بعد سنواتٍ صاخبة من العمل الّذي غيرّ مجرى نظريّات الشعر والترجمة
هُنْري ميشونيكْ يرحل في صَمْت
عبداللّطيف الوراري
غيَّب الموت المترجم وعالم اللغة والشعريّات الفرنسي هنري ميشونيك عن السادسة والسبعين عاماً، وذلك يوم الثامن من أبريل/نيسان 2009، بسبب مرض اللوكيميا الذي ابتُليَ به. وكان الراحل قد ولد 1932 من عائلة روسية هاجرت سنة 1924 و استقرٌت في باريس، وكان وقتها في العاشرة من العمر. وبسببٍ من طفولته التي استهلكتْها أيام الحرب والمطاردة والخوف، ولأجل أن يكون شاهداً على ذلك العذاب الذي يلحقه الناس بالنٌاس، كتب وهو في السادسة عشرة بعض القصائد، قبل أن يتّجه لدراسة الآداب حتى يتحرٌر ماديٌاً، و يكتشف أنٌ الشعر هو أن تُحوِّل شكل الحياة عبر شكل اللُّغة، وأن تحوِّل شكل اللغة عبر شكل الحياة.
وعمل ميشونيك منذ سبعينيّات القرن الفائت على تطوير تصوُّره للغة بقدرما للشعرية، خارج موضات العصر ومراجع التفكير المستحكمة. فلم يتوقف عن السّفر، منذ ثلاثة عقود، في تأمّل الخطاب النظري والتحليلي الخاصّ بالشعر وعلاقاته باللغة والثقافة، المجتمع والتاريخ، من داخل القضايا النظرية والابستيمولوجية التي تشغل تصوُّره للشّعر والشّعرية، بدءاً "من أجل الشعرية" مروراً ب "سياسة الإيقاع، سياسة الذات" إلى "شعرية الترجمة". لكنّ الكتاب الذي اشتهر به خارج حدود فرنسا، وضمن له وضعاً إعتباريّاً بين معلِّمي الشعرية هو دراسته الموسوعيّة "نقد الإيقاع: الأنثروبولوجيا التاريخية للغة"، حيث لم يسبق في تاريخ الشعرية أنْ تمّ التركيز على الإيقاع والارتقاء بنظريّته، مثلما تأتّى ذلك في عمله التصوُّري رفيع النظر.
وبرغم حضور هنري ميشونيك القويّ في خارطة الشعرية المعاصرة وسجالاتها، إلّا أنّه كان باهتاً في الوسط الثقافي العربي، بحيث لا تُصادف اسمه إلّا عرضاً، أوفي مقالاتٍ نادرة ومبتسرة. ولا يوجد، في حدود علمي، كتابٌ مترجمٌ لهذا العلَم، ولا حتّى دراسة أكاديميّة تعرِّف بمنجزه النقدي والشعري، مثلما تمّ لآخرين أقلّ منه علْماً وثقافة.
التعليقات (0)