أغلب سكان المملكة العربية السعودية من السنة، والوهابية هي المذهب الرسمي للمملكة. ويعيش أغلب أتباع الإثنى عشرية الشيعة في المملكة، بالمنطقة الشرقية، والمدينة موطن المدعويين بالنخاولة.
وتعود الهيمنة الوهابية إلى أكثر من قرنين ونصف القرن من الزمان. ففي عام 1744 وجد الشيخ محمد عبد الوهاب، صاحب الرؤية المُجددة التحديثية المتجول، الملاذ الآمن بالقرب من المنطقة التي أصبحت حالياً مدينة الرياض، طرف القائد المحلي محمد بن سعود. واتفقا على توحيد قضيتهما، مع منح عبد الوهاب الشرعية الدينية للحاكم، خاصة في سبيل توسيع مجال حُكمه، ومنح بن سعود لعبد الوهاب حرية تخليص السكان مما رأى فيه قرون من الزمان من البِدع الضالة الخاطئة والعودة بهم إلى مسار صحيح الإسلام. بحلول عام 1792 كان آل سعود قد غزوا مناطق شيعية في القطيف والأحساء، ثم دأبوا على التنازع عليها مع العثمانيين طيلة قرن بعد ذلك التاريخ. وفي عام 1913 سلّم العثمانيون المنطقة لقوات عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة الحديثة. وكان الملك عبد العزيز (الذي مات في عام 1953) حسب رواية المؤرخين "يحتقر الشيعة"، لكنه وجد نفسه عالقاً بين التسليم لـ "الكراهية التي أبداها العلماء الوهابيون على طول الخط للشيعية" من جانب، وحقائق الكثافة السكانية العالية للشيعة في بعض المناطق، بحيث لا يمكن إخضاع تلك المناطق إلا بالاستعانة بعدد كبير من القوات، مع فرض الضرائب على الموارد المالية الشيعية؛ مما يساعد جهود التوسع السعودية، بالإضافة إلى الحاجة لأخذ الدبلوماسية الدولية في الاعتبار، لا سيما المصالح البريطانية في الخليج.[1] إلا أن الدولة السعودية الجديدة سمحت في بداية الأمر لـ "المتطرفين الوهابيين بإنفاذ... سياسة دينية قمعية" إزاء الشيعة،[2] بما في ذلك مطالبات بالتحول قسراً إلى المذهب السني.[3] وحين نشب النزاع بين القوة الوهابية المتطرفة المقاتلة، الإخوان، والملك، تم سحق الإخوان وتم تفكيك المجموعة في عام 1930، وخَف عبء القمع الذي كان يواجهه الشيعة.[4]
وإثر اكتشاف النفط في الثلاثنينات، فيما أصبحت حالياً المنطقة الشرقية، ومع تشغيل بعض الشيعة في صفوف شركة أرامكو – شركة النفط السعودية – تحول تركيز المطالب الشيعية نحو المزيد من الحقوق للعمال واستثمارات أكثر في البنية التحتية في المناطق ذات الحضور الشيعي.[5] وكانت هذه المطالبات في قلب الاحتجاجات الشيعية في "انتفاضة عام 1400"، وهي حركة اضطرابات محلية وقعت ضمن الاحتفالات المواكبة ليوم عاشوراء (وهو مناسبة هامة للشيعة)، عام 1979،[6] وفيها تمادى بعض الشيعة السعوديين، وأعلنوا عن مطالب بالاستقلال.[7] وأدت الثورة الإسلامية لعام 1979 في إيران، التي يهيمن عليها الشيعة، إلى زيادة جرأة السعوديين الشيعة (احتفالهم بيوم عاشوراء ذلك العام أحد الأمثلة)، وأسهمت في زيادة دعم الحكومة السعودية لترويج الرسائل الدينية السنية في الدوائر العامة وفي نظام التعليم.[8] هذه الرسائل تتبع التفسير الوهابي للإسلام، الذي كثيراً ما يُصوِّر الشيعة على أنهم من غير المؤمنين.[9]
ووقع حادث عنيف أثناء موسم الحج السنوي إلى مكة، في عام 1987، حين شن حُجاج إيرانيون وشيعة من السعودية مظاهرة ضد السياسات الأميركية والإسرائيلية تحولت إلى مظاهرة عنيفة وأسفرت عن مقتل 400 حاج.[10]
وفي الثمانينات، هاجر بعض الشيعة السعوديين فراراً من القمع المتنامي ضدهم في وطنهم، وعبّروا عن آرائهم، وشملت انتقادات موجهة للحكومة، عبر النشر في صورة كتب وفي المجلات.[11] وفي عام 1993 توصلت الحكومة السعودية إلى تفاهم مع ممثلين عن المعارضين الشيعة المُهاجرين يكفّون بموجبه عن الكتابة والنشر، ويعودون إلى المملكة، ويصبحون من العناصر الموالية. وفي المقابل، وعدت السلطات بإطلاق سراح السجناء السياسيين، ورفع الحظر على السفر بحق النشطاء، وتخفيف التعاليم المعادية للشيعة في نظام التعليم المدرسي، والعمل على تحسين درجة المساواة بين الشيعة والسنة، لا سيما في التوظيف. وبعض النشطاء الشيعة عادوا، لكن ظل آخرون بالخارج لخشيتهم ألا تفي الحكومة بوعودها، ولأن الحل المذكور لم يكن في صالحهم بما يكفي، حسبما رأوا. وأفرجت الحكومة عن بعض السجناء السياسيين ورفعت الحظر المفروض على السفر، لكن لم يتم إحراز تقدم يُذكر نحو تخفيف التصريحات غير المتسامحة أو التمييز.[12]
وفي عام 1995 اعتقلت الحكومة السعودية عدداً كبيراً من الشيعة في المنطقة الشرقية، للاشتباه في التورط في اضطرابات وقعت بالبحرين المجاورة للمملكة، وأغلب سكانها من الشيعة، لكن حكومتها يهيمن عليها السنة.[13] وعاودت السلطات السعودية اعتقال أعداداً من الشيعة في المنطقة الشرقية إثر تفجيرات الخُبر في يونيو/حزيران 1996، والتي أسفرت عن مقتل 19 جندياً أميركياً. وتستمر السلطات في احتجاز تسعة من الشيعة دون محاكمة على صلة بالتفجيرات إثر اعتقالهم بين عامي 1996 و1999.[14]
ومنذ عام 2006 ازدادت حدة التوترات بين الشيعة والسنة في السعودية، وقد أججها جزئياً التطورات في العراق والإحساس بتنامي النفوذ الإيراني في المنطقة.[15] وأثناء الحرب بين إسرائيل وحزب الله في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2006، قمعت الحكومة مظاهرات للسنة وللشيعة تضامناً مع شيعة لبنان، واعتقلت شيعة في المنطقة الشرقية قاموا برفع صور وشعارات لحزب الله وحسن نصر الله، زعيم حزب الله، سواء في سياراتهم أو على هواتفهم النقالة.[16] وإثر ظهور تسجيل فيديو عليه إعدام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين في العراق في ديسمبر/كانون الأول 2006، مع سخرية مسؤولين من الحكومة العراقية الجديدة، وأغلبها من الشيعة، من صدام حسين، أظهرت تقارير إعلامية لوم بعض السنة في السعودية للشيعة بشكل عام، ومنهم الشيعة السعوديين، على قمع السنة في العراق.[17]
وقبل أن توسع العوامل الخارجية من هوة التوترات الداخلية بين السنة والشيعة في السعودية، اتخذت السلطات بعض الإجراءات لتعزيز احترام الأقلية الشيعية. ففي عام 2003 بدأ ولي العهد الأمير عبد الله – في ذلك الحين – في بعض برامج الحوار الوطني، وفيها جلس للمرة الأولى قيادات من الشيعة والسنة في السعودية على طاولة واحدة. كما خففت السلطات في عام 2005 من الحظر على الاحتفالات الدينية التي تنعقد بمناسبة يوم عاشوراء، فسمحت ببعض المراسم في القطيف (انظر أيضاً الفصل الثالث). وبين فبراير/شباط وأبريل/نيسان 2005 أجرت السلطات الانتخابات البلدية على نصف مقاعد المجالس البلدية، وهي أول انتخابات تشهدها أغلب مناطق المملكة، ولم تتدخل حين ربح الشيعة جميع المقاعد الستة المتنافس عليها في القطيف، وخمسة من ستة مقاعد في الأحساء.[18]
إلا أن احترام الكثير من السنة السعوديين للهوية الشيعية وتسامحهم مع المعتقدات الدينية الشيعية ما زال يعتبر هدفاً بعيداً. إذ دأب الشيوخ السعوديون على التصريح بأقوال توصي السنة بعدم تحية الشيعي أو الأكل معه.[19]
محاولات تجسير الهوى بين السنة والشيعة تواجه في بعض الأحيان أيضاً القمع الحكومي. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2006 ضغطت الحكومة على علماء دين شيعة من أجل تفكيك مجموعة شكلوها لمحاولة توحيد المناهج الدينية للتثبت من رؤية الهلال الجديد. ويستند التقويم الإسلامي إلى السنة القمرية، والاختلافات حول ثبوت الهلال الجديد، الذي يُعلِّم بداية المناسبات الدينية، هو مسألة خلافية متكررة بين السنة والشيعة.[20] وفي 4 فبراير/شباط 2007 اعتقلت الشرطة السرية السعودية مخلف بن دهمان الشمري، وهو ناشط حقوقي سني يدأب على محاولة توسيع التفاهم بين السنة والشيعة، واحتجزته لمدة ثلاثة أشهر لزيارته لعالم الدين الشيعي الأبرز في السعودية، الشيخ حسن الصفار.[21]
التعليقات (0)