ريشةُ القلم لكتابة تاريخ الشعوب المنتصرة ينبغي أنْ يتم غمسها في قلوب شجاعة، ثم يبدأ الربيع ولو كانت الفصول الثلاثة الأخرى شتاءً فقط!
المستبدُ الذي يستعين بالدين فيرى رؤوس معارضية قد أينعت فيأمر بقطافها كالمستبد الذي يقفز من فوق الدبابة إلى كرسي الحُكم، ويزعم أن الوحي ينزل عليه ببندقية.
والطاغية الصخري القلب، والذي لا يرحم مظلوما يكاد يـُقَبَّل قدميه، كالطاغية المشحون بالبغضاء، والكراهية، والحقد، ونقص الثقة بالنفس، فينتقم ليتلذذ، ويُعَذَّب ليبتهج، ويسرق ليتمتع بحرمان الآخرين.
أما المستبد البهلوان فهو أخطر الطغاة على الاطلاق!
عقيدُنا حالة من البهلوانية التي لو نافستْ كل قرود الأمازون لتفوَّقت عليها، فهو متخلفٌ عقلياً، ومعاقٌ ذِهنياً، ولو زاره كونسلتو عصبي، ونفسي من مئات الأطباء غير البلغاريين لأثـْرَتهم حالته، وأزعم أنهم سيجدون فيه ما سيكتشفه الطب النفسي والعصبي بعد قرن من الزمان أو أكثر.
جرائمه من سجن أبو سليم إلى لوكيربي، ومن الحرب الأهلية اللبنانية إلى اختطاف ضيوفه، ومن دعوته مئات الايطاليات الجميلات ليتأمل سيقانَهن الملساء، ويعرض عليهن اعتناقَ الاسلام إلى تغيير التواريخ، وغيرته الشديدة من الأنبياء، ومن قناعاته أن أوروبا تعاديه لأن بطيخ ليبيا أفضل من بطيخ الغرب إلى اعلان الجهاد على سويسرا لأن الشرطة السويسرية حققت مع ابنه تؤكد كلها أننا أمام طاغية يمكن أن يذبح شعبه كله دون أن يرف له جفن.
لا أظنه سيفهم نداء ( الشعب يريد اسقاط النظام )، فهو يظن أن الشعب يحكُم، وأن جاريّه، بن علي ومبارك، لم يفهما قواعد اللعبة، وأنه على استعداد لدفع تعويضات في مقابل أن يعود الليبيون إلى نومهم أربعة عقود أخرى.
أيها البنغازيون: سيقوم ابني (الساعدي) بجعل بنغازي أجمل من دبي، وأنظف من مسقط، وأخضر من العين الاماراتية، وأنشط من الدوحة، وأكثر ثورة من وسط القاهرة، لكن على كل منكم أن يعود إلى داره، وأنا إلى خيمتي!
شرارة الثورة اشتعلت في ليبيا كلها، فالجماهيرية ليست عظمى برسول الصحراء الوهمي، لكن ليبيا أعظم بأحفاد عمر المختار.
توقعت مخطئاً أن يسقط الطغاة كالتالي: بن علي، ثم مبارك، ويأتي دور بوتفليقة، وأخيرا يسقط علي عبد الله صالح قبل تخزينه القات في عصر أحد أيام ثورة اليمنيين.
لكنني رغم سنوات كتاباتي ضد مخبول ليبيا وسفَّاحها لم أتمكن من استشراف يوم غضب أحبابنا .. أبناء ليبيا الأبطال.
كتبت ( وقائع محاكمة العقيد معمر القذافي) و ( المراحيض في خيمة العقيد ) و ( مقطع من يوميات العقيد) و ( برونتو .. العقيد في ايطاليا ) و ( التبكيت والتنكيت والتسكيت و .. التفتيت ) و ( ماذا لو حقن العقيد الشعب الليبي بالايدز؟ ) و ( الكتاب الأخضر في القارة السمراء ) و ( القول السديد في بلاهة العقيد ) و ( عبقرية الحماقة لدى العقيد ) وعشرات غيرها من المقالات في العشرين عاما الماضية لكن هل يتحمل قلبي فرحة انتصار الثورة الليبية بعدما سقط جنرال تونس ولص مصر؟
الليبيون يقاومون أشرس طاغية متخلف، والدولة تمتد مساحتها إلى نصف شمال أفريقيا تقريبا، والمرتزقة الأفارقة أسعارهم رخيصة، وأجهزة الأمن القذافية تقذف حِمَماً من القسوة والعنف والوحشية، وأبطال ليبيا محرومون من وسائل الاتصال ليرى العالم أن الصمت على هذا المعتوه كان أمَّ الجرائم.
قلبي مع أحفاد عمر المختار، وأستعد الآن لكتابة التهنئة الثالثة فطاغية الصحراء في أيامه الأخيرة، وشعبنا الليبي سيدفع ثمنا للحرية أكثر مما دفعه أشقاؤه في مصر وتونس، والبهلوان الطاغية إذا رقص لا يرقص إلا على جثث وأشلاء، وإذا عطش لا يروي ظمأه إلا الدم.
متعجل أنا كما لم أفعل من قبل، وما أجمل وأعظم وأبهج رحلة أقوم بها من الجزائر فوهران فتونس فطرابلس ثم مصراته ومنها إلى بنغازي فالسلوم لأستريح قليلا في مرسى مطروح بين ( الميّه والهوى.. يا هنايا في حبهم ) ، ثم الثغر مسقط رأسي، وبعدها إلى عاصمة المعز .. معذرة، أعني عاصمة الشباب وأستريح قليلا في ميدان التحرير .. ميدان الشهداء.
أيها الليبيون الأحرار،
هل تسمحون لي بالتهنئة قبل الموعد بوقت قليل؟
وسلام الله على ليبيا
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في 19 فبراير 2011
Taeralshmal@gmail.com
التعليقات (0)