هوية ام هويات؟
يوسف محسن
Yusef9611@yahoo.com
تتجذر الهوية (الهويات) في حقل التقابلات والتماثلات أي حقل الصراعات الطبقية والاثنية والقومية وحقل التوترات الايديولوجية والتنافس بين الفئات والمكونات للهيمنة، لذا فهي تمثل رهان في الصراع من اجل السلطة السياسية بمختلف مستوياتها، بما فيها اعادة انتاج النخب السياسية ضمن منظور شمولي يحقق مصالح الجماعات والطبقات والاثنيات.
فالهوية (الهويات) توصف بانها معطى تاريخي وليست معطى مقدس او مطلقاً وهي كأي منظومة تاريخية عرضة للمراجعة النقدية، يكتسبها الفرد عبر الممارسة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية داخل حقل مجتمعي، تقدم العلوم السياسية اضاءات مهمة نحو فعالية الهوية في العالم المعاصر واكتشاف حضورها في قلب مناطق النزاعات العالمية، تمتد من البلقان والقوقاز الى قلب افريقيا السوداء ومنطقة الشرق الاوسط والعراق بالذات.
اذ يوصف التنوع الهوياتي للمجتمعات الحديثة بانه جزء من الثراء الثقافي واللغوي والسكاني ولكن عندما يستجيب لمحفزات التشظي والانقسام والصراع والتمركز يصبح احد مولدات العنف الهوياتي كما هو حال التجربة العراقية اذ تطرح الحركات السياسية العراقية مفهوم الهوية كمعطى مقدس خارج الحقل التاريخي المجتمعي، غير قابل للجدل او المراجعة او التحول.
لذا فان الهوية الجماعية لاي مجتمع هي تراكمات وبنى واديان وطوائف وملل وقوميات تتشكل عبر تمرحل تاريخي تنصهر داخل اتونها العناصر والقيم اللغوية والاجتماعية والاثنية والاقتصادية والثقافية، عبر الاعتراف المتبادل والشراكة، في حين اية قراءة متعمقة لتاريخية المجتمع العراقي الحديث. نكتشف عن هشاشة الهوية العراقية وعدم طرح ماهية الاديان والطوائف والمذاهب والجماعات اللغوية التي تكون منها المجتمع العراقي على طاولة التداولات النقدية، وتم وضع هذه المسألة في حقل المحرمات ما ادى الى تحول هذه الجماعات الى طوائف واقوام وملل واثنيات مغلقة تبلور تمثيلات وصور نمطية تبادلية بعضها عن البعض وتركيبات اسطورية، احتقارية رسمت عبر التربية والتثقيف والسرديات الدينية الفقهية والمدونات الثقافية، اضافة الى الانقسامات السياسية والصراع بشأن السلطة السياسية، التي لعبت ادواراً مهمة في التشهير او الحط من قيم وعادات الجماعات الاخرى، ولو تساءلنا عن حجم المعرفة التي تمتلكها الجماعات الشيعية ازاء الجماعات السنية العراقية او ازاء الجماعات الايزيدية او الصابئية او المسيحية السريانية، او الاثورية او بعضها لبعض لوجدنا انها معرفة هشة وتتسم بالعدوانية والعنصرية والتشويه الذاتي.
فالجماعات والافراد في العراق مجرد تجمعات بشرية لم تبلغ بعد مرتبة مجتمع بالمعنى العلمي وذلك لفقدانهم العقد الاجتماعي والتوافق على ثوابت الهوية فضلاً عن انتشار ايديولوجية الانشقاق الثقافي بين الطوائف والملل والجماعات القومية والاثنية وهي متجذرة في بنية المجتمع نتيجة لضعف الاندماج المجتمعي مما حول التنوع الثقافي الى تمايز واختلاف ومع اختفاء الايديولوجيات الكبرى الحاكمة في المجتمع العراقي خلال الحقبة الماضية، والتي شكلت مصدر الهويات السياسية، عاد الدين الى المقدمة من خلال سردياته الكبرى واساطيره لتأسيس هوية وكينونة وجودية في المجال الثقافي للجماعات العراقية.
هذه المسألة تعود الى البنى الايديولوجية التي تتحكم بآليات النظام السياسي والثقافي العراقي ومرتبط بتركيبة الدولة السياسية (1921- 2003).
فقد استطاعت هذه الدولة ومؤسساتها ان تهضم سائر الهويات الدينية والقومية والطائفية لصالح خطاب قوماني شمولي من قبل الجهاز الحكومي حيث تميزت هذه الدولة بدرجة عالية من المركزية وكسبت مجموعة التناقضات والمعضلات المتراكمة في البنية الاجتماعية بالاضافة الى ذلك كان يرافق هذه الدولة الوطنية منذ التكوين الاول (فيصل حتى صدام حسين) خطاب ثقافي شاذ عن النظام الثقافي العراقي (ساطع الحصري. ميشيل عفلق) يتناقض مع التركيبة السكانية وينم عن توتر وفشل مشروع الدولة الوطنية العراقية واخفاقها في تشكيل هوية مجتمعية للوعي الوطني العراقي والحذف المستمر للانظمة الثقافية الراديكالية التي تتعارض مع التوجهات السياسية للدول.
بعد العام 2003 ونتيجة للتغيرات الحاصلة في العقد الاجتماعي العراقي ظهرت ايديولوجية صراع الهويات الانثربولوجية في الخرائط السياسية العراقية (اثنيات) اعراق، ثقافات مكونات ثقافية وبشرية مختلفة. وهي صراعات اقتصادية – اجتماعية.
وقد شكلت الهويات الفرعية في المجتمع العراقي المادة التاريخية الخام في الايديولوجيات الحديثة فالماضي يمثل العنصر الاساسي لهذه المنظومات واذا لم يكن هناك ماضي، احداث، ايقونات فابالامكان دائماً اختراعه لتمثل الثغرة الوراثية للجماعات الدينية لاعادة التلاحم الايديولوجي وتنظيم علاقات الاختلاف والتمايز عن الاخر.
التعليقات (0)