السلام عليكم
هَيْذ
الهَيَذ: كلام غير مرتب ولا يعني شيئا مراد، يقوله الإنسان عندما يتوتر، ويَعْلَم أنَّه قد نطق به، أي أنَّ وَعْيَه كان حاضرا تماما عندما نطق بالكلام غير المرتب؛ ولهذا فالكلام غير المرتب لم يكُن في ذَكِرَة الإنسان على النحو الذي خَرَج منه، بل التوتر هو الذي يقف للكلام المراد التلفظ به فيخلطه في بعضه، ويزيد الإنسان عليه كلمات غير التي أُرِيد التكلم بها فاختلطت، بعد أنْ يَخْرُج من الذَّكِرَة.. كما أنَّه ليس بالضرورة أنْ يكون الذي أصيب بهيذ، يتكلم بكلام، بل قد يكون صامتا ومن شدة التوتر يُصاب بهيذ، فتجيء الكلمات عجيبة ليس لها معنى مرادا على الإطلاق، بعكس الذي أصيب بهيذ وهو يتكلم، فربما كانت بعض كلماته تعني شيئا مرادا، وهذا من الصعب أنْ يَحْدُث مع مُصًاب بهيذ لم يكن يتكلم عندما أيصب بهيذ.. ليس الهيذ مما يدل على بداية خَرَف، فالهيذ في ذاته لا يُفْضِي إلى خَرَف، ولكن إنْ أسْتُهزِئ بالذي هيَّذ وانخضع الذي هيَّذ للمستهزِئين فآنَها قد يفقد عقله الموسَّع، كما أنَّّه لو اعتقد أنَّ الهَيْذ سببه خلل في مِعَقاله وانخضع لإعتقاده – الذي هو وهم على التحقيق – فيمكن أنْ يَفْقِد عقله الموسَّع؛ وبهذا نَعْلَم أنَّ الهَيْذ لا يُفْضِي إلى العقل المُضَيَّق من حيث هو هَيْذ، بل من حيث أشياء زائدة عليه، كما ذكرنا..
لتوضيح المسألة أكثر إليكم ما يلي:
مَهْيَذَة أبْجُوحية: هي أسباب خارجية، تُفْضي إلى هيذ ، وتَحْدُث مع شخص غير مريض، ولكنها حادة.. مثال: في برنامج تلفازي، كان فيه سائل- مدير حوار، وضيفان، فسأل السائل الضيف الأول عدة أسئلة فكان كل سؤال يوتره، فالسؤال الثاني كان يوتره أكثر؛ وذلك لأنَّه يضيف موترة على موترة موجودة، وهكذا إلى السؤال الرابع، وقد كان الضيف الثاني يُشَاهِد توتر الضيف الأول، فظهر عليه توتر، ولا يمكنه في هذا الحال إلا أنْ يتوتر، ولكنه في غضون تكلُّم السائل بالسؤال الثالث، كان يشاهِد توتر الأول عبر الشاشة، فما كان منه إلا أنْ تهَيَّذ.. كما ترون التوتر الشديد يُحْدِث الهيذ بسهولة..
مَهْيَذَة أبْلُوحية: هي أسباب داخلية، تفضي إلى هيذ، وتَحْدُث مع شخص غير مريض، وهي حادة.. الأسباب الداخلية التي تُفْضِي إلى هيذ، لا يمكن أنْ تكون سببا إنْ لم يَحْدُث توتر، فالتوتر هو العامل الحاسم في حُدُوث الهيذ، بشأن الفوبليين، أمَّا المرضى، فإنَّ كثرة الروات أو التروات إلى جانب القليل من التوتر، الذي قد لا يُرى على وجه صاحبه، يُفْضي إلى هُياذ وتهياذ.. على كل حال هذا موضوع صعب، ويحتاج مراقبة بآلات، ولكن للأسف: لا يوجد آلة نستطيع من خلالها رؤية ما الذي يَحْدُث بالضبط في الجسد آنَ حُدُث الهيذ أو الهياذ أو التهياذ، أو أعراض مرض التوتر، أو الوتار، أو التوتار، أو الروات، أو التروات عموما، بإختلاف بين هذه المصطلحات..
مَهْيَذَة إبْدُحانية: هي روت غير مرضي، تَحْدُث بسرعة، ويزل بسرعة، يفضي إلى هيذ.. إذا كانت المهيذة: مَهْيَذَة إبْدُحانية 3 فهناك احتمال كبير جدا، للدخول إلى المرض بسببها، أمَّا إذا كانت مَهْيَذَة إبْدُحانية 1، أو مَهْيَذَة إبْدُحانية 2 فتُفْضي إلى:
هَيْذ إبْدُحاني1 أو 2: التكلم بكلمة أو أكثر، حال موقف توتري، متساوقة مع حركة توترية في الجسد عموما، والرأس خصوصا.. راجع المثال السابق..
لحن القول، أو فلتات اللسان: لحن القول يَحْدُث لأنَّ المُلْحِن لا يريد أنْ يقول شيء معين، ولكنه لا يستطيع؛ وذلك بسبب التوتر..
مثال: لنفترض أنَّ شخصا ما يجب أنْ يقول شيئا معينا لشخص آخر متنفذا، فإنَّ القائل في هذا الحال يكون توتره وسطا أو حادا هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنَّ الكلام الذي لا يريد أنْ يقوله، مُتَسَمَّف شعوري، أي أنَّ الكلام لم يكن متسمفا شعوريا ثم صار متسمفا شعوريا؛ وهذا ملحنة، فالمتسمفات الشعورية من شدة التوتر – الذي ليس بالضرورة أن يظهر على ظاهر الجسد - تفلت من المِحْكَام الذي تَقِل قدرته على المَسْك؛ نستنتج من هذا الكلام أنَّ الكلام ما كان لِيُلْحَن به لولا تصييره متسمفا شعوريا، وهذا ينسف كلام من يرُد هذا الحال إلى الرُشُوع (اللاشعور)، وذلك لأننا أثبتنا أنْ الكلام الذي لُحِّن به ليس في الشعور وحسب، بل في أوضح مواطن الشعور، فالمتسمف الشعوري عندما يكون مطلوبا ويأبى صاحبه أنْ يُظْهِرَه لمن يريد، يكون في أوضح مواطن الشعور، وذلك لإنشغال صاحبه به..
قد يقول قائل: ماذا عن الذين يُعَذَّبون، ولا يعترفون بما لديهم من أسرار؟
أقول: الذين يعذَّبون ليسوا بالضرورة متوترين، فالذي يتوتر، ويكون توتره بسبب كلام معين محفوظ في حَفِظَته، وتسمف شعوريا، فلا شك من أنْ يُلحن، وبقدر قوة التوتر يكون اللحن، وما لم يتسمف شعوريا، لا يمكن أنْ يَخْرُج منه شيء، عند التوتر؛ فالمتسمف الشعوري هو الذي يُلْحَن به؛ ولهذا نقول إنَّ الذين يُعَذَّبون ولا يُلْحِنون يكون توترهم قليلا، فهم لا يسمحون للمواتر أنْ تسير في أجسادهم إلا قليلا: فتكون خُفَيْفِيَّة، ولا يسمف شعوريا من أجلها؛ وبهذا لا تكون مَلْحَنَة.. كيف تكون مَلْحَنَة ولا يوجد متسمف شعوري؟!، ولكن يمكن أنْ يسمف شعوريا، ويكون صاحبه هادئ فلا يُلحن..
كما أنَّ الذين يُعَذَّبون ولا يُلْحِنُون، ربما ينشغلوا بالآلام التي تعتري أجسادهم أو بشيء آخر، لئلا يسمف شعوريا، وبهذا فإنَّهم مستعدون للموت، ولكنهم غير مستعدين للتوتر المَلْحَني، وعدم استعدادهم للتوتر الملحني، يُمَكِّنهم من تسميف شعوريا، دون أنْ يَخْشَوا لحنا..
قال تعالى:"أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)" سورة محمد.
اللحن الذي حصل هنا لم يحصل والملحون رشوعيا، بل حصل وهو شعوري، فلو لم يكن شعوريا لَمَ حَصَل؛ فلانَّ الملحون متسمف شعوريا بوجود توتر ملحني: يحصل اللحن، فهذا حال مَلْحَنِي، وبارتفاعهما يرتفع اللحن، اقصد لا لحن بكلام لا متسمف شعوري، فلا بد أنْ يصير الكلام شعوريا أولا، ويلازمه توتر ملحني (من وسط إلى حاد) ثانيا، لكي يُلْحَن به؛ وبهذا يَحْصَل اللحن من حيث لا يشعرون؛ وذلك لأنَّ التوتر الملحني يُقَلِّل قوة شعورهم بما في شعورهم؛ فيلحنوا..
لاحظ أنَّ كلمة سيماههم مقدمة على لحن القول، فهي تارة تعني أنَّها تدل على الأضغان بلا لحن بالقول، وتارة تكون ملزومة للحن القول، ولحن القول لازم لها، وهذه الأخيرة ما نتناولها هنا..
التفريق بين الهيذ والحن القول والنخد
قال تعالى:"وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)" المنافقون.
جاء في تفسير الكشاف: يحسبون كل صيحة واقعة عليهم وضارة لهم ، لجبنهم وهلعهم وما في قلوبهم من الرعب : إذا نادى مناد في العسكر أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة : ظنوه إيقاعاً بهم.
لنترك كلمة جبنهم، ونركز على كلمة هلعهم، التي تعني أنَّهم لكثرة خوفهم من انكشاف أمرهم، يحسبون كل صيحة عليهم، فتوترهم من انكشاف أمرهم، قد دخل سلم المثورات فصار أولا أخْفِفَان، ثم أوْسِطَان، ثم أكْثِران، وبهذا فإنَّ أي صيحة تُظْهِر الأكْثِرَان، أو قل: الأعْشِران، حيث يتوتر بسرعة، هذا الحال يمكن أنْ يكون ملحنة، عندما يُقْتَرب منهم ويُكَلَّموا، ولهذا ينبغي التفريق بين اللحن والهيذ – والهياذ والتهياذ -؛ فاللحن أوضَح من الهيذ – والهياذ والتهياذ -، أما الهيذ – والهياذ والتهياذ - فلا معنى له، فهو نثر كلام على غير هدى، كما أنَّ سيماء الذي يُلْحِن تختلف عن سيماء المُهَيِّذ، ولكن هناك وُجُوه مشتركة بينهما، فالمهيذ قد يقول كلاما (هيذ) ويبدو له معنى فيُظن أنَّه لحن، وليس الأمر كذلك..
يجب أنْ نُفَرِّق بين الهيذ وأخواته، واللحن، والنخد؛ فالنَخَد هو: نداء شخص ثم النطق باسم شخص آخر، بين المنادي وبينه علاقة معينة، وتَحْدُث هذا عندما لا يُصْغِي المُنَادَى للمُنَادِي، وهذا يَجعل المُنادِي ينادي غيره، حيث يُفْضِي المُنَادَى إلى إغضاب المُنَادِي؛ وهذا يُفْضِي إلى أنْ يُنَادِي المُنَادِي شخصا آخر.. مثال على النخد:
كان حَمُّود يشرب الشاي في بيته بعد العصر، فأراد من فادي أنْ يَشتري له قهوة، وقد فعل ثم في أيام تالية لبَّى النداء عدة مرات، ولكن بعد أن لبَّى النداء عدة مرات، بدأ بللامبالاة، وكأنَّه لا يَسْمَع، وقد كَرَّر حمود النداء أكثر من مرة ولكن فادي مُنْصَم، وهذا جعل حمُّود ينادِي ساهر، فجاءه ساهر بسرعة، ثم في يوم آخر نادَى حمود ساهر فلبَّى النداء، وفي يوم بعده نادَى حمود ساهر، ولكن ساهر لم يلبِ النداء إلا بعد عدة مرات، وفي يوم آخر، نادى حمود فادي، ولم يكن في البيت، ثم نادى ساهر، ولم يأتِ إلا بعد عدة نداءات، وفي يوم بعده نادَى حمود ساهر، ولكن ساهر منصم، ثم نادَى فادي، ولكن فادي منصم، فصار ينادي: فادي، ساهر، ساهر، فادي، فادي، ساهر، فادي، ساهر، ساهر، ساهر، فادي، (وهكذا دواليك)، وقد كان ينادِي بغضب، ولكن جاء ساهر، وبعد أنْ اشترى خبزا لحمود ذهب لبيته، وفي يوم تالي، نادَى حمود، ساهر، فادي، كثيرا، ولم يأتِ أحدا منهم إلا بعد أنْ كاد حمود يُبَح..
في يوم لاحق استيقظ حمود من نومه، ثم ذهب إلى عمله، وكان يعمل معه خالد، وحازم، وكان حازم من الذي لا يلبون النداء بسرعة، فقد جربه حمود، وكان عندما ينادِي حازم ولا يستجيب، فمباشرة ينادي خالد، وإذا لم يُجِب خالد بعض المرات، فإنَّه مباشرة ينادِي حازم، حتى صار يَحْدُث هذا بتسراع، فهو قد تَمَثْوَر..
بعد عدة أيام جاء إلى حمود: ساهر2 – ليس ساهر1 السابق -، وشبار، وراسم، وتكالموا كثيرا، وفي لحظة ما نادَى حمود ساهرا2، ولكن ساهرا2 كأنَّه منصم، ولكن بعد وقت قصير لبَّى نداءه، وبعد عدة لحظات نادى حمود ساهرا2، ولكن ساهرا2 كأنه منصم؛ فإذا بحمود ينادي فادي، رغم أنَّ فادي ليس عندهم، فهو لا يريد أنْ يُنَادِي فادي، ولكن حمود تَمَثْوَر على أنْ ينادِي فادي إذا لم يستجِب ساهر، فحل ساهر2 مكان ساهر1، حيث جاء اسم فادي بعد ساهر2 الذي حل مكان ساهر1، ليس بالضرورة أنْ تكون الأسماء متطابقة، ولكن التطابق يقوي المَثْوَرة.. هذا الحال يَحْدُث مع النساء، حيث تنادِي المرأة ابنتها خلود عدة مرات، فلا تستجيب، فتنادي فاطمة، وكلما نمى الغضب من عدم الاستجابة تتمثور المرأة إلى الانتقال لمناداة آخر، حتى يأتي وقت تنادي شخص فلا يستجيب فتنادي فاطمة مباشرة، حتى لو كان كان فاطمة في بلاد، ووأمها في بلاد أخرى، حيث لا يمكن لفاطمة أنْ تَسمع أمها، وأحيانا يمكن تنادَي فاطمة من أمها، فتقول فاطمة: ماذا تريدي؟ فتقول أمها: لم أردك فأنا أنادي ذاك الشخص، ولكن هذا أغضبني، لا بل قولي: تمثورت نخديا..
التعليقات (0)