وان تو ثري....شوف بص....
خروج الجماهير المصرية والجزائرية الى الشوارع - مباشرة عقب انتهاء مباراة منتخبهما في نصف نهائي كأس افريقيا للأمم بأنغولا- كان منتظرا بالنظر الى الأجواء المشحونة التي سبقت اللقاء المذكور. لكن الأمر لا يتوقف عند حدود الاحتفال المشروع بفوز في مباراة لكرة القدم...انه تعبير عن ثقافة عربية تنحاز للقبيلة و العشيرة.وهو على الأقل تجسيد للتفسير الذي يفهمه العامة لمعنى حديث : " أنصر أخاك ظالما أو مظلوما "، الذي أصبح في مقامنا هذا : ( أنصر أخاك فائزا أو خاسرا ).
كثيرا ما نسمع ونقرأ في وسائل الاعلام صيغة استفهامية تقول: هل تجمع الرياضة ما فرقته السياسة؟. الا أن السؤال بدا مقلوبا هذه المرة فقد شهد البلدان حركة ديبلوماسية نشيطة قبل المباراة من أجل تهدئة الخواطر وضبط النفوس.اذ أصبحت السياسة هي التي تحاول جمع ما أفسدته الرياضة.ونظرا لطبيعة الحدث الجلل، دخلت جامعة الدول العربية على الخط، وأصدرت بيانا في النازلة.وهي التي لا تحرك ساكنا حتى ولو تعلق الأمر بحصار شعب بأكمله في سجن مفتوح... وحدها الأمم المتحدة لم تتدخل في الموضوع ربما بسبب انشغالها بزلزال هايتي.. وهذه الديبلوماسية العربية النشيطة تعبير عن واقع مأزوم، يمكن أن تتحول معه مباراة في كرة القدم الى مبارزة عسكرية. وهذا ليس بغريب عن أمة داحس والغبراء.
ان الخروج (العفوي ) للجماهير الى الشوارع في مدن مصر والجزائر يأتي في سياق التنفيس الجماعي عن الذات المقهورة. وبدل أن يتم استثمار طاقة الصراخ في وجه الحكام لتحقيق العدالة الاجتماعية و محاربة الفساد والمفسدين، يتم استنزافها في رفع شعارات من قبيل :(وان تو ثري..) و(شوف ، بص...)، وغيرها من العبارات التي تتغذى بالشماتة المتبادلة من منطلق : يوم لك ويوم عليك. والمستفيد من كل هذه الهيستريا الجماعية هو النظام السياسي العربي الذي نجح في تدجين المجتمع، و جعله من حيث يدري أو لا يدري منخرطا في تكريس مقولاته. و أصبحت المواطنة منحصرة في التصفيق و الصراخ في وجه الآخرين. والمثير في الأمر أن المسألة ليست حكرا على الناس البسطاء، بل تمثل قاسما مشتركا بين الجميع باختلاف مشاربهم الفكرية واتجاهاتهم السياسية. وهكذا رأينا كيف اتفق الاسلامي و اليساري و الليبرالي و كل ألوان الطيف السياسي في مصر على اطلاق العنان لكل أنواع الاهانة و التحقير للجزائريين عندما تبخر حلم التأهل المصري للمونديال على ملعب أم درمان في السودان. كما سمعنا من عدد من (المثقفين) دروسا في التاريخ يذكر ببربرية سكان شمال افريقيا.
وفي انتظار أن يدرك كل الذين بحت حناجرهم في الشوارع أن الأمر مجرد لعبة. في انتظار " غودو " الذي قد يأتي أو لا يأتي. دعنا ننتشي بشعارات وأشعار جرير و الفرزدق.
محمد مغوتي.
التعليقات (0)