مواضيع اليوم

هوامش ساخنة .. بشأن المادة (140) من الدستور .. (الحلقة الثانية)

(الحلقة الثانية)


عبد الهادي فنجان الساعدي


يقول احد المواطنين الزمبابويين المضطهدين : لقد اصبحنا متحفا للقتل !!! كم زمبابوي في العالم ؟!! كم موغابي وكم صدام .. ولكن هل هذا هو المهم ؟!!! أن المهم هو .. عندما يذهب الطاغية موغابي .. فكم موغابي سيخلف .. هل سيخلف مثلما خلف صدام في العراق .. مئات الالوف من النماذج الجرثومية المصغرة لصدام ؟!!!
عندما كنا في محافظة النجف في نهاية السبعينيات مبعدين وظيفيا بموجب قرارات تبعيث التعليم (جعل التعليم مناطق مغلقة للبعثيين فقط) ، كنا نضطر للمبيت في بيوت بعض الاقرباء في حي العمارة .. وحي العمارة من الكوارث البيئية والاحياء التي تنتمي الى عالم اخر وزمن اخر ، ويعتبر من الاحياء الغريبة في طراز بنائه وفي علاقاته ومكانه وكانه عالم قائم بذاته من السحر والرهبة والعلاقات الحميمة التي تعود الى الاجداد وكانك عندما تدخله .. تدخل الى قرن اخر غير القرن العشرين ، حيث يحيطه من الجانب الايمن للقادم من العاصمة ..، مقبرة النجف ومن الجانب الخلفي والايسر انحدارات بحر النجف (وما بقي منه واحة في واد عميق تملؤه اشجار النخيل بعد أن كان بحيرة كبيرة تتصل بنهر الكوفة ولهذا السبب سمي بحر النجف ، ولهذا السبب ايضا كانت المراكب المحملة بالجثث والمسافرين القادمة من عمان ودول الخليج تصل الى النجف مباشرة عن طريق هذه الطرق المائية المتصلة) ومن الامام يواجه قبة الامام علي بن أبي طالب (ع) . قد تكون هناك اختلافات في وصف الخارطة ولكن ليس هذا هو المهم بل المهم اكثر هو نوعية البناء حيث أن معظم المباني تتكون من طابق واحد وطريقة بناء البيوت تسمى (البناء الشيطاني) حيث ان الطابوق من نوع (الفرشي) ويبنى (قيناص – كاز) أي بوقوف الطابوقة التي ابعادها 25×25 سم على احد زواياها بحيث ان سمك الجدار لا يتجاوز عشرة سانتيمات وبين كل متر واخر هناك دعامة من الطابوق تربط بين هذين المترين والبناء كله بالجص ولهذه الاسباب سمي بالبناء الشيطاني ، ولا ادري كيف يقف هذا البناء عشرات السنين وكان الشياطين هي التي بنته وهي التي حرصت على المحافظة عليه . ما زالت هذه الصورة عالقة في ذهني وكذلك حالة اقربائي هؤلاء لا زالت عالقة ايضا في ذهني حيث (عيش الكفاف) وعندما سنحت الفرصة لهذه العائلة لكي تذهب الى كركوك لتحصل على قطعة ارض وقرض للبناء وتسهيلات في نقل هوية الاحوال المدنية والوظيفة وكل الامور الادارية لم يكن يخطر في بال هذا الانسان العراقي النازح من حي العمارة في النجف الذي يُعد من اكثر الاحياء السكانية في العراق فقرا وانسحاقا بانه سيصبح احد ادوات تنفيذ اكبر عملية تغيير ديموغرافي في العراق على حساب القوميات الاخرى ، يخطط لها النظام العراقي انذاك وينفذها بموجب معطيات السلطة التي اتخذت من اسلوب الاستبداد والدكتاتورية وسيلة للتعامل مع الواقع الجغرافي والاثني والسياسي والديموغرافي عموما وتغييره من اجل التفاوض مستقبلا بحسب واقع جديد فرضته هذه السلطة بموجب كل المعطيات السابقة التي فرضتها قسرا .
مثل هذه الحالة هناك حالات كثيرة وجدت في هذا القرار فرصة للعيش بكرامة ، وكركوك هي مدينة عراقية لا تختلف عن بقية المدن العراقية في شيء طالما أن الفرصة سانحة للعيش بكرامة واطمئنان ، فحدثت الهجرة العربية وتوازت معها عملية التهجير من كركوك لبقية الاثنيات الاخرى لكي تتم عملية التغيير الديموغرافي التي كانت السلطة في ذلك الوقت تقصد منها تغليب جانب معين الذي هو الجانب العربي على الجوانب الاخرى ، وبالرغم من كل ذلك فقد رضي الجميع مرغمين بالواقع الجديد ولكن ذلك كان يشبه الى حد بعيد وضع جسم غريب في جسم اخر اكبر في عملية جراحية كبيرة وبعدة اجزاء بطريقة بدائية لم تستعمل فيها طرق الزرع الحديثة والتقنيات المتقدمة لذلك اصبح هذا الجسم مليئا بالجراح والتغييرات الغريبة والمعقدة التي انعكست بشكل سلبي وسيء على الاوضاع النفسية لهذا الكائن .
(في تقرير لاحدى الفضائيات يقول بان امريكا التي تحاول ان تحد من الهجرة اليها لا يمكنها ان تستمر في الديناميكية والعيش بحيوية دون عمليات الهجرة واستيعاب المهاجرين الجدد الذي يمثلون التغيير والحيوية المطلوبة في الحياة الامريكية) .
