ورطـــة أوباما الأفغانية
بعد حصول أوباما على نوبل للسلام توقع البعض أنه سيعدل عن خطته أو عزمه إرسال المزيد من القوات الأمريكية المسلحة إلى أفغانستان ..... ثم وبعد تزايد عدد القتلى في صفوف القوات الأمريكية والحلفاء على حد سواء ، وإقتراب موعد الإعلان عن الخطة الأمريكية العسكرية العامة الجديدة في أفغانستان عاد البعض يتساءل في سذاجة من جديد : هل سيرسل أوباما مزيد من القوات الأمريكية إلى أفغانستان أم لا؟
الإجابة على هذا التساؤل هي بالطبع نعم .... فلا مناص لدى كل رئيس أمريكي من أن يوفق في قراراته بين مصالح الحزبين الديمقراطي والجمهوري على حد سواء ، مع ترجيح (مقبول) لمصالح الحزب الذي أتى به للمكتب البيضاوي في البيت الأبيض .....
يجب علينا بالفعل أن نسلم بأن النظام السياسي في الولايات المتحدة ليس ديمقراطيا بالمعنى الليبرالي المفهوم بقدر ما هو تداول سلمي للسلطة بين حزبين لا غير هما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي . بالطبع هناك تيارات جانبية داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي بين يمين ووسط ومتشدد ومتدين ومتطرف .. إلخ .. ولكن لا توجد تحالفات مع أحزاب يسارية أو يمينية أخرى قائمة بذاتها كما هو الحال في دول مثل فرنسا وألمانيا أو حتى إسرائيل ولبنان يتطلب الوصول إلى سدة الحكم التوافق مع بعضها .
وعلى هذا النحو الذي يرتكز على مبدأ (إحتكار تداول السلطة) بين حزبين لا غير ؛ يحرص رئيس الولايات المتحدة على توخي رعاية المصالح والمنافع الخاصة لمجموعة ما يسمى بالداعمين لحزبه من جهة ؛ والإنصات بإهتمام جاد لنصائح ورغبات وتفضيلات كبار أعضاء الحزب الآخر وممثليه في الكونغرس .. وحيث تنصب هذه النصائح والرغبات دائما في خانة المصالح المادية التي لا تعرف الراسمالية بديلا عنها... ولأجل ذلك عادة ما نسمع بأن بعض أعضاء الحزب الديمقراطي على سبيل المثال كان يصوت داخل الكونغرس لمصلحة الرئيس الأمريكي السابق بوش الصغير طالما كانت المصلحة المادية تقتضي ذلك .. والعكس صحيح بالنسبة لدعم بعض الجمهوريين للرئيس أوباما في قراره بشأن الضمان الصحي على الرغم من أنه لا يتماشى مع سياسات الحزب الجمهوري العامة... ولكنها المساومات والمصلحة الذاتية أولا وأخيرا.
ويحفظ التاريخ أن ليندون جونسون الرئيس الأمريكي عن الحزب الديمقراطي هو الذي قام بتوسيع التدخل الأمريكي العسكري المباشر في فيتنام ، واتخاذ قرار قصف فيتنام الشمالية بقاذفات ألـ B52 ... وذلك على الرغم من أن الحزب الديمقراطي معروف عنه أنه الأكثر ميلا إلى تفادي التورط العسكري خارج الولايات المتحدة ما أمكن ..... وهناك العديد من الأمثلة ليس اقلها الموقف الذي تعرض له بوش الصغير نفسه من جانب بعض كبار أعضاء حزبه في الكونغرس خلال التصويت على طلبه بزيادة الاعتمادات المخصصة لحربه في العراق ثم انتقاله بنفسه إلى مقر الكونغرس في سابقة من نوعها واجتماعه المغلق بهم لحلحلة الإشكال . والذي لاشك أنه قد تم خلاله طرح العديد من المساومات المادية لمصلحة هذا أو ذاك.
وأما عن المحافظين الجدد اللذين سطع نجمهم خلال عهد بوش الصغير بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م فهؤلاء ليسوا سوى تيار متشدد (ضمن تيارات أخرى) موجودة داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء. ويستعان بهم بين الحين والآخر في بعض الجوانب التكتيكية ، ولكن دون أن يكون لهم تأثير حيوي جوهري في إتخاذ القرار وإدارة السياسة الإستراتيجية العامة للولايات المتحدة .... وبالتالي فلا أعتقد أنهم ستقوم لهم قائمة من جديد على المدى القصير. اللهم إلا إذا توافرت لهم الظروف المواتية من قبيل أحداث سبتمبر جديدة ورئيس له نفس سمات وشخصية جورج بوش الصغير.
وفي الوقت الذي تتركز فيه مصالح كبار أعضاء الحزب الديمقراطي على تنشيط عجلة الاقتصاد القائم على الصناعات المدنية وأسواق المال والمقاولات والإنشاءات والبنية الأساسية ؛ نرى أن مصالح كبار أعضاء الجزب الجمهوري تتركز في صناعة السلاح والنفط والدواء والأمصال بشكل رئيسي ..... وربما لأجل ذلك نلاحظ أن العهود التي يسيطر خلالها الحزب الجمهوري على مقاليد السلطة تتميز أغلبها بشن الحروب وخلق الاضطرابات هنا وهناك لا لشيء سوى لتحريك مخزون المنتجات العسكرية ورفع اسعار النفط بالإضافة إلى ما يصاحب الحروب من مآسي وجراحات وكوارث بيئية وصحية لمصلحة شركات الدواء الكبرى.
الآن وحسب ما تتناقل وكالات الأنباء يواجه أوباما ضغوطا لا قبل له بثقلها من جانب أعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس للإسراع بتوجيه المزيد من الضربات الجوية والقوات العسكرية الأمريكية والأسلحة إلى أفغانستان وفق ما وعد به خلال حملته الإنتخابية.
إذن ووفقا لمبدأ المصلحة فلن يكون هناك لأوباما من مناص سوى الوفاء بوعده إرسال المزيد من القوات العسكرية إلى أفغانستان على الرغم من تدني نسبة التأييد لهذه الحرب ، ولكن ربما تتمحور لعبة التراضي بين أوباما والحزب الجمهوري فقط في عدد هذه القوات ودرجة تسليحها، وهل سيعود جيش الاحتلال الأمريكي في أفغانستان إلى ممارسة القصف الجوي والسلام أم أنه سيرسل آليات ومشاة وكوماندوز للعمل خارج المدن الرئيسية في مواجهة الطالبان وتعقب القاعدة؟؟
الجزب الديمقراطي يلعب هو الآخر لعبته الذكية حين يحرص حاليا على إجراء ونشر العديد من نتائج استطلاعات الرأي الغير مؤيدة إرسال المزيد من القوات العسكرية إلى أفغانستان .... والهدف من نشر نتائج هذه الاستطلاعات بالطبع هو خلق ضغوط مضادة لضغوط أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري الذين يدفعون أوباما نحو مزيد من التورط العسكري في أفغانستان.
الشيء الوحيد الذي يجب على البعض الكف عن التفكير فيه حاليا هو أن تؤدي الهزيمة في أفغانستان إلى تحلل الولايات المتحدة وفق ما جرى للاتحاد السوفيتي . وذلك لسبب أن التداول السلمي المدروس للسلطة في الولايات المتحدة يزيح عن كاهل الحزب الحاكم مغبة دفع فاتورة الهزيمة وحده. وبالتالي فإن وصول الحزب الآخر بديلا عنه يمنح الأمل للشعب الأمريكي من جديد في نظامه السياسي ؛ على العكس من نظام الحزب الواحد الشمولي الذي كان يسود الاتحاد السوفيتي .. هذا بالإضافة إلى أن الاتحاد السوفيتي كان مكونا من جمهوريات وشعوب متنافرة لا رابط وطني أو تاريخي أو لغوي وثقافي بينها. ولكل منها مشروعه وأحلامه الخاصة..... وبالتالي فإن المجال الوحيد الذي يجعل من تفكك الولايات المتحدة ممكنا يكمن في تحولها من نظام ديمقراطي إلى النظام الديكتاتوري العسكري أو الحزب الواحد الشمولي الذي يأتي برؤساء لا تقل نسبة فوزهم في الانتخابات عن 90% على أقل تقدير حتى لو لم بذهب الناخب للتصويت من أساسه.
التعليقات (0)