مع أقتراب موعد الأنتخابات التشريعية في العراق توقع الجميع حدوث مفاجأة سواء على صعيد التحالفات الأنتخابية أم على الصعيد الأمني وعلى صعد الدعاية الأنتخابية..لكن أحدا لم يتوقع أن تكون المفاجأة قادمة من لجنة أجتثاث البعث (المساءلة والعدالة حاليا) التي لم تقم بأي نشاط يذكر خلال السنوات الخمس الماضية لكنها ونحن على أعتاب الأنتخابات تحركت بصورة مفاجئة لتستبعد العشرات من المرشحين من بينهم مشاركون بالعملية السياسية وبعمليات أنتخابية سابقة ومنهم أيضا من شغل مواقع حساسة في الدولة العراقية بعد عام2003.
الهيئة سلمت المفوضية العليا للأنتخابات قائمة أولى بخمسمائة مرشح أتبعتها بقائمة أخرى.
وصول قيادات بعثية سابقة الى قبة البرلمان أمر مرفوض..لكن هل منع ذلك يتم من خلال هذه الأجراءات التعسفية ومن خلال هذه الهيئة التي عليها مآخذ كثيرة منها..
1. أن رئيس الهيئة أحمد الجلبي ومديرها العام علي اللامي مرشحان في الأنتخابات القادمة وبالتالي فمن الظلم والأجحاف وضع مصائر المرشحين والكيانات السياسية بأيدي منافسين لهم في الأنتخابات.
2. مدير عام الهيئة علي فيصل اللامي شخص متواطئ مع المجاميع الخاصة (ومع أيران التي لها مصلحة بأضطراب الوضع في العراق) وقد أعتقل في مطار بغداد الدولي بعد قدومه من لبنان من قبل القوات الأمريكية التي بقي معتقلا لديها لأتهامه بالضلوع بتنفيذ التفجير الذي أستهدف المجلس البلدي لمدينة الثورة أثناء عقد أجتماع للمجلس مع القوات الأمريكية وأدى الى شهداء من الجانبين حتى أحيل ملفه للحكومة العراقية التي أطلقت سراحه.
3. الهيئة التمييزية للهيئة لم تحدد بعد من قبل مجلس النواب وبالتالي فأن أحد أجزاء الهيئة وفق قانون المساءلة والعدالة لم يكتمل بعد.
4. فترة الطعون للكيانات والأشخاص حددت بستين يوما وبالتالي فنتائج الطعن لن تظهر الا بعد أكثر من أسبوع على الأنتخابات أو أن تخضع العملية الأنتخابية برمتها لتأجيل آخر وهو ماسيهدد بفراغ دستوري قد يؤثر سلبا على مجمل الأوضاع في العراق.
5. الطريقة التي جرى بها الأستبعاد وما سبقه من ضجة أعلامية أعطت للفضائيات والقوى المناوئة لمسيرة العراق مجالا للتخوين والطعن في النظام الجديد ودس السم في العسل وتأويل المسألة طائفيا.
المسألة الأخرى الحساسة هي وجود العديد من الوجه المعروفة والتي تتواجد اليوم في مؤسسات الدولة المختلفة ومن أبرز هؤلاء صالح المطلك عضو البرلمان الحالي وعضو لجنة كتابة الدستور ووزير الدفاع الحالي عبدالقادر العبيدي الذي عمل أيضا كقائد للقوات العراقية في عمليات دحر الأرهاب في الفلوجة كما شغل بعدها مواقع متقدمة في وزارة الدفاع..أضافة الى ورود أسم نائب رئيس الوزارء رافع العيساوي الذي سبق أن شغل حقيبة وزير الدولة للشؤون الخارجية في الحكومة الحالية قبل أنسحاب وزراء جبهة التوافق وعودتهم لاحقا.أن ورود هذه الأسماء تضعنا أمام خيارين لاثلث لهما..
الأول أن يكون الأمر فبركة لها غايات أنتخابية وسياسية..
