مواضيع اليوم

ورطة 000 الشيخ

روح البدر

2009-05-28 08:56:05

0

ورطة الشيخ أمام زواج الصغيرات.. الفقه الثابت والحياة المتجددة

يحيى الأمير

من مقعد الدراسة في الصف السادس الابتدائي إلى سرير غليظ وواسع جدا لا يشبه سريرها، ولا يعترف بها إلا امرأة راشدة عليها أن تقوم بما يقمن به الزوجات عادة، أمام رجل أكلت السنين من أطرافه وعقله، لكنه لا يعبأ بأي شيء يرتكبه فالقضية بالنسبة له محسومة سلفا، فلا يمكن لأي شيخ يعقد القران أن يتخذ موقفا رافضا لإتمام هذه العملية، ذلك أنه لا يوجد ما يمنع، لأن مبرر الرفض والقبول مبني على معادلة فقهية لا تعترف بالزمن ولا بالتحولات.


من هنا تنشأ المعضلة التي لا يمكن أن يحلها الفقه، خاصة إذا سلمنا أننا أمام مستويين للفقهاء: الفقيه الناقل والذي تقتصر وظيفته على حفظ الأحكام الفقهية السالفة والموروثة والخاصة أحيانا بأزمنة وظروف محددة، والفقيه العالم والمجدد الذي لديه من الأدوات ما يشتغل بها على إعادة صياغة الحكم الفقهي منطلقا من الدليل الديني ليكون مناسبا لزمنه ولمصلحة المعنيين بالحكم.
في تجربتنا المحلية يكاد يكون المستوى الأكثر انتشارا وتأثيرا هو المستوى التقليدي، وهو ما يجعل الإفتاء وظيفة تقوم أبرز مؤهلاتها على الحفظ والقراءة في كتب الفقه، لا على التفكير والاجتهاد واستخراج أحكام فقهية جديدة.
نعم، أحكام فقهية جديدة، ذلك أن أبرز ورطة يعيشها الفقه المحلي ذو الروح التقليدية أنه يسعى لإدارة متحول من خلال ثابت، وهو ما لا يتفق وفكرة الحياة أصلا، فضلا عن المصلحة والسلامة وتقديم الصورة المثلى لدور الفقه في حياة الناس.
أخطر ما في التوجهات الفقهية التقليدية حين تتحول إلى مؤسسة، أو حين تكون مصدراً للرؤية في مؤسسة ما ترتبط بحياة الناس بشكل يومي، كمؤسسات القضاء وهيئات الأمر بالمعروف مثلا، إذ يحدث نوع من الغربة الحقيقية بين الأحكام الجاهزة لذلك الفقه وبين تفاصيل الحياة اليومية، وبالتالي تحتدم العلاقة بين الجهتين إلى درجة أن تتصادم إحداهما مع الأخرى. علاوة على ذلك فإن الفقه التقليدي يحتكم لإيديولوجيا أكثر من احتكامه للقيم الدينية، فتجده يؤمن مثلا بالشمولية، ولا يعترف بالاختلاف، وحق الناس في ذلك، مما يجعل الإنكار أبرز الحوادث التي تكشف عن حالة الأزمة بين المجتمع والفقه، وما يحدث في كثير من الفعاليات الثقافية يمثل دليلا واضحا على ذلك.
الموقف الفقهي من زواج الصغيرات يدور غالبا حول الموروث من أحكام وشواهد وأحداث تاريخية في هذا الجانب، وحتى الاستشهاد بزواج الرسول الكريم من عائشة رغم أن البعض يعيد النظر في الحادثة إلا أنه أكبر دليل على عدم الالتفات للمرحلة وللتحولات ومختلف المصنفات الفقهية حين تتحدث عن شروط النكاح فهي لا تلقي بالا لقضية البلوغ وزواج الصغيرات إلا عندما يتعلق الأمر بالولي وأهمية وجود الولي والشهود، ولكنها لا تتحدث أبدا عن حكم واضح في زواج الصغيرات سواء بوجود الولي أو غيره، بل إن بعضهم يذهب إلى أنه إذا كان من قام بتزويج الصغير أو الصغيرة أو المجنون هو الأب أو الجد كان العقد لازما حتى لو بلغ الصغير أو أفاق المجنون فليس لهما الحق في فسخ النكاح.
هذه الرؤية الفقهية بكل تأكيد مرتبطة بزمنها وبثقافة مرحلتها التي لم تكن ترى الولي سوى مؤتمن على من يملك ولايته ويتم الحكم هنا وفق رؤية لا تضع في الحسبان مختلف الاستثناءات التي قد تحدث في مثل هذه السياقات، وهي الصفة التي لازمت البنية الفقهية، ذلك أن كثيرا من مصنفات الفقه جاءت شروحا وتذييلات على مؤلفات سابقة وهو ما جعل كثيرا من تلك المصنفات تتحرك بشكل دائري حول منظومة مكررة من الأحكام دون أن تلتفت لتغييرات الظروف والأزمنة. وما تحفل به أقسام الدراسات العليا في الكليات الشرعية من بحوث ورسائل علمية لا يكاد يخرج أغلبها عن تلك الدوائر الجاهزة والمكررة.
بالمقابل فإن أفضل من يقدمون خدمة حقيقية للدين وللتدين هم أولئك الذين يؤمنون بقيمة الدليل لا بظرفيته، فيكون الزمن وتكون المرحلة بالنسبة لهم عاملاً مؤثرا في إصدار الفتوى وإعادة تجديد الحكم الفقهي، وقد شهدت الساحة الفقهية العديد من المحاولات الإيجابية كما حدث في فقه الجاليات مثلا، إذ إنه توجه فقهي لاستنباط أحكام فقهية خاصة بالمسلمين الذين يعيشون في غير بلاد المسلمين، وهي فكرة تنم عن وعي بأن المجتمعات والأعراف والتقاليد لها دور مؤثر وواسع في صناعة الحكم الفقهي وملابساته.
عدا ذلك فنحن فقط أمام أصوات أفراد من الفقهاء الأجلاء، ومع أنهم لا يمثلون سياقا في الدرس الفقهي، ولا يمثلون مؤسسات يمكن أن تحول اجتهاداتهم إلى أحكام وأنظمة إلا أنهم يبلون بلاء حسنا في هذا الجانب. وهو ما يتيح مصالحة وتقديما لنموذج إيجابي من العلاقة بين حياتهم وبين الفقه، والتعلق الشعبي الواسع بما يقدمه الدكتور سلمان العودة من رؤى فقهية جديدة يؤكد على ذلك.
استمعوا مثلا لما يطرحه الدكتور عبد المحسن العبيكان فيما يتعلق بزواج الصغيرات، فرأيه الذي ينادي فيه بتحديد سن للزواج لا يقل عن ثمانية عشر عاما، وهو الرأي الذي مثل إنقاذا للفقه فيما يتعلق بهذه المسألة.
إذن.. يبدو أن الفقه المؤسساتي بحاجة إلى أن يعيد صياغة أدواته، وفق أدوات تستفيد من القوانين المدنية الجديدة، وتستطيع أن تخرج بالحياة من دوائر الأحكام الفقهية والجاهزة، ولعل وزارة العدل أبرز المعنيين بهذا الجانب، وخلافه لا يمكن لها أن تقدم أيا من مشروعاتها على الوجه المناسب، وحتى مدونات الأحكام الفقهية إذا ما بقيت في ذات البنية الفقهية الموروثة فإنها لن تكون سوى مختصر جديد لمصنفات ومؤلفات سابقة.
القضية إذن ليست في وعي الناس ولا في وجود فقهاء تقليديين، لكن المحك الحقيقي للتغير يكمن في المؤسسات التي تدير حياة الناس عبر منظومات الأحكام الفقهية. لأن الحاجة إلى ذلك تجاوزت كونها تطويراً لتصبح تحركا لرفع الظلم وإزالة الباطل، ومنع أن يحدث كل هذا الإجحاف تحت غطاء فقهي.

نقلاً عن صحيفة "الوطن" السعودية

للمزيد طالع مدونتي

http://bder.mum-blog.com/index.htm




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !