يجمع المؤرخين والمفكرين على أن عصر النهضة الإيطالية هومرحلة إنتقالية فى تاريخ تطور المجتمعات بين عصري النظام الإقطاع والنطام الرأسمالى، وقد بدأت النهضة إثر الهروب الجماعى لأقنان الأرض من الإقطاعيات إلى المدن، كما أدى موت عدد كبير من النبلاء الإقطاعيين فى الحروب الصليبية وبقاء عدد منهم لفترات طويلة بالشرق وإنتقال من عاد منهم للإقامة بالمدن للأشتغال بالتجارة التى إزدهرت آنذاك إلى خلو الاقطاعيات من ملاكها مما أدى إلى حدوث فوضى وإضطرابات نتج عنها تدهور الإنتاج الزراعى وإنهيارالنظام الإقطاعى. السؤال الذى يتبادر إلى الذهن هو لماذا حدثت هذه الأحداث فى هذه المنطقة وفى القرن الثالث عشر بالذات، وكذلكالأسباب والملابسات التى أدت إلى أفول النهضة عن جنوب أوروبا وانتقالها إلى غربها وشمالها؟.
فى البحث عن إجابة عن هذا السؤال سيتضح لنا قيام مشاركات متزامنة لأقوام عديدة فى إحداث هذه النهضة وتحديد مسارها، إبتداء من شعوب شرق آسيا التى أذدهر عندهم إنتاج البهارات والأقمشة والخزف والصينى والبورسلين، وشعب جاوا يجنوب آسيا والقواسم والحضارمة بالجزيرة العربية الذين تفوقوا فى بناء السفن والمعدات البحرية وفنون الملاحة وتأمينها، إضافة إلى شعوب مصر والشام وغرب آسيا، حيث تمكنت دولة المماليك المصرية من تأمين طريقى الحرير البرى والبحرى إبتداء من دخولهما غرب آسيا والبحر الأحمر حتى وصولهم إلى موانئ اليحر المتوسط الشرقية، وأصبحت السلع التى تسلك هذين الطريقين تصل الى دول المدن الأوروبية بشكل منتظم وآمن منخفض التكاليف، و قامت هذه الطرق بالإضافة لنقل التجارة بنقل الثقافة وعلى رأسها الكنوزالفكرية اليونانية المترجمه إلى العربية ابن عصر اذدهار الدولة العباسية، إضافة إلى المساهمات المستقلة للشعوب الآسيوية، كما سبق أن قامت الحملات الصليبية ( بصرف النظر عن كل مايحيط بها ) بدورالجسرالثفافى بين شعوب القارتين، وقد أدى سيطرة العثمانيين على بيزنطه فى القرن الخامس عشرإلى نزوح جماعى لأهلها الى دول المدينة الإيطالية محملين بالكنوز الفكرية والفنية اليونانية، كما أدى إستيلاء الملك فرناندو على أسبانيا فى نفس القرن وطرد اليهود منها إلى لجوئهم للمدن الإيطالية محملين بالذهب والمهارات. كل هذه الوقائع والأحداث المتزامنة والمتلاحقة تفاعلت مع الواقع الإيطالى وأنتجت النهضة.
ولكن التأثيرواسع النطاق الذى أحدثه تحول طرق التجاره بعيدة المدى عن البحر المتوسط، بعد إكتشاف رأس الرجاء الصالح وسيطرة البرتغال وهولندا على طرق الملاحة بالمحيط الهادى والهندى والأطلنطى منذبدايات القرن السادس عشر،أدى إلى أضمحلال طريقى الحرير البرى والبحرى. وبإنتقال السيطرة إلى بريطانبا بعدهزيمتها لهولندا عام 1713وسيطرتها على بحارالعالم منذ ذلك الحين. تحول البحر المتوسط إلى أشبه ما يكون ببحيرة إقليمية، وأضمحلت أحوال دول المدن الإيطالية. وكأن الأقدار لم تكتفى بهذا القدر من الكوارث التى ألمت بها فقد اصيبت بكارثة أخرى بدأت بإنتشار الأساطيل العثمانيه فى البجر المتوسطوسيطرتها على عدد من جزره وفرض حمايتها على بعض القراصنه وإعطائهم الملاذ الآمن، إلى أن انتهى الأمر بتكوين أسطول عثمانى فى غرب البحر المتوسط قوامه الأساسى من هؤلاء القراصنه بقيادة القرصان الأشهر ٌ خير الدين بربروسا ٌ وأعطته لقب قابودان وأمدته بالأفراد والسفن والمعدات. وقد سيطر هذا الأسطول على مياة المتوسط وقضى على سيطرة خطوط الملاحة التجارية الإيطالية عليه. وبهذه التطورات طويت صفحة من صفحات النهضة الأوروبية.
وعندما إنتقلت النهضة إلى شمال أوروبا ابان القرن السادس عشر، فتحت صفحة جديدة من تطور الحضارة البشرية وأنطلقت مع الكشوف الجغرافية و الثورة الصناعية، وساهم فى نموها وإزدهارها على مدى قرون كميات الذهب الهائلة التى نزحت من أمريكا اللاتينية، والمعدلات العالية من النمووالتطورالتكنولوجى الذى أتاحهما إستيطان الرجل الأبيض للأراضى الجديدة بأمريكا اشمالية بعد إبادة 80 مليون من سكانها الأصليين والقيام بالإستثمار واسع النطاق بهذه الأراضى إرتكاذا على عمل السخرة للعبيد المجلوبين من أفريقيا. كما ساهم فى هذا الأذدهار وأستدامتة الحصول على مدخلات الصناعة من مواد اولية وطاقة من المستعمرات والدول المتخلفة بأبخس الأسعار وبيع السلع المصنعة فى أسواقها بأعلى الأسعار.
بالتالى فإن كل هذه الشعوب قد ساهمت ودفعت أثماناً غالية سواء فى النهضه الإيطالية أو فى بناء الرأسماية ونجاح الثورة الصناعية ولايمكن نسبتهما إلى الشعوب الأوروبية وحدها، وبالتالى فان ثمارها هى ملك للبشرية كلها. لذلك فعلى شعبنا أن ينهل من ثقافة هذه الحضارة التى شارك فى بنائها كيفما شاء ولايلقى بالا للتهم التى يمكن أن توجه إليه من هنا أوهناك بالكفرأوالفرنجة والتغريب.
التعليقات (0)