واقعية ابو مازن مقاومة
كُنتُ اتابع التغطيات الاخبارية عن قمة سرت قبل ان انتقل بالريموت الى فضائية اجنبية تبث تقريرا عن المواجهات بين الشبّان الفلسطينيين وبين قوات الاحتلال في القدس المحتلة وفي بلعين, اضافة الى بعض الصور لنساء فلسطينيات على معبر رفح مع خبر يقول أن قوة امنية مصرية كبيرة قامت قبل انعقاد القمة العربية بيوم واحد بمداهمة عدد من المنازل في رفح المصرية صادرت فيها كميات كبيرة من المواد الغذائية التي كان يعدّها التجار المصريون لتهريبها الى القطاع المحاصر.لا يمكن للمرء ان يستوعب كل ما يجري من احداث حول القضية الفلسطينية. ووسط كل الضجيج الذي تثيره قمة سرت من خلال اطلاق شعارات. مثل “انقاذ القدس” و”القضية المركزية” ورصد “مئات ملايين الدولارات”.. الخ. فان الحقائق الباقية هي الموجودة على ارض القدس وفلسطين. بمقابل آليات الاستيطان التي لا تهدأ, هناك الدم الفلسطيني الذي لا يتوقف عن النزيف ممثلا بروح الصمود والتصدي التي يمثلها الشباب الفلسطيني في القدس والضفة والقطاع. اما آليات العمل العربي من اجل القضية لا هدير لها ولا حراك.
سمعت بعض التعليقات التي تنتقد الرئيس محمود عباس لانه لم يأت في كلمته على ذكر »المقاومة«. ولا ادري ما كان يختلج في نفس ابو مازن او يدور في عقله وهو يجلس في قاعة المؤتمرات في سرت. فاذا كان التشاؤم يطغى على تحليلات المراقبين السياسيين والاعلاميين العرب فمن اين سيأتي التفاؤل الى نفسه والاطمئنان الى عقله وهو يدرك قبل غيره أن الانظمة العربية لم تعد قادرة على الذهاب في نصرة القدس وفلسطين, اكثر من اصدار قرارات لا تنفذ, ووعود بملايين لا تصل.
الذين يطالبون ابو مازن باعلان المقاومة يجهلون ان الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع, وحتى في الناصرة وام الفحم وقرى الجليل والمثلث يستيقظون وينامون على المقاومة باشكالها المختلفة, وهم, هم وحدهم وليس احد اخر من المليار ونصف المليار مسلم من يدافع عن عروبة القدس ومقدساتها. في مواجهة احتلال تسنده اقوى قوى الارض بالسلاح والمال والسياسة, من امريكا الى اوروبا, احتلال تم وضعه فوق القوانين الدولية, وسمح له بممارسة اسوأ الاخلاقيات والانتهاكات. مع منحه الشهادة بأن الضحية الفلسطينية تستحق الموت اما المقاومة فهي ارهاب وجندي الاحتلال قوة شرعية!!
ابو مازن قدّم للقمة برنامجا للمقاومة (المتاحة) المقاومة السلمية التي هي السلاح الامضى في هذه الظروف الاقليمية والدولية, سلاح السياسة والاقتصاد وتوظيف العلاقات الدولية للعرب من اجل تشكيل جبهة واسعة في مجلس الامن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية للضغط على اسرائيل ومحاصرتها سياسيا واقتصاديا. واحراج اصدقائها وحلفائها. واقصد بذلك برنامج النقاط الخمس الذي طرحه الرئيس الفلسطيني على القمة.
اذا كانت الحدود كلها موصدة, وليست البوابات مغلقة فقط على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة, واذا كان الدعم منقطعا عن الشعب الفلسطيني في القدس والضفة, اذا كان الفلسطينيون كلهم متروكين داخل جدار اسرائيلي خانق, ماذا على الفلسطيني ان يفعل, من رئيسه الى الفلسطيني في الشيخ جراح الذي انتزع المستوطنون منزله?! والقي باولاده واثاثه في الشارع وحيث يقف جنود الاحتلال على باب منزله لمنعه من العودة اليه, ماذا عليهم ان يفعلوا, هل ينامون على وعود القمم, وهدير الخطب, وسراب الوعود بالدعم! ام ان عليهم ان يناضلوا ويصمدوا بما يتيسر من ادوات الصمود والنضال. ان المفاوضات بالنسبة لهم اهم ادوات النضال. لانهم ان رفضوها سيلاقون مصير عرفات ومخيم جنين ومحارق غزة بالرصاص المسكوب. بل مصير مليون ونصف المليون لا يجدون الطعام في القطاع الا عبر التهريب في الانفاق كالفئران ومع ذلك يلاحقون بالجدران والبوابات المغلقة!!.
في ظل الحصار العربي على المقاومة المسلحة واللامبالاة بمصير القدس وفلسطين فان واقعية ابو مازن مقاومة, حتى لو كانت من دون رصاص, اما واقعية العرب لا شيء. انها الفراغ الذي يُغري اسرائيل لمزيد من الاعتداءات والانتهاكات واذلال الامة في “قرة عين الاسلام” القدس المحتلة, القدس المُهَوّدة.
التعليقات (0)