مواضيع اليوم

وحـدة الـمسلمين في السـودان ... تجـاوز بقايا المشروع الحضاري

أميرال الاميري

2012-04-17 11:14:57

0

وحـدة الـمسلمين في السـودان ... تجـاوز بقايا المشروع الحضاري
محمد الأمـين عبد النبي
مدخل :
( ليس من حق أحد أن يقف أمام الملأ ويقول : أنا الاسلام ؟ ليس من حق أحد أن يتحصن بكتاب الله ثم يعلن علينا من ورائه أن من صره وأيده فقد دخل في زمرة المؤمنين الصالحين ، ومن خذله أو عارضه فقد خرج عن كتاب الله وصار من أعداء الله المارقين ، ليس من حق أحد أن يزعم بأنه يتمتع بحصانة إسلامية خصته بها السماء من دون كل المسلمين فرفعته فوق الرؤوس ، ونزهته عن النقد والسؤال ، وأحاطته بسياج من العصمة والقداسة )
الاستاذ فهمي هويدي
.... في الربع الأخير من فبراير الماضي إحتفلت هئية شئون الانصار بالمولد النبوي الشريف في تظاهرة غير مسبوقة حيث أعلن من داخل الإحتفال عن صحيفة وحدة المسلمين في السودان بمشاركة ومباركة من الامأم الصادق المهدي ومن الطرق الصوفية ومجلس الاعلي للتصوف ومجلس الذكر والذاكرين وجماعة أنصار السنة المحمدية والحركة الاسلامية وحزب الوسط الاسلامي ومجلس التعايش الديني وعدد مقدر من العلماء والدعاة وقد جاء ت الكلمات معبرة عن عبقرية الحدث ومستبشرة بالخطوة التي تعكس متانة التعاقد والتسامح الديني في السودان والدعوة للعمل الاسلامي الهادف للتوافق والتوحد وقفل باب الفتنة المذهبية والطائفية وتفويت الفرصة علي المتأمرين الذين يجدون من التنوع الثقافي والاثني والمذهبي سانحة للفتنة ، والتحزير من إستغلال الدين لإغراض دنيوية وسلطوية والدعوة لضرورة تجديد الخطاب الديني الذي يعكس كل التنوع . يأتي هذا الحدث المهم في مسيرة العمل الاسلامي في السودان بعد سلسلة من التشويه للإسلام تنظيراً وممارسةً بفعل جماعة الاسلام السياسي (الانقاذ) وبروز الفكر التكفيري والتعصب المذهبي والإرهاب بفعل الجماعات السلفية المتشددة والمتطرفة ، وتبرير علماء السلطان لظلم الحكام وتفتيت الوطن فقد خدروا الأمة وجعلوا الدين ( أفيون ) . كل هذه الاخفاقات التي تمت بإسم الدين الاسلامي زادت من علو الصوت العلماني المنادي بفصل الدين عن الدولة وتعدد الانقسامات داخل الصف الاسلامي الواحد فخرجوا جماعات متطرفة من نفس الثوب الاخواني والسلفي ( الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة وأخواتها ) وجماعات عنصرية ( منبر السلام العادل ) ذات غايات سياسية تتخذ من الدين ستاراً بل مطية في اغلب الاحيان لتمرير سياسات ابعد ما تكون عن الدين الاسلامي ، وعلماء وأئمة مساجد يلعبون دور تغيب العقل الجمعي للأمة بالخطب الرنانة والعبارات البراقة لدعم السلطان والطغيان وتغبيش للوعي بالقضايا الاساسية ، كل هذه اللافتات في ظاهرها تدعو الي تصحيح مسار الانقاذ الأسلاموي ( الواو للإدعاء ) وفي باطنها روح عدائية سافرة أضرت بالاسلام والسودان . هذا الواقع المحبوس في قالب التطرف والانكفاء أدي الي تنامي الوعي الذي يلاحق المشروع الحضاري ( القائم علي الشريعة الاسلامية حسب زعمهم ) عن المخالفات الشرعية والفساد والإستبداد والقهر والظلم بأسم الأسلام والتفسخ الاخلاقي والضايقة المعيشية والربا والاستثمارات المشبوهه والحروب وعلو شان القبيلة والجهة ، هذا الواقع ( المدغمس) علي حد خطاب القضارف الشهير جعل أمر الشريعة مرهون لمزاج الحكام فبماذا كنا نحكم طيلة فترة الانقاذ ؟ وما هو تفسير مناصرة أهل الإنقاذ للمتنطعين والخوف من التكفيرين ؟ إن بؤس وإفلاس الخطاب المعرفي الاسلامي للإنقاذ ( المشروع الحضاري ) أنتج ظاهرة الطيب مصطفي العنصرية وظاهرة الخليفي وعباس الباقر التكفيرية وفاقم العنف المذهبي وجفف منابع الحوار الفكري القائم علي الحكمة والموعظة الحسنة ، وذلك لإحتكار وإنفراد أهل الانقاذ وحفائهم للشان الديني والسياسي ونفي الاخر والتحيز ضده .
أزاء هذا الواقع المشحون بالغيوم والمخاطر فاننا كسودانيين ومسلمين في اشد الحوجة لمثل هذه اللحظة ( مشروع التعاقد علي وحدة المسلمين ) التاريخية لنبذ العنف والتكفير والتشدد والتطرف بكل إتجاهاته وتعميق ثقافة التسامح والحوار ومقتضيات العيش المشترك والبحث عن القواسم المشتركة . فنجاح هذه المبادرة الطيبة مربوط بطبيعة المبادر والعمل الجاد في جعلها واقع معاش . لاشك أن الانصار أكبر كيان ديني في السودان وذو توجه وسطي معتدل ومنفتح علي كل الجماعات الاسلامية في السودان . إستمد هذه الوضعية من عمق التاريخ ومن مرتكزات ومبادي الدعوة المهدية التي إتفقت مع اصول كل هذه الجماعات فنجد تركيز الدعوة المهدية علي عملية إحياء الكتاب والسنة مطابق لدي أهل السنة ، وأن للتكاليف والاحكام الاسلامية جذور روحية متطابقة مع مبدأ المتصوفة ، ودور الامامة في القيادة الدينية توافق مع الشيعة ، والحركة في الفقه الاسلامي والتجديد توافق مع الفلاسفة المسلمين ، وأعلاء فريضة الجهاد مرتكز لدي الحركة الاسلامية ، تجاوز المذاهب والفرق مع الولاء الكامل لقطعيات الوحي كمبدأ لدي دعاة الصحوة والإحياء ، بذلك تكون المهدية قد صهرت العناصر الايجابية في هذه المذاهب في بوتقتها لتعيد صياغة التدين السوداني وهويته الثقافية لتكون إمتداداً طبيعياً للحضارة الاسلامية ، هذه الوضعية جعلتها محور العمل الإسلامي مما يشكل بعداً مهماً في الحفاظ علي مشاعل الحق .
مبادرة وحدة المسلمين في السودان في حد ذاتها ليس جديدة ، بل فإن العقل المسلم السوداني في كل محنة تمر بها البلاد نجده يطلق نداء الوحدة والتوافق كعاصم من الفتنة والتشظي . عندما دعا نظام الانقاذ الى مشروعه الحضاري الذي فرض أحادية دينية في بلد متعدد الأديان، ودفع في نشر ثقافة العنف وفتح الباب واسعاً أمام الجماعات الاصولية والمتطرفة ، والتي نفذت هجوم في فبراير 1994 م في مسجد الثورة الحارة الاولى وقتلوا جماعة من انصار السنة المحمدية وغيرهم . وقتها أطلقت هيئة شئون الانصار عهد الولاء والبراء( ولاء حول نهج الحوار والتسامح وبراء من نهج العنف والتكفير ) ونسبة للضغوط الأمنية علي الهيئة في تلك الحقبة لم يتم متابعة هذا المجهود الكبير ليثمر تعايشاً وتسامحاً . فتوالت أحداث مماثلة وعديدة تمثل العنف باسم الدين، بود مدني، وحادثة عباس الباقر والاعتداء على المسيحيين إبان احتفالاتهم بعيد القيامة أبريل 2001م. الإعتداءات المتواصلة بحرق وتدمير الاضرحة والقباب وإطلاق الفتاوي التكفيرية في حق د. الترابي والحزب الشيوعي والامام الصادق المهدي وإهدار الدماء لعدد من الناس ، وحرق معرض الكتاب المقدس وجاءت أخيراً أحداث المولد 1433هـ بساحة مسجد الخليفة بأم درمان في فبراير 2012م .
لذا جاءت المبادرة سريعة ( في نفس الشهر ) لمجابهة هذا المد التكفيري والعنصري بهذا الترياق الوحدوي والتوافقي لنزع فتيل الفتنة الطائفية والعنصرية ، وقد تلقفتها كل الجماعات الاسلامية الحريصة علي حماية الدين والوطن . مما يستوجب علي هيئة شئون الانصار العمل المضني لمواصلة هذا المجهود للوصول لمبتغاه وإعطائه الاهمية القصوي لكي لا تكون هذه المبادرة كسابقتها وتعكس التعبير عن رد الفعل ليس الا . خاصة إن بعض الاصوات الشاذة عن إجماع الامة أدركت حكمة وعبقرية الخطوة فأطلقت ما يسمي بـ( جبهة للدستور الاسلامي) لتجميع المتطرفين والعنصريين كردة فعل لصحيفة وحدة المسلمين .
إن قضية وحدة المسلمين في ليس بالقضية الهامشية كما تلاحظ ذلك من عدم التغطية الأعلامية التي تليق بالحدث . وتتطلب تشخيصاً وتحليلاً عميقاً يستصحب المناهج والافكار والقيادة والمنطلقات وليس توصيفاً فحسب ولكن في هذه المساحة يمكن إجمالاً القول إن علي كل الجماعات الاسلامية في السودان الملتزمة بهذه الصحيفة أن تدرك :
• إن الافراط في فرض اي إتجاه فكري علي المجتمع لايؤدي الا الي الإفراط في التمرد عليه والافكار التي تفرض بالقوة وتعمم بالقوة لا تكون موضوع ايمان بقدر ما تكون موضوع خوف من سلطان قد تهيمن شكلياً وسطحياً وتفقد فاعليتها ومعناها والمشروع الحضاري نموزج عملي لذلك . أما الافكار الخلاقة هي التي تولد حرة ويستجيب لها الناس بحرية دون ترغيب او ترهيب هي التي تسود ويكتب لها الخلود .
• إننا بحاجة الي إعادة النظر في المناهج والاساليب التي تشكل وعي الدعـاة والعلماء وتكوينهم الفكري والنفسي قبل العامة ، لان بعضهم من خلال تصرفاتهم وقناعاتهم الخاصة يصادرون قيم الاسلام ويلوون عنق الحقيقة إنسجاماً مع امزجتهم وميولاتهم .. فيصورون الاسلام وكانه دين الانقضاض علي مكاسب الاسلام والجامح لقدراته ، فهو دين الرحمة والمحبة والالفة والتعايش واللين والمعاملة .
• آن الاوان أن يخلص الاسلام من الفهم القشري والجامد والمشوه ، لان هذا الفهم العقيم هو الذي ادخل هذه البلاد في المتاهات والتحديات والأزمات المتفاقمة من تقسيم وتشتيت وتفتيت تحت عناوين ومسميات مختلفة .
• إن وحدتنا الوطنية تقتضي منا جميعا كسودانيين نبذ التعصب ومحاربة ثقافة الاقصاء والاحقاد ونفي الاخر والتكفير والتخوين هي التي أدخلتنا نفق الضياع والتردي ، ما احوجنا اليوم للوحدة الوطنية وتمتين الموقف الاسلامي الداعم لهذه الوحدة عبر وحدة الصف الاسلامي ولايتم ذلك الا بطرد ثقافة التمييز بين ابناء الوطن الواحد والمجتمع الواحد .
• أن وحدة المسلمين في السودان مرهونة بقناعتنا و قدرتنا في تأسيس ثقافة أجتماعية إسلامية قوامها الحوار والتسامح وإحترام الاختلاف والالتزام بحقوق الانسان والحريات ونبذ التعصب والاقصاء . بناء هذا الوعي الاجتماعي والديني يطلب إحداث قطيعة معرفية ونفسية إتجاه ثقافة الكراهية والتعصب والفتن والمماحقات . والتخلص من الصورة النمطية والذهنية عن الاخر والبحث عن القواسم المشتركة بيننا كمسلمين ( كلما كانت الصورة النمطية كبيرة كلما كان النزاع بين الجماعات الاسلامية كبير، وكلما كانت القواسم المشتركة بين هذه الجماعات كبيرة كلما كان التسامح والتوحد كبير ) فالنظرة للاخر وللذات تكون واقعية وموضوعية تكتشف الابعاد الحقيقية التي تدفع للتواصل والحوار وقبول الاخر .
• لوحدة المسلمين هذه مطلبات أهمها التعاون وحسن الظن والثقة المتبادلة لخلق مناخاً إجتماعياً وثقافياً وهذا لا يتأتي الإ بالتمسك بحرية الراي ونفي الاكراه بكل اشكاله والاستبداد والاضطهاد ومصادرة الحقيقة ، ومن اهم الياته الحوار والتواصل والتلاقي.
• إن كل مشاكل السودان العصية سببها في الاساس غياب العدل ( الظلم ) فالواجب يتطلب توطيد أركان العدل في الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي لانه بوابة الاستقرار والتعايش السلمي .
• أن الأنتماء المذهبي أو الطائفي لم يكن في يوماً من الايام مظهراً للانقسامات او التشتت وإنما تعبيراً علي حيوية العقل المسلم المستوعب للنص الديني والمستنبط للاحكام والمفسر للنصوص وهذا لا يتم الا بالحوار العلمي والمنطقي ، وبذلك هذا التمذهب والاختلاف هو ثمرة بحث جاد نحو الحقيقة ، فالاختلاف بهذا المعني يكون رحمة ولا تعني هنا اختلاف الاضداد القائم علي النزاع والمماحقات ، الواجب يحتم المحافظة علي قيم الحوار والتنوع والإجتهاد والانفتاح علي الاخر وازالة الحواجز الاسمنتية التي تحول دون التواصل والتوافق علي الالتزام بالثوابت الدينية والوطنية .





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !