نتيجة لانخفاض معدل الفائدة وليس فقط لعامل المنافسة بين شركات القروض, مشيرا في الوقت نفسه إلى ظاهرة لجوء الأبناك لتأسيس مؤسسات قروض الإستهلاك تابعة لها كسلفين ووفا سلف وغيرها، ويرجع ذلك ـ حسب قول مصطفى ملسة ـ لسياسة بنك المغرب التي حدت من قدرة هذه الأبناك على منح القروض خارج السقف الذي حددته لها. وأضاف بأن حرص الجمعية على حماية حقوق المستهلك دفعها للعمل على خفض عدد الأشخاص الذين يعيشون بقدر 500 درهم بعد خصم الأقساط الشهرية التي بذمتهم من 8700 فرد تقريبا إلى 3500 فرد في 2003، كما قامت برفع قدر هذا المبلغ (أي 500 درهم ) إلى 1000 درهم بهدف تأمين الحد الأدنى الضروري لعيش المستهلك، معللا انفتاح شركات القروض الاستهلاكية على أصحابالدخل الذي يبتدئ من 1500 درهم يأتي في إطار تمتيع هذه الفئة وعدم حرمانها منالاستفادة هي أيضا من قروض استهلاكية تساعدها على حل بعض مشاكلها عوض لجوئها لقنوات غير رسمية قد تغشهم وتستغلهم، فيقعون في مشاكل لن يجدوا من يعينهم على حلها. وأشار مصطفى ملسة إلى أن مستوى قروض الاستهلاك بالمغرب رغم كل ذلك يبقى جد ضعيف مادام لا يمثل سوى حوالي نسبة 6 في المئة من الناتج الداخلي الخام، في الوقت الذي تصل فيه هذه النسبة إلى 80 في فرنسا و140 في المئة في الولايات المتحدة الأمريكية.
التعليقات (0)