مواضيع اليوم

وداعا كوردستان .. والى الابد .. (الحلقة الثانية)

(الحلقة الثانية)


عبد الهادي فنجان الساعدي


كان الطريق بين اربيل ودهوك يحتوي على سيطرات كثيرة لم نستطع عدها الا أن المهمة منها والصعبة هي ثلاث سيطرات بحيث ان في كل تقاطع سيطرة وفي كل شارع طويل العديد من السيطرات والمدن العربية والكوردية متداخلة كتداخل العلاقات العربية والكوردية وكانت المدن الكوردية اكثر نظافة وترتيبا من حيث الارصفة والتبليط والتشجير واجمل ما في المدن الكوردية هي مداخلها ومخارجها التي تدل على العناية الشديدة والذوق الجميل .
كانت هناك سيطرة تسمى سيطرة (الشيخان) وهي من اصعب السيطرات واكثرها دقة وتفتيشا وقد اوقفونا بأمل ان نرجع الى اربيل لاننا لا نحمل الكفالة واخذوا كافة الهويات والاوراق الثبوتية وبعد نصف ساعة خرج الضابط وهو شاب في الثلاثين من العمر ويتكلم الكوردية والعربية فقلت له بانني صحفي في جريدة الاهالي فقال : لولا انني اعرفك واقرا مقالاتك الجريئة لما سمحت لك بدخول دهوك .. ثم صاح على السائق واوصاه ان يذهب بنا على طريق الضيوف وهو طريق وعر وقد دمرته الشاحنات الكبيرة وصعوبته تتمثل في العشرين كيلومتر الاخيرة . لقد كان هذا الضابط يمثل الجانب الايجابي من هذه الرحلة وهكذا يثبت الجانب الثقافي تفوقه على الجانب السياسي لانه الاجدر والاكثر صحة وفعالية .
كانت هناك سيطرة قبل الشيخان او بعدها ايضا لاقينا فيها الامرين في التفتيش واخيرا وصلنا الى اخر سيطرة قبل الدخول الى دهوك وهي سيطرة المصير .. حيث فتشوا السيارة تفتيشا دقيقا وفتشونا ايضا تفتيشا دقيقا ثم اخذوا الهويات والاوراق وقد اعطيتهم هويتي الصحفية .. فسالوني : هل هي مهمة صحفية .. هل انت قادم لكي تكتب عنا ؟ قلت : لا .. أنها زيارة لمكتب الجريدة في دهوك .. ولم نسمع كلمه : تفضلوا مع السلامة .. حتى تغير كل شيء .. وكانت الزيارة بالفعل لمكتب دهوك ومدينة دهوك .. ولم تكن بقصد العمل .
بعد هذا المكان مباشرة .. وصل مضيفنا الاستاذ رئيس التحرير واستلمنا من السائق .. شكره بالكوردية ورحب بنا بالعربية ثم بدأت رحلة الداخل . في هذه الاثناء سالني عن السفرة قلت بانها (ولاده) !! . حيث لم نصدق باننا وصلنا الى هذا الجزء من اجزاء بلادنا .. وكاننا مسافري التهريب الى بلد اخر .
رحلة الداخل حوالي ثلاث ساعات حيث نزع مضيفنا روح المدينة وارتدى روح المضيف الريفي الذي يحاول ان يبذل اقصى ما لديه من الخدمة . واخذنا على طريق جبلي يكثر فيه الصعود والنزول والاستدارات والاشجار والزرع والجبال والمياه والسدود حيث تحس بانك تتجول في مجاهل لم تالفها من قبل من الاراضي التي لا تنتمي الى هذه الصحراء القاحلة .. وبعد فروض الضيافة من الاكل والاستراحة اعادنا مضيفنا الى دهوك عن طريق اخر اكثر استقامة واكثر سهولة من الطريق السابق وشرح لنا الكثير من تاريخ المنطقة وكفاح البيشمركة والمواقع السياحية المهمة والطرق التي تؤدي اليها ثم عدنا للحجز في الفندق والاستراحة حتى يحين المساء .
عندما حان المساء ذهبنا الى (مازي). وهذا البناء الحديث يمثل دار استراحة متكاملة حيث فيه اسواق مركزية وكافتيريا يحيط بها اللون الاخضر من الحشيش والاشجار الجميلة اضافة الى مكان مسقف ولكنه مفتوح على هذا المحيط الاخضر وعلى مرأب للسيارات كبير جدا ومسيج بسياج من الاشجار الجميلة وبعده سياج حديدي ذي اشكال رائعة .
اهم شيء .. انك تشعر بالامان وتستطيع أن تسهر الى ساعة الاغلاق . ولكن هذا الامان كان ثمنه غاليا حيث ان كوردستان اشترت القليل بالكثير فقد انتهت السياحة الخارجية وبقيت السياحة الداخلية لابناء كوردستان وعوائلهم فقط وعوائل عربية قليلة جدا كانها جالية صغيرة تعيش في بلد غير بلدهم .
