وزارة تربية وتعليم الطفل الشقي
مصعب المشرّف
10 يناير 2021م
في برنامج حوار البناء الوطني إستضاف مقدمه الأستاذ لقمان أحمد كل من وزير التربية والتعليم البروفيسور محمد الأمين التوم .. بجانب آخرين ذوي إهتمامات بتربية وتعليم الطفل السوداني والشأن العام.
بروف محمد الأمين الشيخ
بداية لم يجد الوزير من مصرف يصرف إليه أسباب معارضة مختلف أصحاب الرأي سوى الزعم بأن منشأها إنتماء د. عمر القراي للحزب الجمهوري ليس إلاً... وليته سكت .. ولكنه أضاف قائلاً:
وزعم أيضا بأن الذين هاجموا المنهج لم يكونوا سوى كيزان . ولم يلتفت إلى واقع أن المعارض الذي كان يجلس أمامه قيادب بارز في هيئة كيان الأنصار . وأن المعارض الآخر لهذه المناهج الذي كان يجلس عن يساره ؛ هو ناشط وطني وصاحب رأي حُـر غير مؤدلج ولا محزّب.
ثم ومن المؤكد أن الأغلبية الساحقة من الذين كانوا يجلسون أمام شاشة التلفاز في منازلهم وغيرها ؛ إنما هم آباء وأمهات وأولياء أمور يقلقهم أن يتعرض أطفالهم إلى السرقة وخيانة الأمانة ، والإستغلال البشع من جانب هذه المجموعة الضئيلة التي عبّر عن حجمها واستهان بها وزير التربية والتعليم بالصوت والصورة ، ومن ركب مركبهم لجهة الإحتباس الآيدولوجي وقوالب الأفكار المتنوعة الأخرى ... ودون أن يضع "البروف" في حسبانه أن الأفكار مهما كانت لا يجب الإستهانة بها وقياس مدى خطورتها بضم الإبهام والسبابة والوسطى. فالأفكار إيجابية كانت أو سلبية ومغلوطة تبدأ عادة بفرد واحد ثم يتبعها ملايين على مر الزمان . وتنضاف إليها تراكمات وتنشأ منها مدارس ، وتتفرع إلى نظريات وترافقها مكائد ومؤامرات ومصالح مالية وسياسية حتى لو كان منشؤها تهريج ومماحكات. وربما لو قرأ الوزير النذر اليسير عن كيفية إنتشار مذاهب وجماعات وتيارات إسلامية على أيدي خلفاء وملوك وقيادات جيوش وفرسان ورجال دين منذ الفتنة الكبرى بعد اغتيال عثمان بن عفان رضي الله عنه وما تلاها إلى يومنا هذا ؛ لكان قد أدرك واستطاع تفسير جدّية وخطورة حراك ما يدور حوله في الساحة السودانية من رغبة وإستعداد و"يقين المؤمنين" بالتغيير. ومرادفاته من سباق نشاط فكري وآيدلوجي محموم يرغب في وراثة فكر ودولة الكيزان البائدة.
إن ثورة ديسمبر المجيدة أعمق وأشمل تأثيراً ثقافياً من غيرها. وهي ثورة محصنة من السرقة.لأنها في الواقع ثورة ثقافة وأفكار ومعرفة ووعي وإدراك. نشأت عبر وسائل التواصل الإجتماعي التي وفرت لها حاضنة التوثيق والنشر والتغلغل والإندياح حيثما كان ظرف زمان ومكان.
د. نافع علي نافع
وحين كان أشقى الكيزان د. نافع علي نافع يستهين بها ويسخر ، على قناعة منه أنها حراك لوحات مفاتيح ألكترونية . كان معظم النشطاء يتكتمون واقع وحقيقة أن هذا "الكي بورد" هو الذي يوقظ الشعب من غفوته ، ويعيد الروح ويبعث في الشباب الأمل والثقة بالنفس والحماسة للثورة . وأسهمت ترجمة غوغل إلى اللغات الأخرى في حشد التضامن والتعاطف العالمي مع ثورة ديسمبر.
