إن الذين يراقبونني من شرفة وجودهم المعافى، يرثون لحالي ولكن مهما بدا طريقي مظلما في أعينهم فإني أحمل نورا عجائبي في قلبي فالإيمان ينير كل سبيل أسلكه .
هيلين كيلر.
وقـــــالت :
" إن العمى ليس بشيء وإن الصمم ليس بشيء، فكلنا في حقيقة الأمر عمي وصم عن الجلائل الخالدة في هذا الكون العظيم".
ولدت هيلين كيلر فير مدينة تسكمبيا بالولايات المتحدة الأمريكية عام1880م وقبل أن تبلغ الثانية من عمرها أصيبت بمرض أفقدها السمع والبصر وبالتالي عجزت عن الكلام لانعدام السمع. وعملت والدتها إلى تعليمها استعمال يديها في عمل إشارات تفصح بها جزئيا عما تود قوله، ثم وضعها والدها في معهد للعميان وطلب من رئيس القسم أن يرشدها إلى معلمة لها، فأرشدها إلى آن سوليفيان التي كانت قد أصيبت أول عمرها بمرض أفقدها بصرها، ودخلت معهد العميان في الرابع عشر من عمرها وبعد حين عاد بصرها جزئيا.
وقد التقت بعد انتهاء دراستها بهيلين كيلر لتبدأ معها رحلة طويلة مثيرة هي أشبه بالأعجوبة وتمثل في الحقيقة أروع إنجاز تم في حقل تأهيل المعوقين. سعدت أسرة كيلر بالمعلمة سوليفان ورحبت بها ترحيبا حارا، وكانت هيلين آنذاك في حوالي السادسة من عمرها، بدأت سوليفان تعلمها الحروف الأبجدية بكتابتها على كفها بأصابعها واستعملت كذلك قطعا من الكرتون عليها أحرف نافرة، كانت هيلين تلمسها وتدريجيا بدأت تؤلف الكلمات والجمل بنفسها.
وبدأت المعلمة الجديدة مهمة تعليمها الكلام بوضع يديها على فمها أثناء حديثها لتحس بطريقة تأليف الكلمات باللسان والشفتين. وانقض فترة طوية قبل أن يصبح باستطاعة أحد أن يفهم الأصوات التي كانت هيلين تصدرها.
ولقد أتقنت هيلين الكتابة وكان خطها مبهرا، ثم التحقت بعد ذلك بمعهد كمبردج للفتيات وكانت معلمتها ترافقها وتجلس بقربها في الصف لتنقل لها المحاضرات التي كانت تلقى وأمكنها أن تتخرج من الجامعة عام 1940م حاصلة على بكالوريوس علوم وهي في سن الرابعة والعشرين.
ذاعت شهرة هيلين كيلر فراحت تنهال عليها الطلبات لإلقاء المحاضرات وكتابة المقالات في الصحف والمجلات.
بعد تخرجها من الجامعة عزمت على تكريس كل جهودها للعمل من أجل المكفوفين، وشاركت في التعليم وكتابة الكتب.وفي أوقات فراغها كانت هيلين تخيط وتطرز وتقرأ كثيرا وأمكنها أن تتعلم السباحة والغوص وقيادة المركبة ذات الحصانين. ثم انطلقت نحو مجد أكبر ونصر أعظم بحصولها على شهادة الدكتوراه في العلوم والدكتوراه في الفلسفة. وجالت العالم في حملات لصالح المكفوفين وانتخبت من أهم عشر سيدات في العالم.وألفت كتابين وكانت وفاتها عام 1968م عن 88عاما.
مما قالته في كتبها
نذكر هنا بعض كلمات هيلين التي وردت بكتبها
"يتعجب كثير من الناس عندما أقول لهم باني سعيدة، فهم يتخيلون أن النقص في حواسي عبء كبير على ذهني يربطني دائماً بصخرة اليأس، ومع ذلك فإنه يبدو لي أن علاقة السعادة بالحواس صغيرة جداً فإننا إذا قررنا في أذهاننا أن هذا العالم تافه يسير جزافاً بلا غاية فإنه يبقى كذلك ولم تتبدل صورته، بينما نحن إذا اعتقدنا أن هذا العالم لنا خاصة وأن الشمس والقمر يتعلقان في الفضاء لنتمتع بهما فإن هذا الاعتقاد يملأنا سروراً لان نفوسنا تتمجد بالخلق وتسر به كأنها نفس رجل الفن، والحق أنه مما يكسب هذه الحياة كرامة ووجاهة أن نعتقد أننا ولدنا لكي نؤدي أغراضاً سامية وأن لنا حظاً يتجاوز الحياة المادية".
وقالت هيلين أيضاً : إذا اعترض علي شخصاً متسائلاً ألا تسأمين من وحدة الأشياء التي تمسينها وأنت لا ترين اختلاف الضوء والظلام عليها؟ أليست الأيام كلها سواء لديك؟
سوف أقول : كلا إن أيامي كلها مختلفة فليست هناك ساعة تشبه أخرى عندي فإني بحاسة اللمس أشعر بجميع التغيرات التي تطرأ على الجو، وإني متأكدة بأن الأيام تختلف عندي بمقدار اختلافها عند الذين ينظرون إلى السماء ولا يبالون بجمالها بل يرصدونها ليقفوا منها هل تمطر أم لا، وفي بعض الأيام تنسكب الشمس في مكتبي فأشعر بأن مسرات الحياة قد احتشدت في كل شعاع من أشعتها، وهناك أيام ينزل فيها المطر فأشعر كأن ظلاً يتعلق بي وتنتشر رائحة الأرض الرطبة في كل مكان، وهناك أيام الصيف المخدرة حين يهب النسيم العليل ويغريني بالخروج إلى مظلتي حيث أتمدد واحلم بالزهر يغشاه النحل وهناك ساعات العجلة والازدحام حين تحتشد الخطابات على منضدتي ثم ساعات لانهاية لها تختلف وتتفق مع المفكرين والشعراء، وكيف أسأم ما دامت الكتب حولي.
كما تتحدث هيلين عن حاسة الشم لديها، فتقول " أن حاسة الشم لدي من أثمن واهم ما املكه في حياتي اليومية فإن الجو ممتلئ بالروائح التي لا حصر لها أعرف منها الأماكن والأشياء"
ومن خلال وصف هيلين للأشياء وإحساسها بها نجد مقدار إحساسها العالي بالعالم حولها ووصفها الدقيق له بطريقة من الممكن للإنسان العادي الطبيعي الذي يمتلك كل حواسه أن يعجز عن وصفها، ونرجع في النهاية للنظر إلى عظمة الخالق وقدرته العالية وحكمته التي وجدناها في هيلين فعلى الرغم من فقدانها لعدد من حواسها إلا أنها ملكت من القدرة والمثابرة أن تغير حياتها ولا تستسلم لليأس والظلام والسكون.
التعليقات (0)