الكثير الكثير من الاقلام انبرت للنقاش حول قرار مجلس محافظة بغداد والداعي لغلق النوادي الترفيهية والاجتماعية..وكثير ايضا كان هوالنقد والتحليل والنقاش و التقاطع في وجهات النظر ما بين مؤيد مهلل مبارك وما بين رافض ساخط مستنكر..
والاكثر كانوا هم الساكتون المراقبون المتسالمون على اعتبار ان مثل هذه المواقف تعد المكان الاسلم في قمة التل الضائع في خضم التراشق المسرف والكيل للاتهامات التي تتارجح في بون شاسع من الاختلاف مابين الدمغ بالاصولية والرجعية والانغلاق والاعتداء على الحريات العامة وما بين الرمي بالفسق والفجور والكفر البواح..
ولكن الاقل ..والاقل بشكل واضح..هم من تناولواالموضوع مجردا من ضخامة المصطلحات التي تتقافز من النصوص الاخرى وتعاملوا معه من زاوية تأثيره على اسلوب وضوابط اصدار القرارات في الدولة العراقية الديمقراطية والتعددية..ومصدر ومنابع استقاء واستنباط القوانين والتعليمات ضمن الاطار الاداري والتنفيذي في مفاصلها..
فعلى الرغم من الوجاهة المفترضة للمعطيات التي يقدمها مؤيدو القرار وضخامة المصطلحات التي تتخذ كمبررات لاستصداره..ولكن لا يمكن باي شكل من الاشكال ..وبعبارات اكثر ضخامة واتساعا..التغاضي عن الطابع التفردي المتجاوز القافزعلى الآليات الدستورية المتفق عليها والتي تحدد وتلزم جهة القرار بالخطوات الواجب اتخاذها في مثل هذه القرارات..خصوصا وان هذه الاندية تخضع لضوابط وقوانين نافذة تحدد وتنظم عملها.. وحاصلة على اجازات بممارسة المهنة مما يجعل من الصعب الاقدام على اغلاقها ، لان الاجازة تعني موافقة القانون والدولة على عملها..
وليس من المفيد تجاهل وتناسي ان مثل هذه المشاريع قد تمت بتشجيع ودعم وتمويل -عن طريق الاقراض الميسر -وتسهيل حكومي تمثل باضفاء الحماية عليها باعتبارها جزء من متنفس تحتاجه العاصمة وسكانها من المواطنين الذين قد لا يتفقون تماما مع معتقدات السادة اعضاء مجلس المحافظة..بل ان الامور وصلت الى انذار القائمين عليها من بعض الممتنعين عن ممارسة نشاطاتهم -خوفا وفرقا وتجنبا لسطوة المجاميع المسلحة التي تستهدفهم-بسحب اجازاتهم ومنعهم من ممارسة عملهم في حالة عدم فتح محلاتهم..
كان المنتظر من مجلس المحافظة اتباع الاسلوب القانوني المتمثل بعرض الامر على مجلس النواب للعمل على استصدار قرار قد يمثل حلا توافقيا ما بين قرار المجلس والقوانين التي فتحت بموجبها مثل هذه المنتديات الاجتماعية..مع الاخذ بنظر الاعتبار ان حجم تمثيل الاحزاب الدينية فيه قد يسهل لمجلس المحافظة مثل هذا الامر..وخصوصا وان طبيعة المجتمع العراقي المحافظة وضآلة التأثير الذي تمثله تلك الملتقيات وقلة عددها واقتصارها على مواقع ذات صفة محددة تعسر امكانية التوسع في اعداد مرتاديها قد تجعل الامر برمته قابل لبعض الانتظار المجدي.. والاكثر ايلاما كان هو الاشارات غير الموفقة التي صدرت من بعض السادة اعضاء مجلس المحافظة الى استناد هذا القرار الى قوانين سابقة لمجلس قيادة الثورة السابق-والذي لا اعلم لماذا لم يقال الموقر- ..متناسين ان غالبية اعضاء المجلس واحزابهم وحتى ناخبيهم يعدون من الخونة والعملاء ومهدوري الدم لدى قوانين النظام البائد الذي كان قمة هرمه هذا المجلس المنحل ..والتي يستشهد بها البعض دون الالتفات الى مدى الضرر الذي يمكن ان يسببه لضمائر ومشاعر وآلام الملايين من العراقيين الشرفاء..
كنا ننتظر من مجلس المحافظة ان يتبع الاسلوب المعتاد في مثل هذه القرارات من خلال العمل على الترويج المسبق له ومحاولة تكوين رأي عام مؤيد ومتفهم لدواعي اصداره وبذل بعض الجهد في شرح مبرراته وموجباته ..وجهد اقل في تكوين تجمع سياسي يمكنه من دعم القرار في مجلس النواب لكي يكون به من الشرعية والالزام ما يقلل من مساحة الاعتراض والرفض التي من الممكن ان يجابهها من قبل بعض المواطنين الذين ام لم يكونوا اخوان للسادة اعضاء مجلس المحافظة في الدين والفكر..فهم نظرائهم في الخلق على الاقل..ويسقط عنه تهمة الاساءة للحريات الشخصية..
فليس من الحكمة ان يكون اسلوب استصدارالقرار بهذا الشكل الصادم والقسري والمؤلب المفتقر للتهيئة الاعلامية اللازمة واتباع طريق الانذارات المتدرجة للمخالفين ..والذي يوحي للاسف بوراثة المجلس لتقنيات التجاهل والاستخفاف بالرأي العام الذي يعد علامة فارقة في الادارة العراقية ودمغ كل سياسات الانظمة السابقة التي تبوأت الحكم في العراق..وقد لا نجانب الصواب اذا اعتبرنا ان صفة الكيفية والانتقائية والاجتزائية والفوقية التي حكمت اسلوب اصدار القرارات في النظام البائد هي محور التقاطع الرئيسي مع غالبية شرائح المجتمع العراقي..وانه يجب في دولة يحتوي دستورها على عشرات الاشارات للحرية الشخصية ان لا يتخذ اي قرار من الممكن ان يعد مساسا بها الا من خلال اليات بالغة الصرامة والشفافية هي من اهم ثوابت ومتبنيات دولة العدل والمواطنة والقانون التي ننشد والتي انتخبنا من انتخبنا على اساس الوعد ببنائها..فهو ليس اعتراض على هذا القانون..او اي قانون متخذ حسب الضوابط الدستورية ..ولكنها دعوة لاعلاء لكلمة القانون..
اقول قولي هذا ولا انسى ان اسجل البراءة التي اصبحت من المسلمات في مثل هذه النصوص واعلن باني لست من شاربي الخمر ولا معاقري الراح ولست من مرتادي هذه المنتديات..ولكني من الذين يعتبرون ان بناء المجتمع المدني التعددي الحر وسيادة الدستور والقانون هو الجائزة الوحيدة التي يمكن ان تساوي الدماء الغزيرة الطاهرة التي اريقت على درب التحرر والاستقلال..اقولها لكي اضمن بان لا اصنف ضمن"ثلة"المفسدين والداعين الى الفجور والفحشاء والمنكر والمحللين لما حرم الله..وان كنت لا اعتقد ان فئة الغفلة والجهل والانسياق وراء الافكار الغربية والوافدة سوف تخطئني ..من قبل البعض على اقل تقدير..
التعليقات (0)