مواضيع اليوم

هَرِمنا.. من هذه الإنسحابات التاريخية

حسين جلبي

2012-07-04 16:17:42

0

 كانت مؤسفة حقاً، و تبعث على الحزن الشديد تلك الصورة التي ظهر بها الكُرد في الساعات الأخيرة من مؤتمر القاهرة الذي إنعقد خلال يومين طويلين تحت رعاية الجامعة العربية، تلك الصورة التي تصدرت المشهد القاهري و جعلت من أصحابها أبطال المؤتمر دون منازع.
فلقد إندفع مجموعة غاضبة من الأخوة المشاركين في المؤتمر إلى خارج القاعة حيث تنتظر وسائل الإعلام، و دخلوا أمامها في فاصلٍ من الصياح و الصراخ، لم يستطع المرء أن يفهم بسببه ماذا يريدون، أو يتبين القضية التي يرغبون بإيصالها، و قاموا بتنفيذ حركات غاضبة بأياديهم و أجسادهم زيادةً في الشرح العقيم، كما قاموا بالدخول ـ حسب وكالات الأنباء ـ في إشتباك بالأيادي مع الآخرين، أخذ المرء يشك بسببه في حقيقة المكان الذي يتواجدون فيه، أو في أدراكهم لذلك، و قد جرى كل ذلك أمام غابة من المايكروفونات و الكاميرات، قبل أن يعودوا إلى القاعة ثانيةً، لنسمع فيما بعد، من غيرهم و ليس منهم، أن تصرفهم هو إحتجاجٌ على عدم ورود مصطلح الشعب الكُردي في وثائق المؤتمر، ليتساءل المرء مستغرباً عن الشعب الذي يُطالب بعضه بحقوقه بمثل هذه الطريقة، مع أن جله يعمل مع شركاءه الحقيقيين على أرض الثورة لإيجاد مكانٍ لنفسه في سوريا المستقبل، تحت أشعة الشمس، و ليس خلف الأبواب المُغلقة.
و ما يدعو للأسف أيضاً هو إنسحاب الكتلة الكُردية بجميع مكوناتها، بإستثناء د. عبدالباسط سيدا، الذي عاد مرةً أخرى وحيداً في المجلس الوطني الكُردي، و ما قد يترتب على ذلك من إعادة الهجوم على شخصه، و ربما تخوينه، إلى المربع الأول، بعد أن كان الموقف منه قد تغير إثر تسنمه رئاسة المجلس الوطني السوري، و عودة المكون الكُردي إليه بعد إنسحاب، و سبب الأسف هو الإنسحاب بحد ذاته، الذي أصبح هو و التهديد به عادة كُردية في مؤتمرات المعارضة السورية، و سيفاً مُسلطاً على رؤوس الآخرين، حتى كاد أسم المُكون الكُردي يتحول إلى المكون المنسحب، فهو ـ أي الإنسحاب ـ و بصرف النظر عن أسبابه، و فيما إذا كان ذو خلفية عادلة أم لا، عادة سيئة ينبغي التخلي عنها، لأنه من غير المعقول أن يعجز هؤلاء الأخوة عن إيجاد آليات أخرى غير الإنسحاب لمواجهة تعنت الطرف الآخر، آليات قد تبدأ من مناقشة وثائق المؤتمرات قبل التورط في الذهاب إليها، و مناقشة جدوى هذه المشاركة، و لا تنتهي برفض المشاركة منذ البداية.
أما الشئ المؤسف الآخر، و الذي يستحق الإدانة أيضاً، فهو عقلية البعض من المعارضة السورية، و التي تتفق مع النظام السوري في إنكار حقيقة الشعب الكُردي الواضحة كالشمس، حتى أن المرء يشك بأن إنكارهم لهذه البديهية ينطوي على نوايا سيئة، و هو عبارة عن قنبلة موقوتة يتقصدون وضعها كل مرة، و في اللحظة الأخيرة، في بياناتهم، لينسفوا بها كل الجهود التي توصلت إلى التقريب بين مختلف الأطراف، و لينسفوا كذلك النوايا الطيبة التي أبدوها، و الإستعدادات التي أظهروها للإعتراف بحقوق هذا الشعب، و كأنهم يرغبون الوصول عبر فعلهم المتكرر ذاك إلى تلك المرحلة التي ليس للنظام فيها أي وجود، و كذلك للكُرد أيضاً، ليستفردوا بالشعب الكُردي، و كذلك بالساحة السورية، و يصوغوها حسب أهواءهم، و هو وهمٌ يعجز النظام نفسه في الإستمرار فيه.
ما هو الحل إذاً مع هذه المعارضة السورية المتصلبة؟
و ماذا عن الخداع الذي يقع فيه كل مرة من يتنطح لتمثيل الشعب الكُردي، دون أن يستفيد من تجاربه؟
ثم إذا كانت سنة و نصف من عمر الثورة غير كافية لإقناع المُعارضة بأن الكُرد هم شعب مثل العرب و غيرهم، فكم من الوقت سيستغرقه تحقيق كل مطلب يريده هذا الشعب؟
أعتقد أن هذه الأسئلة هي التي يجب أن نشغل أنفسنا بها على المستوى السياسي قبل أن نندفع للإشتراك في مؤتمرات ليست لها أي ضرر على النظام، أو أية فائدة مرجوة على الحِراك الثوري على الأرض، لا بل أنها تصيبه في كل مرة بمزيد من الأحباط، الذي يسعى النظام جاهداً للوصول إليه.
إننا و نحن إذ نطرح هذه الأسئلة فإننا و مرة أخرى، و دون مناقشة أحقية الإنسحاب من عدمه، نشير إلى أن هناك أصواتاً عاقلة و بعضها كان يقف في المنطقة الرمادية راحت تنتقل بسببه إلى الضفة الأخرى التي نقف مقابلها، بسبب ما تعتبره من إشتراك الكُرد في تحمل نسبة كبيرة من المسؤولية عن الفشل في توحيد المعارضة السورية، و عدم مبالاة الكُرد بدماء السوريين، و عدم الإهتمام بالثورة السورية إلا بمقدار ما تعطيهم من حقوق، فهل سنتجاهل هؤلاء و طروحاتهم، و سنستمر على هذا النهج في إستنزاف رصيدنا من الحلفاء. و من جهةٍ أخرى، لا بد من التذكير ثانيةً في معرض ما هو متوافر الآن بالإحتمال المستحيل، ألا و هو عدم سقوط النظام، فهل سيكون عندها عودٌ على بدء في المطالبة بالحقوق الثقافية و تعزيز أواصر الأخوة العربية الكُردية؟
و سؤال أخير بلغة المحبة للأخوة الذين تصدروا المشهد أمام قاعة المؤتمر أمس: تُرى ما هي الفائدة التي حصلتم عليها حين توجهتم إلى الصحافة و ظهرتم أمام العالم بتلك الصورة، في حين أن المشكلة كانت في مكانٍ آخر قريب، خلفكم في القاعة؟ هل شكل ذلك أي ضغط على هؤلاء المتواجدين فيها و دفعهم لتغيير مواقفهم؟ ألم يكن الأجدى التوقيع على وثائق المؤتمر و تسجيل إعتراضكم على تلك الفقرة الإشكالية التي لن تساوي، مثلها مثل كل المؤتمرات و كل الوثائق الصادرة عنها، شيئاً حال سقوط النظام، و إذا كنتم قد قررتم الإنسحاب، ألم يكن الأفضل أن يتم ذلك بهدوء عبر بابٍ آخر لا يمر عبر كل ذلك الضجيج؟




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !