مواضيع اليوم

وتريات ليلية ـ للشاعر مظفر النواب ـ مختارات

يوسف رشيد

2011-03-27 05:45:00

0

  في تلك الساعة من شهوات الليل ،

 

وعصافيرُ الشوكِ الذهبية تستجلي أمجادَ ملوكِ العربِ القدماء ..

وشجيرات البَرِّ تفوح بدفء مراهقةٍ بدويةٍ ،

يكتظ ُّحليبُ اللوز ، ويقطرُ من نهديْها في الليل ،

وأنا تحت النهديْن ، إناء ..

في تلك الساعة ، حيث تكون الأشياءُ بكاءً مطلقْ ..

كنتُ على الناقةِ مغمورًا بنجوم الليل الأبدية ،

أستقبلُ روحَ الصحراء ..

يا هذا البدوي المُمْعِنُ بالهجرات ،

تزَوَّدْ قبل الربع الخالي بقطرة ماء ..

كيف اندَسَّ بهذا القفص المُقفـَل ، في رائحةِ الليل ؟!

كيف اندَسَّ كزهرةِ لوز بكتابِ أغانٍ صوفية ؟!

كيف اندَسَّ هناكَ ، على الغفلةِ مني ، هذا العَذِبُ الوحشيُّ الملتهِبُ اللفتاتِ ؟!

هروبا ، ومخاوفَ ..

يكتبُ فِيَّ .. يمسح عيْنيْهِ بقلبي في فلتةِ حزنٍ ليلية ..

يا حاملَ مشكاة الغيبِ بظلمةِ عينيْكَ ..

ترنـَّمْ من لغةِ القرآن .. فروحي عربية ..

يا طيرَ البرق ، أخذتَ حمائمَ روحي في الليل إلى منبع هذا الكون ..

وكان الخلقُ يِفيضُ ، وكنتَ عليَّ حزين ..

وغسَلتَ فضاءَكَ في روح ٍأتعَبَها الطين ..

تعِبَ الطينُ ..

سيرحلُ هذا الطين قريبًا .. تعِبَ الطين ..

عاشَرَ أصنافَ الشارع في الليل .. فهُمْ في الليل سلاطين ..

نام بكلِّ امرأةٍ .. خبَّأ فيها من حَرِّ النخلِ بساتين ..

يا طيرَ البرق ..

أريدُ امرأة ً بالدفْءِ القبريِّ تلوِّثني لأسابيع ..

تنمو فيَّ بألفِ ربيع ، وتغطـِّيني بألف ربيع ..

وأراكَ براحتها السوداء من السَّكـَراتِ ، تـطيرُ كخط الحظ سعيد ..

وأمسحُ عيْنيَّ بما فيكَ من الزَّغبِ الطفليِّ ، حناني ..

وأتابع هجرتكَ البيضاءَ وحيدًا ، وأرى فيكَ بقايا العمر ، وأوهامي ..

يا طيرَ البرقِ القادمَ من جنـَّاتِ النخل بأحلامي ..

يا حاملَ وَحْيَ الغسَق ِالغامضَ في الشرق على ظلمةِ أيامي ..

احمل لبلادي حين ينام الناسُ ، سلامي ..

يا مُشمِسَ أيام اللهِ بضحكةِ عينيْكَ ..

تـَرَنـَّمْ من لغةِ القرآن ، فروحي عربية ..

يا طيرَ البرق .. أحبُّ ، أجهَلُ ، كيف ؟؟ لماذا ؟؟ من هي ؟؟

لا أعرف شيئا .. الحب بأن لا تعرف شيئا ..

 ☼☼☼

في تلكَ الساعةِ من شهواتِ الليل ،

وعصافيرُ الشوكِ تفلـِّي الأنثى بحنين ..

صنعتني أمي من عسل الليل بأزهار التين ..

تركتني فوق تراب البستان الدافئ ،

ينمو في قلبي النملُ الأخضر ..

وحلمتُ هناك بسكين ،

وتلوَّنَ في شفتيَّ سُحاقُ السكر ..

أين تركتَ نداماكَ حبيبي ؟؟

عبروا جسرَ السُّكـْر ، وماتوا الواحد بعدَ الآخر ..

وبقيتُ أحَدِّقُ في الخمرةِ وحدي ..

وغمسْتُ يدي ، ومسحْتُ .. سأسكـَر ..

سأسكـَرُ فالعالمُ مملوءٌ بالليل .. فكيف تعاتبني ؟؟!!

كيف أتوبُ ؟؟!!

هل تابَ النورسُ من ثِقل جناحيْه المكسوريْن ؟؟

وهل تاب الطِيبُ الفاغِمُ في رسغ امرأةٍ خاطئةٍ .. فأتوبُ ؟؟

هل تاب الخالقُ من خمر الخلق ،

ومسَّحَ كفيْه الخالقتيْن لكل الأوزار الحلوة في الأرض ؟؟ ..

فتلك ذنوب ..

تعالَ لبستان السِّرِّ ،

أريكَ الرَّبَّ على أصغر برعم وردٍ يتضوَّعُ من قدَميْه الطِيْبُ ..

قدَماهُ مُلوَّثتان بشوق ركوب الخيل ، وتاءُ التأنيث على خـُفـَّيْهِ تذوبُ ..

ما دام هنالكَ ليلٌ ، ذئبٌ .. فالخمرة مأوايَ ..

وهذا الجسدُ الشبَقِيُّ غريبُ ..

صنعتـْني في ليلةِ حبٍّ أمي .. أتساقط من زهر الأمطار ، وأسألُ :

ثلج الإنسان ، متى سيذوبُ ؟؟

تركتـْني فوق تراب البستان الدافئ ، يجمعُني الفقراء ..

ومَرَّ غريبُ ..

يعرفُ قـَدْرَ الزَّهر ، فأفرَدَ حِجْرَيْهِ لروحي .. وتسَاقطـْتُ له ..

ذلكَ مكتوبُ ..

☼☼☼

يا طيرَ البرق ، تأخرْتَ ..

فإني أوشِكُ أنْ أغلِقَ بابَ العمر ورائي ..

أوشِكُ أنْ أخلعَ من وسخ الأيام ، حذائي ..

يا للوَحشةِ .. اسْمَعْ ..

فوراءَ محيطاتِ الرُّعبِ المسكونةِ بالغِيلان ،

هنالكَ قلعة صمتٍ ..

في القلعةِ بئرٌ موحِشة ، كقبور رُكـِّبْنَ على بعض ..

آخِرُ بئر ، يُفضي بالسِّرِّ إلى سجن ..

السجنُ به قفصٌ تلتفُّ عليه أغاريدُ ميتة ، 

ويضمُّ بقيَّة َ عصفور مات قبَيْلَ ثلاثة قرون ..

تلكم  روحي ..

منذ قرون ، دُفِنتْ روحي .. تلكم روحي وبُكاي ..

أبحثُ عن ثدْي يُرضِعُني ، فأنا خاوٍ، والليلُ كعُمْر الأموات .. طويل ..

وأريدُ حليبَ امرأةٍ بإنائي ..

في تلك الساعة من شهواتِ الليل .. يجوعُ إنائي ..

والكلماتُ يَصِلـْنَ لِحَدِّ الإفراز ..

يا أبواب بساتين الأهواز، أموت حنينا ..

غادرْتُ الفردوسَ المُحتـَلَّ ، كنهر يهربُ من وسخ البالوعات ، حزينا ..

أحملُ من وسخ الدنيا :

أن النهرَ يظلُّ لمجراهُ أمينا ..

أن النهرَ يظلُّ أمينا .. أن النهرَ يظل .. يظلّ أمينا ..

أينَ امرأة ٌ توقِدُ كلَّ قناديليَ .. فالليلة تغتصِبُ الرِّيحَ حزينا ..

هذا طينكَ يا ألله .. يموتُ به العمرُ ، ويشتعلُ الكبريتُ جنونا ..

هذا طينكَ .. قد كثـُرَتْ فيه البصَماتُ ، وأفسَقَ فيهِ الوَعيُ سنينا ..

هذا طينكَ ، تتقاذفـُهُ الطرقاتُ بليل المنفى والأمطار ..

دلـَّتـْني الأشعارُ عليكَ ، فكيف أدلُّ عليكَ بجمر الأشعار ؟؟

جَعَلتـْني الدّمعاتً ، كمنديل العرس طريًّا لا أجرحُ خدًّا ..

خذني وامسحْ فانوسَكَ في الليل ، نشِعُّ بكل الأسرار ..

لا تلـُم ِ الكافِرَ في هذا الزمن الكافر ..

فالجوعُ أبو الكفار ..

مَولايَ .. أنا في صفِّ الجوع الكافر ،

مادام الصفُّ الآخر يسجُدُ من ثِقل ألأوْزار ..

وأعِيذكَ أن تغضبَ مني ..

أنتَ المَطوِيُّ عليكَ جناحيَ في الأسحار ..

☼☼☼

أتشهّى كلَّ القِططِ الوسخةِ في الغربة

لكنّ نساءَ الغربةِ أسماكٌ

تحملُ رائحةَ الثلج ..

وأتعبني جسدي

يا أيَّ امرأةٍ في الليل

تُداس كسلةِ تمر بالأقدام

                تعالي !

فلكلِّ امرأةٍ جسدي ..

وتدٌ عربي للثورة ، يا أنثى ، جسدي ..

أضحك ممّن يُغريني بالسّرج

وهل يُسرَجُ في الصبح حصانٌ وحشيٌّ

وَرثَ الجبهة من معركة " اليرموك "

وعيناه " الحيرة "

والأنهارُ تحاربُ في جسدي ..

قد أعشقُ ألفَ امرأةٍ في ذاتِ اللحظةِ ،

لكنّي أعشقُ وجهَ امرأةٍ واحدةٍ

في تلك اللحظةِ

امرأةٍ تحمل خبزًا ودموعًا من بلدي ..

 

الأحد ـ 27/03/2011




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !