مرة جديدة يثبت لنا تنظيم "داعش" الإرهابي أنه صنيعة أجهزة استخبارات سورية-إيرانية مشتركة، نما وترعرع بتغطية أميركية، مهمّته الأساسية القضاء على الثورة السورية وتغيير ملامح وجهها مِن وجه أطفال درعا المسالم البريء الى وجه وحش كاسر طعامه الرؤوس وشرابه الدماء. أما كل ما تقوم به أميركا منذ إعلانها عن بداية الحملة الدولية العسكرية لضرب هذا التنظيم، فما هي إلا عملية رسم حدود وتقليم أظفار، تمامًا كالأم عندما تقوم بتأديب ولدها بقسوة مدروسة لا تسبِّب له أذى يُذكَر.
جديد جرائم "داعش" إقدامهم على إحراق الطيار الأردني الأسير "معاذ الكساسبة" حيًا حتى الموت، بعد أن حبسوه في قفص أرضيّته (كما ملابس "معاذ") مشبّعة بالمواد سريعة الاشتعال؛ شعلة نار وضعها أحد الإرهابيين عن بُعد على فتيل "ترابي" حارق موصول بالقفص كانت كافية كي تستعر النار بالطيار المحبوس ليسلّم الروح متفحّمًا بعد لحظات أشبه بسنوات من العذاب... عذاب وألم تسلّل الى قلب كل من شاهد الفيلم الذي صورته "داعش" بتقنية عالية ومؤثرات صوتية مرعبة ضاهت أفلام الرعب السينمائية، والتوقيع كالعادة بعد كل الجرائم: "الإسلام"! هذا الدين الذي على رأس ضوابط العقاب لديه أنه "لا يعذّب بالنار إلا رب النار" كما ورد في الحديث النبوي الشريف.
نعم، لا بد من الاعتراف، لقد استطاع سفّاح العصر "بشار الأسد" أن يصنع وحشًا بشعًا قد يظنه البعض وللوهلة الأولى أكثر بشاعة ودموية وإجرامًا مِن صانعه، ونجح في تسويق هذه الصنيعة والديباجة لدى الرأي العام في كثير من دول الغرب؛ والسؤال: ما ذنب الشعب السوري الثائر الذي لا يملك التقنيات السينمائية كي يوثّق أفلام رعب لأكثر من 250ألف شهيد بين رضيع وطفل وامرأة وشاب وعجوز يتم تعذيبهم وقتلهم وحرقهم سواء ببراميل "الأسد" المتفجرة أم بسلاحه الكيميائي الذي لا يزال يستخدمه الى اليوم، أم في أقبية استخباراته حيث فنون التعذيب تجاوزت الأساليب النازية والصهيونية بأشواط كبيرة؟! الجواب لا يحتاج كثيرَ بحث وتدقيق، الشعب السوري المنتفض لحريته وكرامته يتعرض لعملية إبادة منظمة على أيدي سفّاحه والحرس الثوري الإيراني والميليشيات الملحقة به من الحزب الإرهابي اللبناني الى غيره من العصابات العراقية، كل ذلك بتغطية دولية لم تعد تخفى على أحد بعد أن حشد الائتلاف الدولي قوته العسكرية لـ"ضرب" "داعش" وحدها دون المساس بالنظام الأسدي في استراتيجية تؤدي الى تقوية "الأسد" على حد إقرار وزير الدفاع الأميركي "تشاك هيغل" نهاية تشرين الأول2014؛ أما "ذنب" الشعب السوري فهو أنه تجرّأ على قلب الطاولة على الجميع وتغيير المعادلة الصهيو-أسدية المرساة منذ نصف قرن في المنطقة بقوله "لا" لطاغيته.
في حضرة عمليات الموت الشنيعة لا مكان لإلقاء النكات ولا للفكاهة، هذا ما يعرفه الصغار قبل الكبار، غير أن الحزب الإرهابي انتهك هذه الآداب بروايته نكتة "إدانته الجريمة الوحشية النكراء التي ارتكبتها داعش بحق الطيار الأردني(...)، والطريقة الدنيئة التي استخدمتها في ارتكاب الجريمة والتي لا يستعملها إلا عتاة القتلة السفّاحين"! رغم فكاهة هذه "الإدانة" بسبب صدورها عن حزب إرهابي ذمّته واسعة في القتل وجسمه "لبّيس" في تصفية الطيّارين بعد أن أسقط مروحية الضابط الطيار "سامر حنا" وأعدمه ميدانيًا بدم بارد عام 2008... مع ذلك أصاب الحزب في أن طريقة القتل هذه لا يتستعملها إلا عتاة القتلة السفّاحين، فالإعدام حرقًا هو الطريقة الدنيئة ذاتها التي فجّر بها الحزب موكب الرئيس "رفيق الحريري" بطنّين من المواد شديدة الانفجار تم مزجها بمواد شديدة الاشتعال يصعب جدًا أطفاؤها ليقضي حرقًا حتى الموت كل مَن نجا من الموت بسبب عصف الانفجار؛ هذا ما حصل بالفعل مع النائب "باسل فليحان" الذي عذبه الحزب بالحرق حيًا حتى الموت الى أن فارق الحياة بعد نحو شهرين من المعاناة، وهذا ما فعله الحزب بالمُسعف "مازن الذهبي" الذي خرج من الموكب مشتعلاً وفارق الحياة بعد دقائق، وهذا ما فعله الحزب ربما بالـ"حريري" نفسه وبكل عنصر من جهاز أمنه قضى متفحّمًا ليس محبوسًا داخل قفص إنما داخل هيكل سيارته المشتعل.
إن "داعش الأم" وأخواتها يستثمرْن اليوم في "داعش البنت" لتلميع صورتهن وتعمية الأنظار عن خطرهن وأمومتهن وأبوّتهن لها، وفي النهاية سُلالة الإجرام واحدة وكلهنّ أخوات في "الداعشية"؛ مع ذلك علينا أن لا نغفل عن أن العقل الاستخباراتي الذي استطاع صُنع "داعش" مهما بلغت وحشيّتها وبربريّتها يبقى بلا شك عقلاً يفوقها قذارة وإرهابًا واجرامًا وتكفيرًا، وأنه إذا كانت "داعش" اختارت "الإسلام" لترتكب باسمه إجرامها فإن "حزب الإرهاب المنظم" فاقها جرأة على انتهاك المقدسات حيث اختار "الله" تعالى مباشرة ليرتكب باسمه إجرامه وينفذ مشروعه.
التعليقات (0)