إن منطق وزير التربية والتعليم البروف محمد الامين التوم الذي أفصح عنه خلال الحلقة من برنامج حوار البناء الوطني بتاريخ السبت 9 يناير 2021م في الدفاع عن ادراج لوحة "خلق ادم" بكل ضلالها العقائدي ، وتجاوزاتها الفكرية والعقلانية المتخلفة التي لا ترقى إلى مستوى العقل البشري السليم إنما جاء محاولة يائسة منه للكنس تحت السجادة . ولا أرغب في وصفها صراحة بأنها مكابرة مصطنعة وإعتزاز بالإثم.
لقد بنى وزير التربية والتعليم حججه على اوهام وكلام نظري. وإفتراضات قسرية في علم الغيب . حيث اعتبر أن التلميذ من سن ٦ سنوات الى ١١ سنة. يفكر ويستوعب ويدرك بنفس الطريقة التي يفكر ويدرك بها "سعادته".وأن التلقين ينبغي أن يُرفع ويُلغى العمل به منذ مرحلة الروضة.
وجاء في دفاعه المستميت قوله عن أثر لوحة "خلق آدم" وعلى طريقة الأفلام الهندية المبنية على إفتراضات مسبقة من وحي الخيال :
وأستدرك الوزير نفسه بنفسه قائلاً:
ثم قال معاليه:
يقول ليهم:
يقوم الطفل الشقي يسأل:
يقوم الأستاذ يقول ليهو:
يقول الطفل الشقي للأستاذ:
ويواصل الطفل الشقي:
الأستاذ ما يرد عليهو ويسأل :
يخلي الطفل يقعد يتفاكر ويتفاعل . وبعدين المسألة دي هل مايكل أنجلو دينه شنو؟ هل كان يؤيد التجسيد بتاع الذات الإلهية؟ هل الأديان التانية زي الهندوسية. أمشوا أعملوا بحوث. إنتوا يا مجموعة أطفال أمشوا أبحثوا في اليهودية والهندوسية عن الذات الإلهية."
ولم نخلص من هذه الإفتراضات إلا بعد أن قاطعه مقدم البرنامج بقله: (أنت تريد إطلاق التفكير في تلك المرحلة المبكرة بدلاً من الحفظ والتلقين)
هذه الإفتراضات التي بنى عليها عليها وزير التربية والتعليم حججه وتبريراته ، لاتزيد عن كونها هذيان ساكن من سكان الأبراج العاجية التي لازمت الأكاديمي السوداني منذ أن بدأ التعليم النظامي في السودان . ودليل على عدم الإلمام بقدرات تلاميذ في الصفوف من الأول إلى السادس أساس. وعدم التعاطي مع واقع ظروف المواطن السوداني العادي في ظل الفقر وانقطاع الكهرباء . وإستهتار بتوفير أبسط متطلبات وضروريات معيشة المواطن من الخبز والوقود والمواصلات . وامكانية الحصول على حواسيب الكترونية وخط انترنت مستقر .. وأن خدمات الإنترنت في البلاد تعتبر الأسوأ والأضعف والأغلى من بين مثيلاتها في دول القارة الأفريقية .. الخ. وأنه يندر أن توجد مكتبات عامة في الأحياء بالعاصمة المثلثة ناهيك عن الولايات بما بستلزم اجراء البحوث والاطلاع وتوفير المراجع .. وبما يجعل من مقترحات هذا الوزير بالحث على البحث والتفرغ للتفكير محض أحلام يترفع عن الإستغراق فيها الديك المنتوف زلوط.
العملية التعليمية حلقات مترابطة في سلسلة متكاملة. ومن غير المنطق أن يستورد ويستشهد وزير التربية والتعليم بأفكا ونظريات من الخارج ؛ لا يمكن تطبيقها متكاملة في أرض الواقع السوداني الذي يعاني من الفر المدقع والتخلف في التنمية . ويعاني من شح الوسائط والأدوات والوسائل التعليمية. وتدني ثقافة وإنتاجية المعلم الذي هو جزء لا يتجزأ من التخلف السائد.
التلقين في المراحل المبكرة من التعليم يظل ضروريا للطفل . وإرشاد الطفل للبحث في المراجع سابق لأوانه حتى لو توفرت للبلاد رفاهية الغرب المتطور والدول الثريّة الأخرى.
ولو لم يكن التلقين ضروريا لما إستطاع الطفل فهم لغة الأم ولا تعلم كيف ينطقها . ولو كان التلقين سلبياً في كافة الأحوال كما يرى البعض من مستوردي أفكار وقناعات الغير ، لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"كلمولوديولدعلىالفطرةفأبواهيهودانهأوينصرانه ..." أو كما قال.
وقال الله عز وجل وجل للحبيب المصطفى في بداية مرحلة تنزيل الوحي:
[اقْرَأْبِاسْمِرَبِّكَالَّذِيخَلَقَ(1) خَلَقَالْإِنْسَانَمِنْعَلَقٍ(2) اقْرَأْوَرَبُّكَالْأَكْرَمُ(3) الَّذِيعَلَّمَبِالْقَلَمِ(4) عَلَّمَالْإِنْسَانَمَالَمْيَعْلَمْ(5) ] سورة العلق.
وهذه الآيات التي جاءت في مرحلة البدايات العقائدية الإسلامية تشير جميعها إلى أهمية التلقين أولاً ، قبل الحث على البحث الذي يأتي في مراحل تالية بعد التلقين. ولولا أهمية التلقين لما كان القرآن الكريم قد تنزّل على سبعة أحرف . ولما كان هناك حفظ وتلاوة . وسُنّة وحديث نبوي شريف.
فأيهما أفضل بأن نهتدي بهديه في تعليم أطفالنا ؟
ولعلنا نستدعي هنا آراء وتوجيهات كبار علماء الدين منذ فجر الإسلام بشأن التعليم الذي يبدأ أولاً بالتلقين والجلوس إلى الأساتذة في المساجد ودور العلم المرموقة الأشهر سواء في مكة المكرمة والمدينة المنورة والكوفة ودمشق والأزهر الشريف. وأخذ طالب العلم ونهله من أفواه العلماء . وليس الدخول مباشرة دون أسس إلى الكتب والأسافير والمخطوطات.
ولدى الدكتور الشيخ علي جمعة الأزهري ومفتي الديار المصرية السابق العديد من الندوات والمحاضرات بهذا الشأن . وتلميحه بل ورأيه الصريح بأن من أهم أسباب شيوع الأفكار المتطرفة والإرهاب إنما كان على أيدي أشخاص إكتفوا بتلقي علوم الدين من الكتب والمراجع دون المرور بمرحلة التلمذة والتلقين على أيدي شيوخ وعلماء معتبرين معروفون بغزارة علمهم وسيرتهم الذاتية الناصعة وأخلاقياتهم الرفيعة.
وإذا كان الوزير يعترض على التلقين . فماذا يقول عن تلقين التلميذ من المهد ، وتحفيظه جداول الضرب بإعتباره الأساس لحل كافة المسائل الرياضية الأخرى في سنوات تالية متقدمة؟
وإذا كان الوزير يرى أن لوحة "خلق آدم" بكل مغالطاتها للمنطق والعقل والعلم . وما جاء في التوراة والإنجيل الغير محرفتان ثم والقرآن الكريم من علوم لم تكن لتدركها العقول والأبصار. وبالتالي تظل واجبة التلفين . وأهمها تلقين شهادة أن "لا إله إلأّ الله محمد رسول الله" في الإسلام ..... إذا كان يرى أن لوحة خلق آدم معبرة عن عصر النهضة الأوروبية . فإنه بذلك إنما يظلم عصر التهضة والتنوير قبل غيره.
ومن هنا كان أساس ومنبع الإعتراض على د. عمر القراي . وليس من منطلق أنه جمهوري. وحيث نرى أنه ما كان من الحكمة التسويق للوحة تتناقض مع حقيقة الذات الإلهية في المقام الأول . ولكون أن الذات الإلهية قد ورد التنوير بها في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف . وبالتالي لم تعد لدى (كافة) المسلمين مجال مغالطة وجدال وخلاف.
ثم أنه إذا كان الغرض من طباعة هذه اللوحة في كتاب تلميذ في الصف السادس ينبع من براءة مناهج . فهل إقتصر عصر النهضة والتنوير على مثل هذه اللوحة الضالة؟
ولماذا لم يعمد المنهج إلى طباعة صورة "آلة الطباعة" بديلاً عنها . والتي إخترعها الألماني جوتنبرغ وأسهمت بشكل وافر في نشر الوعي والتطور والتوثيق. ربما لو كان الوزير قد بحث بنفسه قبل تشجيعه للتلميذ الشقي بالبحث في بطون الكتب والمراجع والإنترنت. وقرأ قصة "أحدب نوتردام" لفكتور هوجو لكان قد أدرك مدى أهمية إختراع المطبعة ومدى إنزعاج وخوف ورعب السلطة الدينية الكاثوليكية بجانب السياسية في فرنسا من هذه المطبعة على النحو الذي وثقه الروائي فكتور هوجو.
وأخطر ما جاء في تبريرات الوزير محمد الأمين التوم هو تهوينه من فكرة "رسم" صورة لآدم عليه السلام في عيون الأطفال وعقلهم الباطني وذلك عند قول الوزير:
لقد بدأ الوزير هنا وكأنه يتقمص دور الرئيس الفرنسي ماكرون في تبريراته للرسوم الكاريكاتورية.
معنى ذلك أنه وطالما أنه تم توصيل فكرة إمكانية رسم آدم عليه السلام . فمعنى ذلك أن يهئ الطفل إلى تقبل فكرة رسم وتصوير كافة الأنبياء والرسل من وحي الخيال ... والوصول بالمسلم إلى مرحلة القبول برسم وتصوير أشرف الخلق سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .....وهذا غاية آمال ومبتغى أعداء الإسلام ، ولما يترتب عليه من إطلاق أيدي خيال رسامي الكاريكاتير والسينما وكافة الأعمال الفنية الآخرى للعبث وإلصاق ما يرونه بنفوسهم الحاقدة المريضة بخاتم الأنبياء والمرسلين .
والمسألة لا تحتاج إلى جدال . فواقع الحال اليوم من خلال مطالعة صور ورسومات ترمز لآدم وعيسى ويوسف عليهما السلام . نلاحظ أنها اصبحت صور نمطية والتصقت في أذهان ومخيلة كافة أتباع الديانات السماوية عدا المسلمين ... وكذلك حال صورة مريم العذراء والملائكة ذوي الأجنحة التي تجيء عادة على هيئة أطفال عرايا ..... وحيث يتعارض ذلك مع ما جاء في كافة الكتب السماوية بلا إستثناء.
تبقى بعد ذلك الإشارة إلى هذه الموجة والموضة السائدة التي جعلت العامة من المواطنين يصفون كل من قال الله أكبر وصلى وصام . ودافع ونافح عن الدين الإسلامي الحنيف ... يصفونه بأنه "كـوز".
إنها كارثة أن يصل البعض إلى هذا الدرك الأسفل من الجهل والغيبوبة .
لقد إنتصر الكيزان إذن ووصلوا إلى بغيتهم ومرادهم في أنهم الأوصياء على الدين وأصحابه ووكلائه الحصريين.
بل نرى ونقرأ ونسمع البعض من "الغيبوبيين" يسمي الكيزان بالإسلاميين.
وحتى لو سلمنا جدلاً بأن أحد أسباب هذه الغيبوبة العامة هو ما تعرض له الشعب السودان والبلاد من دمار على يد هؤلاء الكيزان البائدة. فإن هذه الغيبوبة والحالة النفسية التي تصل إلى حد الإنفصام يجب مجابتها بشجاعة . وبحيث يكون التمسك بتسميتهم "الكيزان" هو السبيل الأفضل لتعريتهم ونزع ما بتسربلون به ويلصقونه بأنفسهم من "إسلامية" يضحكون بها على البسطاء ، والبلهاء ، وأنصاف المتعلمين ، وأصحاب القلوب البيضاء .
التعليقات (0)