كان احسان جالسا على كرسي باحدى صالات الانتظار في المستشفى العام ، وكانت الصالة عبارة عن ساحة داخلية صغيرة مغلقة تحوي عددا من الكراسي الجلدية وفي منتصف الصالة كانت هناك طاولة مستطيلة الشكل صغيرة أكل عليها الدهر وشرب وفوقها كانت هناك مزهرية تظم باقة من زهور الياسمين ، اما الجدران فقد كانت مطلية بالون الابيض وعلى احدها علقت اية قرآنية كريمة (( قل لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا)).
أحسان كان يفكر بالحال الذي ال اليه مصير عائلته الصغيرة المكونة من زوجته ليلى وابنة محمد ، فقد توفيت ليلى منذ مايقارب ال 10 سنوات بعد ان عاش معها lأجمل وارق لحظات السعادة التي كان يحلم بها منذ الصغر ، والان ابنه الوحيد يتأرجح مابين الحياة والموت ، فقد اصيب منذ سنة بعجز كلوي ، وقد ساءت حالته الصحية اليلة وهو الان يرقد في مركز العناية المشددة .
وبينما كان يسرح بعيدا عن الواقع فأذا بطبيب العائلة الدكتور امين يدخل الصالة ويتوجه نحوه بخطى بطيئة ومتثاقلة وامارات الحزن تعلو محياه ، وقال بصوت غير مسموع :
سيد أحسان اعلم انك انسان تقي ومؤمن بقضاء الله وقدره لهذا اطلب منك التمسك والصبر .
ثم سكت برهة وقال : يؤسفني ان اقول لك ان ابنك محمد قد توفي منذ دقائق بعد ان توقف الوظائف الحيوية في جسمه.
ثم أضاف : حالونا جاهدين انقاذه مما هو فيه ولاكن ارادة الله وقضاءه فوق كل شيء كما تعلم .
تزاحمت الافكار والكلمات واصوات من كانوا بالمستشفى وصوت الطبيب على رأس احسان وظا ليانه معقودا لبرهة لايقوى على الكلام .
ثم قام مستندا على حافة الكرسي وقال بصوت مخنوق :
شكرا لك يادكتور امين لجهودك التي بذلتها من اجل محمد ولكن قدر الله وماشاء فعل ... شكرا لكم جميعا.
أجاب الطبيب :
سيد احسان لا تشكرني ارجوك ، المهم هو انت يجب ان تتماسك وتتجلد وتسلم امرك الى الله .
ثم ربت على كتفه واضاف : تحلى بالصبر وتذكر ان الحزن والبكاء عمل لاطائل منه وان الايام لا تعود الى الوراء .
وخرج بعدها تاركاً وراءه ابا محطما منهارا لا يقوى كاهلة على حمل المزيد .
عندما خرج الدكتور امين ارتمى احسان على اقرب كرسي والحزن والالم يعتصران قلبه ، هو الان بحاجة ماسة الى البكاء ، انه بحاجة الى البكاء ليطفىء به نيران قلبه وليخفف به من وطاءة الصدمة وهول المفاجاءة .
ثم انخرط في بكاء حار ، بكاء اختزل في داخلة جميع عناصر الالم والمعاناة ، الالم الناتج من شدة الصدمة و الفراق الابدي والالم من الزمن القاسي الذي اصدر حكماً جائرا علية وعلى من يحب ، والمعاناة .... المعاناة من عذاب الفراق ووحشة العيش وحيدا ً بلا أمل وبلا هدف وبلا ولد .
أسترجع ، والدموع تحرق وجنتيه ، ذكرياته الجميلة ، عندما اهداه الله ها الولد بعد طول انتظار ، بعد ان تجرع مرارة الصبر وطول الانتظار هو وزوجته ليلى مايقارب خمسة وعشرون عاماً.
وحتى عندما أطفاء القدر انوار سعادته الزوجية مع ليلى ، لم يحزن ولم يستكين للضعف ولم يشعر بالضياع ولم يفقد الامل وأحس ان الله عوضه عن زوجته بأبنه الحبيب محمد الذي ملاء عليه الدنيا وعقد الامال تل والامال بمحمد وكان الناس يسالونه دائما نفس السؤال الذي يتكرر عندما يفقد الشخص شريك حياته :
لماذا لا تتزوج وتبدأ حياتك من جديد ؟
وكان يجيب اجابة واحدة قاطعة لا جدال فيها : يكفيني ابني محمد فقد بدأت حياتي فيه )).
اما اليوم فقد كل شيء فقد السعادة وفقد الامل وفقد النجاح ... بهذا الفقد تختتم فصول قصة احسان بوفاة ابنه الحبيب محمد .
وقام من على كرسية وهو يردد مع نفسه ... وداعا ياولدي ... وداعا ياولدي ... وداعا ياولدي
راميار فارس الهركي
12/12/2010
التعليقات (0)