والثاني أن تكون هيئة المساءلة مقصرة في عملها طوال السنوات السابقة بحيث سمح تراخيها بوصول العديد من الكوادر المتقدمة في حزب البعث الى مواقع حساسة في الدولة العراقية وهي في غفلة عن هذا وبالتالي يجب أن تعاقب هذه اللجنة لأنها أنفقت ميزانيات ورواتب خلال السنوات الماضية "على الفاضي" ولم تنتبه الا الآن..
والحقيقة أن المسألة مزيج من الأحتمالين وليس أحدهما..فالسيد الجلبي وبعد أن فشل في أن يحصل على أي رصيد خلال الأنتخابات التشريعية الماضية كما فشل حزبه بتحقيق أي مقعد في أنتخابات مجالس المحافظات يحاول أن يحصل على بعض الشعبية له من خلال تصوير نفسه بصورة حامي العراقيين من البعث من جهة ومحاولة تسقيط خصوم قائمته (والتي عانت معظم مكوناتها من هزيمة في أنتخابات مجالس المحافظات أمام أئتلاف دولة القانون الذي تزعمه المالكي)من خلال الأيحاء بأنهم جميعا تحالفوا مع البعثيين وغضوا النظر عنهم..وهذا لاينفي في نفس الوقت وجود بعض البعثيين والمروجين للفكر البعث بشكل أو بآخر في قوائم المرشحين للأنتخابات (لكن ليس بالصيغة ولا بالأعداد المرعبة التي أعلنتها الهيئة!!) فمثلا وزير الدفاع أقصي من الجيش وقطعت علاقته بالسلاطة منذ عام 1994 حتى أن بيته قد تمت مصادرته من قبل النظام..كما كان من الضباط الأوائل الذين عادوا الى الخدمة بعد إعادة تشكيل الجيش لكنه اليوم أحد المشمولين بقرارات الهيئة.
في الحقيقة الخشية أن تكون وراء المسألة أكثر من مجرد صراع أنتخابي..فترافق الأستبعاد مع علو بعض الأصوات الطائفية أشارة لكل العراقيين للحذر من الأجندات الطائفية التي لاسيتبعد أن تحاول بعض الجهات المدعومة من بعض دول جوار العراق أن تؤججها من جديد للأبقاء على فرص القوى الطائفية الحالية (السنية والشيعية على حد سواء) في الفوز بنسبة من المقاعد تؤهلها لأعادة الوضع الى ماكان عليه عامي 2006 و 2007..وبالطبع البيادق كثيرة في هذه اللعبة بعضها يتحرك بغباء والبعض الآخر مسير فيها..
فالبداية كانت مع التفجيرات الدموية التي شهدها العراق في الفترة الماضية والتي نفذتها القاعدة..
بعد ذلك جاءت التصريحات النارية للبعض ومنهم النائب صالح المطلك بأن البعثيين سيكون لهم وجود في البرلمان القادم لن يقل حسب المطلك نفسه عن 40 مقعدا مما مثل رسالة سيئة العنوان والمضمون والتوقيت الى كل شرائح الشعب والقوى العراقية التي عانت من البعث ماعانت..وكانت سببا للقيام بمحاولات لتوحيد الأئتلاف العراقي بأتلاف دولة القانون والتي فشلت لحسن حظ العملية السياسية..
وجاءت تصريحات رجل الدين السعودي العريفي ضد المرجع السيستاني لتعطي حيزا لبعض القوى لرفع أصواتها والدعوة الى حماية المذهب كي ترفع من رصيدها الشعبي المتراجع من خلال محاولة جر الناس الى الشعارات الطائفية..
وفي الوقت الذي مثلت فيه خطوات الأستبعاد أنتقالة نوعية بتهديد الأستقرار النسبي والمصالحة الوطنية - مما أعطى فرصة لبعض الفضائيات(المنسوبة للعراق) والمعادية لمنهجه الدبمقراطي لأن تتصيد بالماء العكر ولتطلق أشاعات ذات نفس تحريضي طائفي- أنطلقت من هنا وهناك تصريحات أتهام وتخوين لاتخدم إلا الاهداف المريضة لمطلقيها..كان أبرز تلك التصريحات تصريح ظافر العاني الغير مسؤولة والأتهامات التي كالها لشركائه في العملية السياسية التي يتحمل كما يتحملون هم أخطاؤها وسلبياتها وكذلك أعلان جلال الدين الصغير عن أكتشاف القوات الأمريكية لسجن تحت الأرض في الأنبار يضم عشرات من الشيعة المختطفين ووصل الأمر بموقعه (وكالة براثا) الى نشر قائمة بأسماء قالت أنها أسماء السجناء قبل أن تنفي الحكومة وشرطة الأنبار والقوات الأمريكية تلك المعلومات جملة وتفصيلا..تلك التصريحات أذا نظر اليها مع الأحداث التي أوردناها تعيد التذكير بأيام 2006 المشؤومة وحروبها الأعلامية التي كانت ذات الأصوات تصب فيها الزيت على نار الفتنة التي أحرقت الأبرياء الآمنين وسلم مشعلوها منها...
أن مسألة أستبعاد الكيانات السياسية والمرشحين بصورة تعسفية وغير مدروسة وفي هذا الوقت يسئ الى ديمقراطيتنا الناشئة ودولتنا التي نريد أن نبنيها على أساس العمل والكفاءة والمساواة وتقبل الآخر.
نعم نحن ضد الترويج للبعث وضد خروج البعث من الباب ليعود من الشباك لكن علينا أن لاننسى الوفا من العراقيين أجبروا على الألتحاق بالحزب للحفاظ على وظائفهم وخاصة ضباط الجيش العراقي الذين كانوا ملزمين بالأنتماء للبعث للتقدم للجيش ونيل الترقيات..خاصة أن من هؤلاء الضباط من خدم الدولة العراقية اليوم بكل مهنية وأخلاص وخاطر بحياته في الحرب المفتوحة ضد قوى الأرهاب والتطرف والرجعية التي تحارب مسيرة العراق وبالتالي فالحديث اليوم من جديد عن شمولهم بالأجتثاث قد يهدد التحسن الأمني خاصة أن أبعاد هؤلاء الذين تكونت لهم خبرة من خلال تجربة السنوات الماضية في أساليب الحرب ضد الأرهاب قد يسبب فراغا يعطي مجالا لبعض المجاميع الأرهابية لكي تمارس نشاطاتها من جديد..
نحن مع المساءلة أن حدثت بأشراف قضاة أو شخصيات مستقلة بعيدة عن المشاركة في الأنشطة السياسية..
نحن مع المساءلة التي تحاسب الفرد على أفعاله وتحرمه من الترشح من دون أن تحرم كيانه بأكمله من المشاركة في الأنتخابات..
نحن مع المساءلة أن لم تكن في وقت الأنتخابات والدعاية الأنتخابية..
نحن مع المساءلة أن لم تكن من أجل تسقيط الآخرين..ونحن معها أن لم تجري بالطريقة البعثية التي تؤمن بأجتثاث المخالفين..ونحن معها أن لم تستخدم من أجل تصفية الحسابات القديمة..وعلينا أن نتذكر أن الغاية الأولى من تشكيل هذه الهيئة كانت تخليص المجتمع من فكر البعث وليس ممارسة فكر البعث مسميات أخرى..وأكرر أن علينا أن نتذكر أن معظم موظفي الدولة العراقية أجبروا على الأنتماء الى هذا الحزب (وصل الأمر بالنظام في السنوات الأخيرة الى أجبار الطلبة على الأنضمام للحزب من المرحلة الأعدادية)..
كل تلك الأمور أن روعيت فحتما سنقف الى جانب الهيئة..
نتمنى أن تشهد الأيام المقبلة قرارات أكثر عقلانية للحفاظ على مكتسبات العراق الأمنية والسياسية وعلى صورة الدولة العصرية التي نود أن نبنيها..
ولنفوت الفرصة على الطائفيين ومثيري الفتن كي تكون هذه الأنتخابات رصاصة الرحمة التي تجهز على طموحاتهم المريضة..
التعليقات (0)