أن أي تغيير في حياة المدن يجب أن يكون تغييرا معتمدا على اسس علمية ودراسات سابقة تاخذ الواقع والاستيعاب لهذه المدن ماخذا جديا تحاول فيه دراسة كل الاحتمالات الواردة والتي من الممكن ان تاتي بنتائج غير مرضية لكل الاطراف المشتركة في عملية التغيير الديموغرافي .
لقد تغير الوضع واصبحت دوائر صنع القرار متعددة فالجانب العربي الان اصبح كثير المشاكل نتيجة تدهور الاوضاع الامنية في البلد ونمو جانب على حساب جوانب متعددة ، هنالك العسكر والفساد والجانب الاكبر في اندحار الاغلبية الحاكمة هو التاكل الداخلي الذي تنميه سياسة تفضيل الثقة على الكفاءة . ان كيسنجر مهندس السياسة الامريكية في الستينيات والسبعينيات هو ابن مهاجر من احدى الدول الاوربية ، لم يصل الى موقعه هذا نتيجة علاقات اثنية او طائفية مع احد الرؤساء ، انما نتيجة الكفاءة وكذلك الكثير من المسؤولين الاوربيين والامريكان لم يصلوا الا عن طريق الكفاءة . اما نحن فمنذ 1400 سنة نعاني من نفس العقدة ولم نزل نراوح في مكاننا نتيجة الولاء وليس نتيجة الكفاءة . يقول الامام علي (ع) (لو كان المال يجمع بقدر ما عند الانسان من علم لكنت اغنى الناس) .. وكان بحسب (نهج البلاغة) و (البيان والتبيين) و (لمحات اجتماعية من تاريخ المجتمع العراقي الحديث) للدكتور علي الوردي يؤكد على الكفاءة والنزاهة في توظيف الولاة والقضاة والمسؤولين في الدولة .. هاهي ارصفة ومحطات الدول العربية والاسلامية والاجنبية تمتليء بالكفاءات العراقية وكذلك المقابر ، لقد خلق صدام المقابر الجماعية ولكننا قتلنا في اربعة اعوام اضعاف ما قتله صدام في ثلاثة عقود .. ان الكفة تميل الى جانب صدام ونظامه الان .. بالرغم من ان زمنه كان رديئا ودمويا ولكن بجانب الرديء هناك الاردا والاكثر دموية ، وبالتاكيد فقد انحدرنا للاردا لان التغيير لم يكن تغييرا للهيكلية الاساسية للقوانين التي تحكم العلاقات بين المجتمع والدولة أي بين الناس والحكومة بكل مؤسساتها . اننا لا نعرف لحد الان الفرق بين مؤسسات الدولة ودولة المؤسسات والنتائج التي نجنيها من كل نوع من هذين النوعين .
أن المادة (140) هي ضحية اخرى من ضحايا الاختلاف بين دولة المؤسسات ومؤسسات الدولة وبين دولة الثقة ودولة الكفاءات . لقد اصبحت المادة (140) وسيلة للعرب والكورد والامريكان والاتراك للمساومة والتخطيط لمستقبل كركوك الأثني والطائفي من دون العودة لأصحاب الشأن، وهل هناك من ينصف هذه الطبقات المسحوقة من الكورد والعرب والتركمان ويعيدها الى عراقيتها ، أم ان القضية اصبحت دولية اكثر مما هي عراقية.
أن الضغوط الان تمارس على العرب المهاجرين الى كركوك لكي يهاجروا مرة اخرى الى المحافظات البائسة التي جاءوا منها وكانهم جاءوا من قطر اخر ليس له علاقة بهذا القطر الغني البائس . وبغض النظر عن اتساع رقعة الانسانية واتساع رقعة الوطن ولكن ما هو موقف اصحاب القرار من القبائل العربية التي كانت تسكن في هذه المحافظة من مئات السنين ؟!! صحيح ان الكثير من هذه القبائل بدات تمارس عملية التغزل القديمة بالقادة واصحاب القرار الكورد ومخاطبة مشاعرهم البليدة ولكن هل هذا هو السبيل الصحيح لايجاد الحل لهذه المعضلة التي خرجت من ايدي ابنائها لتكون في ايدي دولية لتقرير هل أن كركوك كوردية أم عربية أم تركمانية بموجب مبادئ المساومات القديمة ومن يدفع اكثر من ارض الوطن ونفط الوطن .. وما زالت الدماء كثيرة .. والنفط كثير .. والبارود اكثر ..
هل من المعقول ان نخاطب الجانب العربي وكذلك كل الاطراف الاخرى بان ينظروا بجدية اكبر وتفعيل الجوانب الفكرية في ايجاد الحلول الملائمة التي تنصف الانسان الذي يعيش في هذه البقعة قبل النظر الى ما تحويه هذه البقعة من نفط وغاز وماء وجبال وتاريخ مليء بالماسي والكوارث . انني اشك بان هناك من يسمع الخطاب العربي المليء بالتشنج مرة وبالتوسل بالاخوة مرة اخرى .. حيث لا زالت لغة القتل والتفجير ولغة السيف اصدق انباء من الكتب .. هي السائدة..
لن نفترض بان الحل يمكن في غير النظر الى المادة (140) من الدستور بنظرة عراقية قبل ان ننظر اليها نظرة اثنية او طائفية وبانها ستنصف الجانب الاقوى او الاغنى او الذي بيده تغيير ميزان القوى اليوم .. اننا بانتظار الغد وبالتاكيد سيكون الغد عراقيا والا فسيكون المواطن الكركوكي المسكين من أي فئة كان هو الضحية وهو الخاسر الاكبر في ظل الصراعات الطائفية والاثنية ومطامع دول الجوار والاصدقاء الامبرياليون الجدد (اعداء الشعوب) بالامس .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !