رضاك خير من الدنيا وما فيها ... وانت للنفس اشهى من تمنيها ونظرة منك يا سؤلي ويا املي .....اشهى الي من الدنيا وما فيها اني وقفت بباب الدار اسألها ...عن الحبيب الذي قد كان لي فيها فما وجدت بها طيفا يكلمني .........سوى نواح حمام في اعاليها يا دار اين احبائي لقد رحلوا ......وياترى أي أرض خيموا فيها
الله اعلم ان الروح قد تلفت ............ شوقا اليك و لكني امنيها
أستعير هذه الأبيات من شعر المتنبي لأعبر عن شعوري حين مررت بشارع كنت أزور بيت زميل فيه منذ أربعين عاما كاملة ......كان لي في هذا الشارع أصدقاء وزملاء الدراسة في الهندسة ...كان الشارع وقتها مكتظا بالمارة والحوانيت التي تنبعث منها رائحة التوابل والعطور العتيقة ...في حى الدرب الأحمر في مدينة القاهرة كان مزينا بالمساجد العتيقة وما زال ....وعلى رصيف الشارع الضيق قهوة يفوح منها عبق التاريخ الأزهر لمصر العامرة في قاهرة المعز .....كنت أنا وزميلي نجلس في هذا المقهى بعد أن نفرغ في غرفة في الطابق الثالث على سطح منزله العتيق من مراجعة بعض الدروس المرهقة التي لا تخلو من جمال إعمال العقل والفكر لحل بعض المسائل ....كان عم حسن صاحب المقهى يعد لنا أقداح الشاي المخصوص بحكم قرابته لوالد الزميل العزيز وحاجته أيضا للقيام ببعض الإصلاحات كل حين لكراسي القهوة في منجرة الوالد في حى يسمي تحت الربع يشبه في ارتفاعاته وحواريه الصاعدة والهابطة حواري وسط جدة الضيقة وحوانيتها التي تعرض الملابس الرخيصة الشعبية ذات الألوان الزاهية ....لم تكن زينب التي صارت فيما بعد زوجة الصديق هي البنت الوحيدة التي تحلم بالزواج من الجار طالب الهندسة الذي تفوق على رفاقه من سكان حارة بندق المتفرعة من شارع الدرب الأحمر...كل هذا تذكرته في لحظات أعادتني إلى زمن بعيد تغيرت خلاله الحارة لتحتضن عمارات عالية مبنية على مساحات ضيقة كأنها أقلام رصاص أو منارات مساجد....ولكن المساجد العتيقة بقيت لحسن الحظ على طبيعتها ولم يتغير فيها سوى إزالة السبيل الذي كنا تشرب منه ماء باردا كان قد تطوع بإنشائه وتزويده بالماء أهل الخير....وقد لفت انتباهي اختلاط رائحة التوابل العتيقة بروائح المشويات التي بدأت تنتشر في الشارع لتعطيه روحا حديثة إضافة إلى رائحة (الكوارع) التي برع في إعدادها المعلم فرج ومن بعده أولاده أيمن ومحمود ...يا لها من ذكريات جميلة لأجمل أيام العمر لشاب من ريف مصر رحل إلى العاصمة لدراسة الهندسة التي صارت هي الأخرى ذكريات خوالي .
التعليقات (0)