نظرة الاجيال الكوردية الجديدة هي غير نظرة الاجيال الكوردية القديمة حيث تجد الغرابة والدهشة في العيون الشابة اما الاجيال القديمة فتجد فيها الشفافية والود القديم الذي يربط الاجيال العربية والكوردية برباط الاخوة القديم البسيط . ونجد ذلك في سائق السيارة القديم والبائع كبير السن وكانهم يستنشقون عبير التاخي القديم الجميل .
بجانب (مازي) كانت هناك مدينة العاب حديثة ومتقدمة وهي غير مدينة الالعاب القديمة التي تشبه الى حد بعيد حديقة الزوراء في بغداد . أما الجديدة فهي مدينة العاب غربية وفيها انماط جديدة وغريبة من العاب التسلية .
في اليوم التالي افطرنا في الفندق (بيضا وجبن مثلثات) ثم سافرنا الى المصايف حيث مصيف سولاف الجميل وكنا قد رايناه قبل حوالي 30 سنة فكانت انفاس الجبل التي تتردد في خرير الماء منذ الابدية وحتى الان .. ولكن المجرى اختلف حيث تم رصفه بالحجر والكونكريت وكان مصيفا رائعا جدا الا انه يشكو قلة السياح وخصوصا في الصباح والظهيرة اما في المساء فتاتي العوائل الكوردية الى هذا المكان الجميل الذي ينبع قريبا من اعالي الجبال (سولاف .. ايتها الانشودة الجميلة التي بدات ولم تنته) .
أما العمادية فهي مدينة معلقة في اعلى الجبل وهي من مدن كوردستان العجيبة الا انك ستشعر بعد ان تصلها بانها مدينة اعتيادية لا تختلف عن باقي مدن العراق او كوردستان بشيء ولكن يعوزها برج عال يتمتع بالسكن فيه السياح لانه يطل على اجمل بقاع العالم . بين سولاف والعمادية هناك مشروع فندق سياحي حيث تم زرعه في مقدمة الجبل بمواجهة الوادي والمشروع ينم عن ذكاء وذوق سياحي لمصممه .
لن تستطيع الكلمات ان تصف سولاف رغم بساطتها فهي تحمل عمق الانسان الكوردي وبساطته وشفافيته ومعاناته من بيع الكثير بالقليل . انها تشكو فراق الاحبة في ظل حصار كوردستان من اجل الامان .
لقد تركوا سرسنك ، ذلك المصيف الرائع الذي قضينا فيه اجمل ايام شبابنا حيث قضينا فيه سبعة من ايام العسل الثمانية (سرسنك .. اه ايتها المدينة التي كانت شاهدة على الكثير من افراح العراقيين وبارودهم ودمائهم) .
عندما عدنا الى دهوك – المدينة، عدنا الى محطة الاستراحة (مازي) الذي كان محطة للاجساد التعبة . وفي اليوم التالي افطرنا على (بيض وجبن مثلثات) ونحن نغني (الماء والخضراء والوجه الحسن). زرنا مكتب الجريدة في اليوم التالي وكانت التهيئة لاصدار العدد الجديد جارية وهيئة التحرير منهمكة كالعادة في هذا الاصدار حيث يتركز العمل في هذه الايام وياخذ منحى الجدية . بعد ذلك ذهبنا الى (مازي) وعدنا لنتعشى في المدينة حيث تختلط اسماء الاكلات بغريبها .
في اليوم التالي تهيأنا للسفر الى اربيل حيث كنا في الليلة السابقة قد اتصلنا بازاد سائقنا القديم فرد علينا بانه سياتي في العاشرة صباحا لينقلنا من دهوك الجميلة التي رأينا فيها ان نسبة البناء والتطور هي تقريبا 30% اما نسبة الغلاء فهي 300% حيث ان سعر البانزين التجاري (1250) دينار للتر الواحد . اما الحكومي فيستطيع السائق ان يحصل على 40 لترا في الاسبوع بالسعر الحكومي لقضاء اشغاله الضرورية . بقية المواد تتراوح فروقات اسعارها عن باقي مدن العراق بالضعف او الضعفين بشكل عام .
في حديث لوزيرة الاعمار بيان دزه ئي ظهر في تلفزيون العراق بان هناك 500 شركة تركية تعمل في العراق وعند التاكيد على مناطق عملها قالت انها تعمل في كوردستان حصرا عدا شركة واحدة تعمل في تلكؤ في احدى مدن الجنوب !!
لم نشاهد الا القليل من الشركات ولم نشاهد الا القليل من الاعمار. اين هي النهضة التي بشرونا بها وقالوا بانهم سيبنون العراق كما بنوا كوردستان . اعتقد بان المسؤولين في كل هذه المنطقة المحصورة بين قوس الاطلسي وقوس الصين هم تجار كلام فقط .. فلقد رايت بعيني وسمعت باذني ولن اكذب ما رايت او ما سمعت !!




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !