نمت صباح الأحد الخامس من رمضان بين دفتي كتاب "قصائد أعجبتني" للمبدع الدائم الراحل غازي القصيبى رحمه الله رحمة ً تغنيه عن رحمة من سواه 0 وأفقت صلاة الظهر لذات اليوم على وقع رسالة تأبين و نعى تزف صاحبه إلى مثواه الأخير 0 لا عجب في الأمر كلنا أموات وهل أديم الأرض إلا من أجساد الموتى 0 أوليس كل ما فوق التراب تراب 0 وهل أنا إلا هالك وأبن هالك
وذو نسب في الهالكين عريق
0المفارقة ليست في خبر وفاته بل في قرآئتى لهذا الكتاب وفى هذا اليوم بالذات برغم قرآئتى له قبل سنتين ولم يك شيئا 0 لم يضع غازي في هذا الكتاب شيء من أدوات الغازي والمحارب المعروف بكثرة أدواته في حربه وسلامه ولم يبرز فيه مهارة استخدامه لتلك الأدوات حتى لو لم يستخدمها ضد أيديولوجيا محاربيه أو حتى تلاميذه ومتابعيه 0مع أن كل مفردات اللغة مكنوزة في ذاكرة لا تفصلها عن لسانه شعرة واحده 0 ووسائل بناء مفردات لغته لا يفصلها عن قلمه إلا ورقته 0 ومع ذلك اكتفى باختيار قصائد أعجبته وأمتنع عن نقدها بنائيا ولا لغوياً بحجة أن النقد شرف لايدعيه0أما ما دعاني لقرآئته ثانيه هو إعجابي باختياره لقصائده وإعجابي الشديد بمقدمته لكتاب قصائد أعجبتني وكأني قرأته ثانية لكي لاأنسى مقدمته التي يقول : كثيراً ما تكون القصيدة الخالدة مسرحيه أو ملحمة أوروايه أوسيمفونيه :
- أختار القصيدة المسرحية 0 واحر قلباه 0 لمالئ الدنيا وشاغل الناس أبو الطيّب الذي لايزال الناس مختصمين في أمره بعد ألف سنة من وفاته بين متطرف لحبه كونه ضمير الأمة العربية ومتطرف لبغضه كونه رمز لتجسيد النفاق والتقلب 0 المتنبي بالنسبة للمؤلف أسطوره فوق النقد ولهذا أمتنع من وضعة تحت مجهر نقده الثاقب أما قصيدته فهو من أختار لها أن تكون مسرحيه درامية مثيره للجدل لاأحد يجيد تفهمها مالم يتصور الجو العام الذي أحاط بها وظروف إلقائها 0 يتتبع المؤلف كيف بدأ الشاعر بالغزل
- واحر قلباه ممّن قلبه شبم ومن بحالي وجسمي عنده عدم
- الجميع يضنون الخطاب ليس لسيف الدولة واعتقدوا أن الخطاب لايزال للحضور ولكن البيت الآخر كان موجّه للأمير مع ضربة جانبيه للأمم التي تدعى حب الأمير 0
مالي أكتم حباً قد برى جسدي وتدعى حب سيف الدولة الأمم
إن كان يجمعنا حب لغرته فليت أنّا بقدر الحب نقتسم
قد زرته وسيوف الهند مغمدة وقد نظرت إليه والسيوف دم
فكان أحسن خلق الله كلهم وكان أحسن مافى الأحسن الشيم
وينتقل درامياً وكأن عين المؤلف تراه وهو يقرّع أميره بهذا العتب الجميل:
ياأعدل الناس إلا في معاملتي
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
أعيذها نظرات منك صادقة
أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورِم
ويرى المؤلف أن الشاعر صرف نظره عن سيف الدولة ليلتفت لاعداءه في أكثر النقلات درامية وإثارة
سيعلم الجمع ممّن ضم مجلسنا
بأنني خير من تسعى به قدم
أ نا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء جفوني عن شوا ردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم
يرى المؤلف تطابق صورة الأمير وصورة الشاعر وكأن الشاعر يمدح الأمير من خلال شخصيته هو لاحظ
الخيل والليل والبيداء تعرفني (تعرفه)
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
وفى صورة أكثر دراماتيكية يشيد المؤلف بانتقال الشاعر إلى التلميح للأمير بأن المشكلة الماثلة معه وليست مع خصومه
يامن يعز علينا أن نفارقهم
وجداننا كل شيء بعدكم عدم
لم يفهم الأمير التلميح حسب قراءة المتنبي لملامحه فأعتمد التصريح مع التهديد المبطن لسيف الدولة
لئن تركن ضميراً من ميامننا
ليحدثن لمن فارقتهم ندم
وضمير جبل بين الشام ومصر والقصد إذا حدث الفراق فإنه سيذهب إلى مصر
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا
ألاّ تفارقهم فالراحلون هم
هو إذن لم يرحل وإنما سيف الدولة هو الذي رحل عنه0
وتنتهي المسرحية بفصل الختام حسب رؤية المؤلف 0 بطلها الرئيسي المتنبي وبطلها الثاني سيف الدولة وكل الشخصيات الأخرى تأتى وتذهب ومع تغير خلفية المسرح يجيء الأعداء ويهربون 0 تشهر السيوف وتغمد0 وينفرد المتنبي بالمسرح وخلفه مشاهد الخيل والليل ويدخل الأعداء والحساد ويتلقون نصيبهم 0 ثم يعود المتنبي وسيف الدولة لوحدهما 0 إنها حقا القصيدة المسرحية التي أنتهت0
-القصيدة الملحمة : ( الأطلال ) لإبراهيم ناجى كما رفض النقد والتعليق عليها لغوياً كما يفعل النقاد بحجة أجزم أنا عكس مايقول تماما 0 إنه تواضع المتمكن أو حياء الكاذب بغية التواضع 0 كيف وهو البارع المحسن لمهارات النقد المتقصي لأسبابه والذي يأسره كل تعبير مبتكر وكل صورة جميلة وكل جرس موسيقى داخل وخارج كل نص 0 أعتقد المؤلف أن الأطلال عقرت نقداَ وتحليلا وعليه فلا مبرر لتكرار المكرور 0 أٌعجب المؤلف بقصيدة الأطلال في بحر السابعة عشرة من عمره وأدرك أن إبراهيم ناجى مظلوم من القراء ومن النقاد قبل أم كلثوم 0 ناجى أختار للأطلال أن تكون ملحمة0
ويقول المؤلف نحن في واقع الأمر أمام ملحمة بطلاها أثنين ومحورها الرئيسي الحب وحده تخيل يبدأ الشاعر الأطلال بصدمة كهربائية بدايتها إعلان وفاة نعى – مثل ماأنعى المؤلف اليوم –
يافؤادى رحم الله الهوى كان صرحاً من خيال فهوى
اسقني وأشرب على أطلاله وارو عنى طالما الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبرا وحديث من أحاديث الورى
يقول المؤلف إن الشاعر أكتشف خداعه لنفسه وأن الحب قد انتهى من جانبها بينما لايزال متأججّا في جانبه
يارياحاً ليس يهدأ عصفها نضب الزيت ومصباحي أنطفا
وأنا اقتات من وهم عفا وأفي العمرٍٍِ لناسٍٍٍٍٍِ ما وفى
يعترف الشاعر بحقيقة الحب القديم الجديد0
ياغراماً كان منى في دمى قدرا كالموت أوفى طعمه
ماقضينا ساعة في عرسه وقضينا العمر في مأتمه
في نهاية الملحمة لم يكن الشاعر مسؤؤلاً عن نهاية القصة أكتشف الظلم الواقع على محبو بته وأعترف أن الأقدار هي المسؤولة
كنت تمثال خيالي فهوى المقادير أرادت لايدى
ويحها لم تدر ماذا حطمت حطمت تاجي وهدت معبدي
وتنتفض الكبرياءالجريحه المتمردة
أعطني حريتي أطلق يدي إنني أعطيت ما استبقيت شي
آه من قيدك أدمى معصمي لم أبقيه وما أبقى علىّ
يقول المؤلف أساءت أم كلثوم للأطلال وأحسنت للشاعر رحمه الله
ورحم مؤلف قصائد اعجبتنى فهو بحق ذائقة شعرية وقامة أدبيه لاتتكرر
التعليقات (0)