مواضيع اليوم

وا.....زنبقة مرج بن عامر

محمد أبوعلان

2009-09-03 08:15:41

0


بقلم لأسير المقدسي: حسام زهدي شاهين
سجن رامون الصحراوي
22/7/2009
الحكم: 23 عاماً


حتى أكون واضحاً من بداية مقالتي هذه، هناك إعتراف لا بد منه، فعلاقتي العاطفية تقوم على أساس غير متكافئ، حيث أن حبيبتي أغنى مني وجدانياً بكثير، فالواردات منها أكبر وأعظم من الصادرات مني، وإن كان تبادل المشاعر بيننا بهذه العلاقة يمثل تياراً متبادلاً وجارياً على نمط الإنتاج الإقطاعي القائم على النظام الإشتراكي، خاصة وأن قلبينا الآن يقفان على مسافة واحدة من "دائرة الصمت العاطفية" بعد أن هندتني رويداً رويداً.
في حواراتنا المزنزنة يختلف النقاش في فحواه ومضامينه وإسقاطاته عنه في الحوارات المفتوحة، ففي داخل السجن نحن نأسر الوقت وإن كان مسروقاً منا، بينما في خارجه هو الذي يأسرنا وإن كنا نمتلكه، فعندما صغت مشاعري بكلمات متأثرة بلغة السجناء أو لنقل مرتبطة بطبيعة الحياة الإعتقالية، سألني صديقي هادي مستغرباً: إقطاع وإشتراكية، نظامان متناقضان لا يلتقيان، كيف يمكن أن تضعهما في سلة واحدة؟ فأجبته قائلاً: في السياسة يا صديقي هذا الكلام صحيح، أما في الحب فهذا المزج ممكن، بل هو سر تألقه، فعاطفياً كل منا خاضع لإقطاعية الآخر من غير المسموح له غير ذلك، وإجتماعياً كلانا شريك للآخر ولا يمكن لنا الإستمرار في الحياة من دون ذلك.

 


فلم يكن نشوء الحب في قلبي لها مصحوباً إلا بإبتسامة صادقة وبريئة نهضت من على فوق شفتيها وصارت نحوي مترددة بخطوات متعثرة كخطوات طفلة خجولة، حيث كانت تنهض وتكبو من تحت جفنيها، فما أن إقتربت مني بتوجس حتى بسطت لها ذراعي مرحباً، لأجدها تسارع الخطى متجاوزة بوابة الجسد ومتخطية لبوابة القلب بسرعة أبهرتني محدثة في الجو عشقاً سرمدي.

كيف أجند روحي ومشاعري لأحاكيها...!! بعد أن حاصر ثوار عينيها قلبي بقيادة الجنرال (وفاء) وهدموا كل الحواجز والحصون التي شيدتها من حوله رغماً عن إرادتي، بل حباً فيها، من أجل منحها الحياة التي حرمت أنا منها. ففي كل صباح أنظم لها عرساً في قلبي، وكلما دجدج الليل أعيد تنظيم نفسي عسى أن يكون في اليوم التالي عرسها أجمل وأفضل من اليوم الذي سبقه، فبعد أن سكنتني أصبحت هي ديباجة قلبي وخاتمته، وأعلموا أنني أعلم بأن ضريبة الحب الذي يروي الفؤاد هي التضحية، ففي مجتمعنا الموبوء بثقافة العشيرة، هي لازالت قابضة على حبها لي كالقابض على الجمر، وبالنسبة لي فالجمرة التي تحرق عمرها هي قلبي، لذلك أغيثوني بإجابة صادقة، كيف أحميها منه!! إن كان من بينكم سميع مجيب النداء
هنا يحتد النقاش وتعلو وتيرة الجدل وتتسارع أفكار بشكل عبثي أحياناً، فكل منا قادم من بيئة إجتماعية مختلفة وله موروثه الثقافي الخاص، فلا تستغربوا إن حمل نقاشنا جانباً من شؤون القلب، فإن كنا من وجهة نظركم أبطالاً فذلك لا يعني بأننا خسرنا إنسانيتنا، ونطمئنكم بأننا لازلنا نمتلكها، والبعض منا تعلمها أكثر.
الأسرى من حولي يمطرونني بالنصائح والأسئلة، فمنهم من يقول لي: إترك الأمر كما هو عليه والزمن كفيل بخلق حل لهذه الحبكة "الشكسبيرية أو القيسية"، ومنهم من يطالبني بالإرتباط بها، وآخرين يحرضونني على أن أقصوى عليها لكي أدفعها نحو الحياة، وجماعة أخرى ترفض مجرد فكرة الحب في الظروف التي نحياها ومنها من يرفض الحب لأجل الحب ويحرمه ويعتبره مفسده ويدعو إلى الزواج التقليدي. وفئة منهم تقول لي: إن ما تكتبه مجرد قصص أدبية من وحي الخيال، قد تنطبق بعض أحداثها على جزء منا، كلام جميل نقرأه ونحبه، ولكن في الحقيقة لا يوجد عندك حبيبة، وبقيه باقية تعتريها الحيرة والدهشة وتحبس ألسنتها بالصمت، لأنها لم تجد من الكلمات ما تعقبتها به، وبصراحة مزعجة بعض الشيء، إن جل هذه التدخلات مجرد تطفلات إنسانية، منها ما هو مبرر لجرح يعتمل في صدر البعض منهم، ومنها ما يقوم على حب ورغبة الإستطلاع ليس إلا، أما كيف أصبحت قصتنا محور النقاش أحياناً والتطفل في أحيان أخرى، فذلك لأنني كتبت عن حبيبتي كثيراً، فمن كتاباتي ما نشر في الصحف المحلية ومنها ما لم ينشر بعد.
وعلى أية حال فكل الآراء السابقة لا تعنيني إطلاقاً وإن كنت أحترمها، لأن الحكاية في نهاية المطاف لا يعرف طعم مذاقها إلا أنا وهي، أما الجدال المثار بين الفينة والأخرى وإن كن عنوانه فإن مضامينه وجوهره قصة مجتمعية أكبر منا بكثير ولكن من الجميل أن نكون سبب إثارتها، ولا أبالغ إن قلت لكم ولها بأن مئات الأسرى وفي كل سجن أحل فيه يسألونني عنها مراراً وتكراراً، من هي؟ ما إسمها؟ ما تكون؟ من أين هي؟ فأنظر إليهم مبتسماً وأقول لهم: هي حبيبتي.
وفي الزنزانة التي أعيش فيها اليوم يسكن معي صديق طيب، أحبه جماً، وهو شاب في مقتبل عمره وإسمه (علاء) وأتنبأ له بمستقبل زاهر حيث أنه يعتني بعقله جيداً، ألم علي كثيراً ليعرف شيئاً عني، وناصره في مطلبه هذا باقي الأخوة المرابطين في خندقنا وهم، هادي، فراس، يحيى، حمزه، متوكل وأسعد، وتحت وطأت هذا الضغط خضعت لهم قائلاً هي النردينة والأقحوانة والدفرانة والياسمينة والهليونه.
فتواثب الرفاق علي مستخدمين سلاح الدغدغة رغبة منهم في سرقة إسمها من لساني، وبعد أن أجهدني الضحك قلت لهم: هي النجود والأريج والدامياء والياقوتة والهامعة.
فقالوا لي بالله عليك من هي؟ أو هل هي حقاً موجودة! فقلت لهم: سأعطيكم جواباً نهائي، ومن أجل الحفاظ عليها لا تحرجوني أكثر، فإن شئتم هي كلهن في واحدة هي ،،،، هي زنبقة مرج عامر.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !