مواضيع اليوم

وداعًا "المستقبل"..أما نحن فمستمرّون

عبدو شامي

2014-01-21 18:51:08

0

 وداعًا "المستقبل"..أما نحن فمستمرون

 

إذا كان النائب "وليد جنبلاط" بطل "الجمباز" (قِسْم الاستدارات والانعطافات السريعة في السياسة) بلا منازع، فالرئيس "سعد الحريري" أثبت بجدارة أنه بطل "الوثب العالي" فوق المبادئ والمواقف والشعارات!

 

فمنذ بروزه على الساحة السياسية بعد استشهاد والده الرئيس الشهيد "رفيق الحريري"، توالت الأحداث لتثبت -على الأقل في السنوات الخمس الأخيرة- أن "الشيخ سعد" ماهر بقدرته على بناء السقوف العالية القائمة على أعمدة ضخمة من الأسمنت المسلّح بالشروط الوطنية والسيادية والاستقلالية والمدعّمة بالمواقف النارية المشرِّفة، ثم بقدرته كذلك على القفز فوق تلك السقوف والأعمدة مهما بلغ ارتفاعها، هكذا فجأة وبسحر ساحر!

 

والملاحظ هنا، أن "الحريري" لا يُقدِم على أي "قفزة" إلا إذا أرفقها بقنابل دخانية، أو بإثارة موجات من الغبار الكثيف، تخفيفًا على جمهوره الاستقلالي من هول مشهد السقوف السيادية التي هدمها والركائز الوطنية التي تجاوزها بوثبه العالي؛ ولعل أهم مكوّنات الدخان والغبار المُثارَين تختصر بمواد تخديرية مثل: "أم الصبي" و"اليد الممدودة"، وكان آخرها استعمالاً اليوم "مصلحة لبنان" و"تحكيم العقل على العاطفة".

 

فبعد "وثبته" الأخيرة بمشاركته في حزيران 2012 بجلسات "حوار التقية" التي أعقبت قفزه فوق "سقف" "أن لا حوار قبل الإعتذار عن 7 أيار وتسليم المتهمين في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى المحكمة الدوليّة"، وفقًا لما نقله عنه في 18/4/2012 النائب "نهاد المشنوق" مطمئنًا الجمهور الاستقلالي، سجَّل "الحريري" في 17/1/2014 رقمًا قياسيًا بوثبة أكثر ارتفاعًا ثمثّلت بموقف انهزامي انبطاحي صادم، حيث أبدى "استعداده للمشاركة في حكومة ائتلافية جديدة مع "حزب الله" باعتباره حزبًا سياسيًا"، معربًا عن تفائله بتشكيل هذه الحكومة! ومعتبرًا أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته"، ومبرّرا "قفزته" بأن "الخطوط الحمر تمليها حاجات البلاد، ونحن نريد الاستقرار"... ليقع مجددًا في فخ شرعنة قوى الأمر الواقع المسلّحة ومنحها غطاء جديدًا لكسب الوقت في مشروع هيمنتها على الدولة، كل ذلك تحت ذريعة حفظ الاستقرار!

 

مع انكشاف قناعه الطائفي الحاقد البغيض، بدأ "حزب الإرهاب المنظم" يبحث عن "غطاء سني" يقيه زمهرير تدخله في سوريا وخوضه في دماء الشعب السوري، فالـ"غطاء المسيحي" العوني فضلا عن كونه قصيرًا ورقيقًا وممزقًا وشفافًا... لا يخدمه في حربه على الشعب السوري لأنه سنّي بغالبيته العظمى، كما لا يفيده في ضرب سنّة لبنان المتمسكين بمشروع الدولة والمؤيدين والداعمين للثورة السورية المجيدة... إذًا لا بد من "غطاء سنّي" حتى لو استدعى الأمر بعض "التنازلات" الكلامية اللفظية المفرّغة من أي مضمون عملي كونها صادرة عن "لسان التقية" ومكتوبة بحبرها، فالتقية سيّدة الموقف في تلك الظروف، والتجربة بل التجارب العديدة خير برهان. أما ثلاثية تشريع سلاح الحزب، فأمرها بسيط ولا يعدو عن صيغة إنشائية مبتكرة، فاللغة العربية غنية وحمالة أوجه وقادرة على إيجاد صيغة ترضي الجميع وتجعل "المستقبل" يوهم شعبه أنه حذف الثلاثية ولم يشرّع سلاح الإرهاب، فيما يدّعي الحزب العكس تمامًا، أما الحقيقة فهي أن القديم باق على قدمه فعلا والدولة ماضية في الانهيار!!

 

بناء على ما تقدّم رفض "الحزب" أي كلام عن حكومة أمر واقع أو حكومة حيادية وهدّد بالويل والثبور حال إقدام رئيس الجمهورية أو الرئيس المكلف على تشكيلها؛ هو يريد حكومة سياسية بامتياز، حكومة يشاركه فيها "تيار المستقبل" للحصول على الغطاء السني المنشود، أما الجنرال البرتقالي وصهره وأقاربه فباتوا "آخر همّه"، وها هو "بكاء" الجنرال يعلو ممتعِضًا:"نحن لم نُستشر في أمر الحكومة ولا نعرف أسماء وزرائنا".

 

انتظرتُ وتمهلّتُ قبل كتابة تلك الكلمات، وقلت في نفسي لكي لا نظلم الرجل فلننتظر مقابلته في برنامج "انترفيوز" الذي تقدمه الإعلامية "بولا يعقوبيان" على تلفزيون "المستقبل"، لعل "الشيخ سعد" يقنعنا بتأويل موقفه الأخير أو "وثبته العالية الأخيرة" التي تجاوز فيها الخطوط الحمر التي وضعها لمشاركته في أية حكومة تجمعه بـ"حزب الإرهاب المنظم" والتي لطالما ردّدها ونواب "تيّاره" على مدى أكثر من عام وبشكل مكثّف ويومي خلال الأشهر التسعة على تكليف النائب "تمام سلام" بتشكيل الحكومة الجديدة. غير أن أجوبة "الحريري" جاءت ضعيفة ودون المستوى، لأنها أصلاً تدافع عن قرار خاطئ أقل ما يقال فيه إنه "هدية مجانية" للحزب، ودعسة ناقصة وانزلاق الى وادٍ عميق من أجل تسوية غير متكافئة أو تنازل إضافي مُهين في حق "ثورة الأرز" وشهدائها وجمهورها، وهذا الانقلاب المفاجئ لا يمكن أن ينجم إلا عن وحي أو أمر خارجي (سعودي في المقام الأول)، سيؤدي كالعادة الى تراجع عن المبادئ الاستقلالية والمواقف المشرّفة التي أعلنها الحريري في الفترة السابقة، وينسف الأهداف المرسومة لـ "المقاومة المدنية السلمية" لتحرير لبنان من السلاح التي أعلنها الرئيس "السنيورة" عقب اغتيال الوزير السابق "محمد شطح"...وربما قضى على ما تبقى من 14آذار!! وهو ما سنتناوله في مقال لاحق.

 

فبالنسبة لقطعه العهود أمام جمهور اللبنانيين بأنه لن يقبل بحكومة يشارك فيها "حزب الإرهاب المنظم" قبل أن ينسحب من سوريا بعد أن أمعن في التنكيل وارتكاب المجازر بحق الشعب السوري، كان جواب الحريري:" إن المشاركة في الحكومة مع "حزب الله" "هي في مكان ما ربط نزاع، فحزب الله لن يخرج من سوريا ونحن سنبقى نطالب بخروجهم، لكننا نضع الخلاف على طاولة الحكومة ليحصل حوار"!!

 

وبالنسبة لتقديمه تنازلات جديدة، حاول الحريري إيهام الرأي العام بأن المتراجع والمتنازل هو "الحزب" وليس هو قائلاً: أنه وافق على المشاركة انطلاقًا من أن "هناك فريقاً كان يهدّد واليوم تراجع، وقال إنه يتخلى عن 9-9-6، وبدأ يتحدث بإيجابية، لكن لا يعني ذلك اني أغطي سلاحه أو مشاركته في سوريا"... متجاهلاً استسلام النائب "جنبلاط" ووزرائه لإرهاب الحزب، ومتغافلاً عن الوزير الشيعي المحسوب على حصة رئيس الجمهورية في صيغة 8-8-8، والذي سيؤمِّن الثلث المعطل المموّه للحزب ويعيد تجربة الوزير الوديعة أو الخديعة الذي فجّر باستقالته عندما صدر التكليف الشرعي حكومة "الحريري" الأخيرة.

 

وبالنسبة لإعلانه عن أنه تقدّم بأسئلة واضحة للحزب تتناول تحديدًا موقفه من "إعلان بعبدا" ومن الثالوث الأخبث "الجيش والشعب والمقاومة" وأن على "الحزب" أن يوافق على الأول ويتراجع عن الثاني لكي يقبل بمشاركته في الحكومة، قال الحريري: "عندما رأينا تراجعًا من "8 آذار" عن حكومة 9-9-6 الى 8-8-8 طرحنا أسئلة وكانت الردود إيجابية"، ، ثم لا يلبث أن يناقض نفسه قائلاً: ""إننا لن نتنازل عن مطالبنا وهم أيضا لن يتنازلوا، ولكن اليوم نفتح بصيص أمل لتشكيل حكومة على رغم الخلافات الكبرى... ولا يمكن ترك البلد هكذا، نريد وقف الانهيار". وتلك قفزة مزدوجة، تجاوز فيها الحريري ما سبق وأعلنه عقب إقصائه من الحكم بإسقاط حكومته في 11/1/2011 من أنه لن يقبل بأي تعهد من "الحزب" إن لم يكن مكتوبًا وممهورًا بتوقيعه ومصورًا بحضرة شهود، وذلك بعد نكثه بعهود "الدوحة".

 

وأما عن تبنيه التصنيف الأوروبي للحزب الإرهابي، والذي فرّق بين جناحيه السياسي والعسكري، فقد تهرّب الحريري من الإجابة قائلاً بضحكة ساخرة: "إيه نحن أوروبيون نحن أوروبيون". هذا مع العلم أن الحزب نفسه يرفض فكرة التفرقة بين جناحيه وقد أعلن ذلك صراحة، وهذه حقيقة، فالحزب أسسه "الخميني" عام 1982 على أنه ميليشيا مسلحة شعارها البندقية وهدفها تصدير الثورة الخمينية وإلحاق لبنان بإيران.

 

خلاصة الموضوع بسيطة جدًا بالنسبة للشيخ "سعد": ثمة "خلافات جوهرية، ولكن مصلحة الناس والبلد تحتم علي تحكيم عقلي على عاطفتي، واتفق مع حلفائي على ضرورة الحذر من المشاركة في حكومة مع 8 آذار"، مشيراً إلى أن "هناك بعض الأمور الاجتماعية والاقتصادية يجب معالجتها(...) وهناك استحقاقات أمام لبنان ويجب علينا أن نتحرك". لافتًا الى أن "كل تفجير يقابل بتفجير آخر، ثم يوزع الملبّس هنا أو هناك ولكن من يفعل ذلك؟ إنه بشار الاسد". وأضاف: "البلد لم يعد يحتمل وأنا من واجبي أن أجد معادلة للخروج من الوضع المؤلم".

 

إذًا، كل ما فعله الحريري هو أنه وجد "معادلة الخلاص"، "حكّم عقله" خلافًا للقاعدة الجماهرية لقوى 14 آذار ولحكيم ثورة الأرز الدكتور "سمير جعجع" المتمسكين بالثوابت والمبادئ الدستورية والسيادية والاستقلالية والرافضين المساومة عليها أو تجريب المجرّب وأن يُلدغوا من الجحر مرّتين بعد الألف، فهؤلاء على ما يبدو هم أسرى لعواطف تسيّرهم استطاع الحريري التحرّر منها من خلال "تحكيمه العقل" وتغليبه على العاطفة، فقرّر أن يكرّر ما فعله "نجيب ميقاتي"، سيجلس مع الإرهابيين ويقوي ظهرهم بحكومة ائتلافية سنية-شيعية، وهم سيتابعون إرهابهم في الداخل باسم "داعش" والتكفيريين وفي الخارج باسمهم الشخصي، أما هو فسينتظر الشهيد التالي من القوى الاستقلالية وسيبقى يطالبهم بتسليم السلاح وبالانسحاب من سوريا!!

 

أعلنها "الشيخ سعد" أكثر من مرة وأعادها في مقابلته الأخيرة: "لا شيء يفرّقني عن حلفائي في 14 آذار إلا الموت"، وبالفعل نجح "حزب الموت" في تحقيق تلك التفرقة. وداعًا "تيار المستقبل"، أما نحن فمستمرّون.

عبدو شامي

21/1/2014




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !